فلسطين «بوابة» ثورة تصحيح مسار التاريخ العربي قبل 70 عاما

  • 7/23/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تسجل أجندة التاريخ العربي الحديث، أن فكرة «الثورة المصرية الكبرى 23 يوليو 1952»، ولدت على أرض فلسطين، في ظل  مناخ عربي ملبد بسحب كثيفة من التبعية والإنكسار والترهل والعجز، وقد تكشفت مشاهده العبثية مع نكبة 1948 وتأسيس المشروع الصهيوني فوق الجغرافية الفلسطينية.. وقتئذ أدرك الضابط الشاب «جمال عبد الناصر حسين » ـ 30 عاما ـ  وهو محاصر في قرية عراق المنشية  الفلسطينية بالقرب من الفالوجا، حتمية التغيير بالثورة على الأوضاع في مصر، وبدأ تأسيس تنظيم الصباط الأحرار، حين اختل التوازن الاجتماعي في مصر، وتصدع البنيان الاجتماعي والاقتصادي في ظل أجواء من الفساد السياسي، وحاصرت الشعب المصري ثلاثية الفقر والجهل والمرض، ومع نهب حقوق «الحفاة» من سكان القرى والنجوع والأقاليم النائية. وحين ترهلت مؤسسات الدولة تحت سطوة مصالح أصحاب الثروة والنفوذ، وهشاشة سلطة الملك فاروق الذي انصرف عن التفرغ لشئون الدولة، ومع تحكم سلطات الاحتلال البريطاني في موارد ومصير البلاد التي ظلت محتفظة باستقلالها غير الكامل عن بريطانيا، وانتشرت الفوضى. وكانت الأوضاع العامة للمنطقة العربية تتحكم فيها وفي شعوبها سطوة إمبراطوريتين كبيرتين: بريطانيا العظمى وفرنسا، ووراءهما الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد وتدعم وعند اللزوم تتقدم.   فلسطين احتضنت أحلام الضباط  المصريين لإنقاذ وطنهم بثورة ويسجل زعيم الضباط الأحرار ـ جمال عبد الناصر حسين ـ أن فلسطين احتضنت أحلام الضباط المصريين الشباب لإنقاذ وطنهم بثورة، وأن فلسطين كانت «بوابة» ثورة 23 يوليو / تموز 1952، وحينما كانت رائحة البارود تهب على ربى فلسطين..«وكان رصاصنا يتجه إلى العدو الرابض أمامنا في خنادقهم، كانت قلوبنا تحوم حول وطننا البعيد الذي تركناه للذئاب ترعاه، كان حديثنا عن الوطن الذي يتعين علينا أن نحاول إنقاذه». كان الضابط الشاب عبد الناصر، يتابع تطورات الموقف في المنطقة العربية، فيجدها ـ كما يقول في كتاب فلسفة الثورة ـ منطقة واحدة، نفس الظروف، ونفس العوامل، ونفس القوى المتآلبة عليها جميعا، وكان واضحا ان الاستعمار هو أبرز هذه القوى، حتى إسرائيل نفسها، لم تكن إلا أثرا من آثار الاستعمار، فلولا أن فلسطين وقعت تحت الانتداب البريطاني، لما استطاعت الصهيونية أن تجد العون على تحقيق فكرة الوطن القومي في فلسطين، ولظلت هذه الفكرة خيالا مجنونا ليس له أي أمل في واقع. وتابع: «ولقد خلوت إلى نفسي مرات كثيرة في خنادق عراق المنشية، كنت يومها أركان حرب الكتيبة السادسة التي كانت تقف في ذلك القطاع وتدافع عنه أحيانا، وتهاجم في أكثر الأحيان، وكنت أخرج إلى الأطلال المحطمة من حولي بفعل نيران العدو، ثم أسبح بعيدا مع الخيال، كانت الفالوجة محاصرة، وكان تركيز العدو عليها ضربا بالمدافع والطيران تركيزا هائلا مروعا، وكان تفكيري يقفز فجأة عبر ميادين القتال وعبر الحدود، إلى مصر، وأقول لنفسي: هذا هو وطننا هناك، إنه «فالوجة» أخرى على نطاق كبير، إن الذي يحدث لنا هنا، صورة من الذي يحدث هناك». طفلة فلسطينية أشعلت الثورة في وجدان عبد الناصر وفي شهادة تاريخية لمؤشرات انفجار ثورة ستكون نقطة تحول في التاريخ العربي.. يقول الضابط المصري الشاب، جمال عبد الناصر: «كنت أحس في فلسطين أنني أدافع عن بيتي وعن أولادي، وكان ذلك عندما التقي في تجوالي فوق الأطلال المحطمة ببعض أطفال اللاجئين الذين سقطوا في براثن الحصار، بعد أن خربت بيوتهم وضاع كل ما يملكون، وأذكر من بينهم طفلة صغيرة كانت في مثل عمر ابنتي وكنت أراها وقد خرجت إلى الخطر والرصاص الطائش مندفعة أمام سياط الجوع والبرد.. وكنت دائما أقول لنفسي قد يحدث هذا لابنتي، وكنت مؤمنا أن الذي يحدث في فلسطين، كان يمكن أن يحدث ـ وما زال احتمال حدوثه قائما ـ لأي بلد عربي، وأكثر من هذا.. لم يكن الأصدقاء هم الذين تحدثوا معي عن مستقبل وطننا في فلسطين، ولم تكن التجارب هي التي قرعت بالنذر والاحتمالات عن مصيره، بل إن الأعداء أيضا لعبوا دورهم في تذكيرنا بالوطن ومشاكله..إنه «فالوجة» أخرى على نطاق كبير..وطننا هو الآخر حاصرته المشاكل والأعداء وغرر به». موعد مع التاريخ كانت مصر والأمة العربية، على موعد مع التاريخ في ذلك اليوم من صيف العام  1952: كانت مصر على موعد مع القدر، وهي تعاني ظلما وقهرا، وسوء توزيع لثروات الوطن، وغياب مطلق للعدالة الاجتماعية..مرحلة تاريخية من أدق المراحل التى مرت بها مصر..وفي الداخل كان الاختبار قاسيا، في وطن غالبية سكانه من «الحفاة»، ومتوسط الدخل القومي للفرد حوالي 47 جنيها فقط..وكان الاقتصاد المصري متخلفـًــا وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية، يسيطر عليه بضع عشرات، أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46% من تعداد الشعب، ونسبة المعدمين من سكان الريف تبلغ 80% من جملة السكان.. ونسبة الأمية بلغت 90% ، ومعدلات المرض حققت أرقامـًـا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية. وترتب على هذا ـ بفكر الضابط الشاب قائد الثورة ، المقدم جمال عبد الناصر حسين ـ خط معين في التنمية الشاملة، استطاع ـ على سبيل المثال ـ فيما بين سنة 1956 إلى سنة 1966 أن يعطي زيادة سنوية في الدخل القومي بمعدل 6،7 % طبقا لتقرير البنك الدولي بتاريخ 5 يناير 1976 ، وهي نسبة لم يكن لها مثيل في العالم النامي كله..وأن يقيم  أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث ( 3000) مصنعا ، منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية..وتم إدخال الكهرباء والمياه النظيفة والمدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية إلى كل قرى مصر، وتم ضمان التأمين الصحي والإجتماعي والمعاشات لكل مواطن مصري . وزاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من  300 % .. وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان .. وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان .. وكل ذلك تم بدون ديون على مصر..وبرزت تجليات الشخصية المصرية في انجازات ضابط شاب من الضباط الأحرار، ثروت عكاشة ـ 31 سنة ـ بتأسيس قواعد  نهضة ثقافية وفنية مصرية شكلت وجدان الأمة العربية، مع إنشاء ـ لأول مرة في مصر والعالم العربي ـ وزارة الثقافة كمؤسسة حقيقية أصبحت  مثالاً يحتذى به لبقية الدول العربية التي استلهمت التجربة المصرية وكانت الأمة العربية، ومن الساحل إلى الساحل، من شواطئ البحار وحتى حواف الرمال، في حالة أسوأ من الغياب، ثم كان موعد الأمة مع القدر، وحين تجسد في صورة شاب يقود ثورة الضباط الأحرار، ويصبح رئيسا لمصر، لتبدأ رياح التغيير تهب على العالم العربي، ولم يعد منطقة يمكن أن يتخذ بشأنها القرارات في خارجها، كما كان، وحتى لو حدث كان «ناصر» يحبط كل محاولة في مهدها، ويقلب الطاولة على المشاركين ومن بينهم أطراف عربية، كان هواها غربيا !! وهكذا أعطى أمته يقينا متجددا بأنها موجودة، وأعطى لهذا اليقين المتجدد بالوجود حركته التاريخية، وأنجز بهذه الحركة مهاما كبيرة على أرضها وحول أرضها وفي العالم. ثورة امتد تاثيرها إلى خارج الوطن العربي المؤرخون وأساتذة علم التاريخ الحديث، يؤرخون  للمتغيرات في الإقليم العربي  بين «ما قبل ثورة 23 يوليو/ تموز  1952» .. و«ما بعد ثورة يوليو/ تموز 1952».. بين زمن سقوط الممالك والإمارات والدول العربية تحت سطوة وسيطرة وتبعية «مذمومة ومذلة» للدول الاستعمارية.. وبين زمن التحرر والاستقلال والسيادة .. بين سيادة «القطرية» العربية المحاصرة بسلطان الدول الاستعمارية.. وبين سيادة «القومية العربية» والاعتزاز بالمد القومي العارم، من شواطئ البحار والمحيطات إلى حواف الصحراء العربية. الفرق بين زمانين رسمته ثورة الرجل الكبير ، قبل 70 عاما.. حين تضافرت جهود الضباط الأحرار في الجيش المصري، وانطلقت الثورة كنقطة تحول جوهريَّة في التاريخ المصري؛ قادت مطالب، وأحلام الشعب المصري، في القضاء على التبعيَّة، والإقطاع، وسيطرة رأس المال، وإرساء أُسس عدالة اجتماعية.. ونقطة تحول مفصلية في التاريخ العربي الحديث، كما انها غدت مُنطلقًا لكل الثورات، وحركات التحرُّر في العالم الثالث، ومن أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا، وقد جاءت اعترافاتهم توثيقا لتلك الحقيقة التي عبر عنها زعيم كوبا «كاسترو» وأيقونة المناضلين العالميين « تشي جيفارا » : «لقد تعلمنا من ثورة عبد الناصر».   التاريخ له عقل وإذا كانت القاعدة الإنسانية «الذهبية» تؤكد أن التاريخ له عقل..فإن مصر لم تكن واحة هادئة مستقرة قبل الثورة، بل كانت تغلي، وكانت الوزارات تسقط خلال شهر، ثم جاء عبد الناصر وأدرك أن الصراع الطبقي سوف يلطّخ التراب الوطني بالدم ويؤدي لحرب أهلية، وسوف يؤدي تنافس القطبين الكبيرين إلى تدويل هذه الحرب مثلما حدث في إسبانيا، وهكذا قرّر أن يقوم بتحوّل اجتماعي بلا عنف ولا دماء، وعن طريق « تأميم الصراع الطبقي»، وأن تسترد الدولة كل المصالح التي نهبها الأجانب، مثل قناة السويس والمصارف وشركات التأمين.  لأول مرة يحكم مصر أحد ابنائها التاريخ له عقل..ويسجل للثورة، أنها جاءت بأول رئيس مصري «منتخب» يحكم مصر منذ الفين عام..أنهى الاحتلال البريطانى.. أنشأ الجمهورية الأولى في تاريخ مصر..استرد الأرض من 300 أسرة أصولها غير مصرية، كان محمد على باشا اقتطعها من المصريين وسلمها للمحظيين لذا جاء لفظ إقطاعي.. واستصلح اثنين مليون فدان..وإنشاء السد العالى فحمى مصر من الفيضان والحفاف وولّد الكهرباء وصارت الدولة الوحيدة فى العالم التى تزرع أربعة محاصيل سنويا..أقام ثلاثة ألاف مصنع..أنشأ ألف وحدة صحية وكان المصريون قبلة يموتون بـ«البلاجرا» لعدم أكل خبز القمح، وهم في الغالبية العظمى من الحفاة . «ناصر» كان تجسيدا لأمته العربية كانت تلك أبرز ملامح الصورة لمصر والأمة العربية، حين تولي الشاب جمال عبد الناصر ـ 34 سنة ـ مسؤولية إنقاذ الوطن بثورة بيضاء..وهي إشارات تاريخية، ترجمها فيما بعد أديب فرنسا الكبير، أندريه مالرو، بالقول «إن عبد الناصر كان تجسيدا لأمته العربية في مرحلة تحول هام، وكان وسوف يبقى لسنوات لا نستطيع من الآن أن نرى مداها، تجسيدا في الحياة لمصر والأمة العربية». وثائق الثورة : * وثيقة تنازُل عن العرش أمر ملكي رقم 56 لسنة 1952 «نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورفاهيتها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة ونزولا على إرادة الشعب قررنا النزول على العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه». صدر بقصر رأس التين في ذي القعدة سنة 1371 ( 26 / 7 /1952 ) * البيان الأول للثورة  : «اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولي أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وأني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردا من أية غاية، وانتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة أن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس في صالح مصر، وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس، و إني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولا مسئولية كاملة عن أمن أشخاصهم وممتلكاتهم ومصالحهم » توقيع: أركان حرب جمال عبد الناصر

مشاركة :