جولة أفريقية لماكرون: فرنسا تستنجد بالقارة السمراء

  • 7/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد ثلاثة أشهر على إعادة انتخابه، يعود إيمانويل ماكرون إلى أفريقيا، إحدى أولوياته الدبلوماسية، ليزور للمرة الأولى الكاميرون ذات الوزن الكبير في وسط القارة، وبنين التي تواجه تحديات أمنية في منطقة الساحل، وغينيا بيساو. يأتي هذا في وقت يقول مراقبون إن فرنسا دائما ما تلجأ إلى أفريقيا في وقت الأزمات، وخاصة مع تراجع الدبلوماسية الفرنسية في قضايا دولية وفشل أدوارها في أوكرانيا وقبلها في أذربيجان واليونان وتعثر محاولتها قيادة الدبلوماسية الأوروبية. وقالت الرئاسة الفرنسية إن هذه الرحلة التي تستغرق أربعة أيام ستسمح للرئيس الفرنسي بإعادة تأكيد “التزامه بعملية تجديد علاقة فرنسا مع القارة الأفريقية”. وخلال ولايته الأولى، فضل إيمانويل ماكرون زيارة دول الساحل، وذلك في إطار التزامه بمكافحة الجهاديين، والدول غير الناطقة بالفرنسية في أفريقيا مثل نيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا. أفريقيا، بما في ذلك الدول التي لا تعيش مشاكل أمنية مع الجهاديين، باتت تعيش حالة شك في مصداقية فرنسا وأهمل بذلك البلدان التي كانت واقعة في منطقة النفوذ الفرنسي في وسط أفريقيا مثل الغابون والكونغو الديمقراطية والكاميرون، التي طورت في الوقت نفسه علاقات سياسية واقتصادية مع قوى أخرى مثل الصين أو روسيا أو ألمانيا. لكن مع هذه الزيارة الأولى له خارج أوروبا منذ إعادة انتخابه في أبريل، يعتزم الرئيس الفرنسي “توجيه إشارة تؤكد الأولوية السياسية الممنوحة للقارة الأفريقية”، كما يقول الإليزيه. ويأتي ذلك بينما أعلن إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي رغبته في “إعادة النظر بحلول الخريف في مجمل” الترتيبات العسكرية الفرنسية “في القارة الأفريقية”، بينما تستكمل قوة برخان لمحاربة الجهاديين خروجها من مالي. وأكد ماكرون أنه يريد “ترتيبات أقل ظهورا وأقل انكشافا”، معتبرا أن ذلك يشكل “ضرورة استراتيجية”. وستطرح هذه المسألة في المحادثات خصوصا في بنين التي واجهت هجمات جهادية على الحدود مع بوركينا فاسو، وأبدت فرنسا استعدادها لتقديم “دعم ملموس” لها لاسيما في مجال الاستخبارات أو الدعم الجوي. كما ستتم مناقشة قضية الساحل في غينيا بيساو التي يستعد رئيسها أومارو سيسوكو إمبالو لتولي رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي تقف على خط المواجهة ضد المجلس العسكري في مالي. ويعتقد محللون سياسيون أن فرنسا تريد أن تتخلى عن مساهمتها في حماية أمن القارة والاكتفاء بالحد الأدنى، فيما تريد أن توسع دائرة استثماراتها واستفادتها من الفرص الواعدة في القارة، وهي معادلة صعبة، إذ أن الانسحاب الأمني الفرنسي من شأنه أن يفتح الطريق أمام دخول قوى أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهذا سيؤثر بالتأكيد على الأولوية التي كانت تعطى لفرنسا في الاتفاقيات الاقتصادية مع أغلب دول القارة. ويعتقد المحللون أن اعتماد فرنسا على التوتر مع المجلس العسكري في مالي كمبرر للانسحاب النهائي من مواجهة الجهاديين في هذا البلد مع تقليص دورها في دول أخرى يظهر أنها تريد أن تتخلى عن مسؤوليتها التاريخية في القارة، وتبحث فقط عن مصالحها، وهو أمر سيثير غضبا أوسع بين الزعماء مع مرور الوقت. السير باتجاه أفريقيا يخفي الكثير من الأسرار السير باتجاه أفريقيا يخفي الكثير من الأسرار ولم تنجح باريس في حلّ معضلة الإرهاب في مالي وفي دول الساحل والصحراء من خلال الحلول العسكرية بجهود قوات وصل عددها في بعض المراحل إلى 5100 فرد. وكان أقصى نجاح لها تصفية عدد من قيادات الجماعات المسلحة وبعض العناصر المعاونة من الصفين الأول والثاني، لكنها فشلت في تحسين الوضع الأمني بالمنطقة ووضع حدّ لتزايد نفوذ الجماعات المسلحة أو كبح خطط توسعها وتمددها. وأعقب هذا الفشل إعلان فرنسا عن سحبها لقواتها من منطقة الساحل والصحراء، وهو ما أشعر قادة المنطقة بأن باريس تتخلى عنهم في منتصف الطريق وفق ما ورد على لسان رئيس الحكومة المالية شوغل كوكالا، الأمر الذي دفع السلطات المالية إلى البحث عن بدائل وحلول للتحدي الرئيسي بالبلاد بعيدا عن الأجندة الفرنسية وتصوراتها. وواضح أن مالي تفكك شراكتها مع فرنسا وتطوي مرحلة من التدخل العسكري الفرنسي المباشر بدأت منذ العام 2013 بالإعلان عن التعاون مع كيانات أمنية بديلة مثل فاغنر الروسية أو بالانخراط في تسويات مع المسلحين المحليين، في إشارة تكشف الفشل الفرنسي في مالي بعد مقتل ما يقارب ثمانية آلاف شخص وتهجير الملايين من السكان وإغلاق المدارس وتعطيل المؤسسات وتنامي الإرهاب ضد المدنيين والقوى الأمنية. ويلفت المحللون إلى أن أفريقيا، بما في ذلك الدول التي لا تعيش مشاكل أمنية مع الجهاديين، باتت تعيش حالة شك في مصداقية فرنسا وقدرتها على أداء الدور الذي كانت تلعبه منذ عقود. كما أنها لم تعد تقدر على ممارسة الضغوط على القادة الحاليين، بعد أن كانت في السابق تفرض شروطها لصعود هذا وسقوط ذاك. وفي الكاميرون، يفترض أن تتركز المحادثات مع الرئيس بول بيا (89 عاما) الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ نحو أربعين عاما، على تهديد جماعة بوكو حرام في شمال البلاد والنزاع الدائر في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي منذ أكثر من خمس سنوات بين قوات الأمن ومجموعات انفصالية مسلحة. فرنسا تريد أن تتخلى عن مساهمتها في حماية أمن القارة والاكتفاء بالحد الأدنى، فيما تريد أن توسع دائرة استثماراتها واستفادتها من الفرص الواعدة في القارة وكان ماكرون أثار غضب السلطات الكاميرونية عندما صرح في 2020 بعد لجوء معارض إليه أنه “مارس ضغوطًا على بول بيا” بشأن العنف “الذي لا يحتمل” في هاتين المنطقتين. وخلال رحلته الأفريقية “ستطرح قضايا الحكم وسيادة القانون في كل مرحلة، من دون تحذيرات إعلامية بل بشكل تبادل آراء مباشر مع نظرائه”، كما قال الإليزيه الذي أكد أن “خط الرئيس الفرنسي لا يقضي بأيّ حال من الأحوال بأن يلقي دروسا”. وفي ياوندي، سيجري إيمانويل ماكرون مناقشات مع شباب شاركوا في القمة الأفريقية - الفرنسية في مونبلييه (جنوب فرنسا) التي أعدها البروفسور أشيل مبمبي الذي سيكون حاضرا ومعه خصوصا الفنان غريغ بيلوبو والمدرب السابق لمنتخب الكاميرون كلود لو روي ولاعب الرقبي الفرنسي السابق سيرج بيتسان. وستركز المناقشات على أزمة الغذاء التي سببتها الحرب في أوكرانيا ومبادرة “فارم” (مزرعة) التي أطلقت في مارس مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي لزيادة الإنتاج الزراعي. وتعتزم فرنسا دعم مشاريع في الكاميرون التي تملك الكثير من المقوّمات في هذا القطاع. ويفترض أن يلقى ماكرون ترحيبا حارا الأربعاء في بنين لسماحه العام الماضي بإعادة 26 قطعة من الكنوز الملكية لأبومي (جنوب) كانت نهبتها القوات الاستعمارية الفرنسية في 1892. وسيرافق الرئيس الفرنسي في جولته وزيرة الخارجية كاترين كولونا ووزير القوات المسلحة سيباستيان لوكورنو والوزير المفوض للتجارة الخارجية أوليفييه بيشت ووزيرة الدولة للتنمية كريسولا زاشاروبولو.

مشاركة :