دبلوماسية الهجوم خير وسيلة للدفاع عن مصالح روسيا

  • 7/24/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شرعت روسيا في التمدد على الساحتين الإقليمية والدولية عكس ما كان متوقعا بعد تدخلها عسكريا في أوكرانيا، وأخذت تعيد ترتيب أوراقها بصورة تمكنها من تخفيف حدة الاستهداف الغربي لمصالحها، وبدت منطقة الشرق الأوسط مناسبة لاستعراض القوة الروسية وتقويض دور القوى المناهضة لها عبر التفاعل مع أزماتها. ويشير إعلان جامعة الدول العربية أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سيلقي خطابا أمام مجلسها الذي سيلتئم على مستوى المندوبين خلال زيارته إلى القاهرة الأحد إلى أن العلاقات بين موسكو ودول عربية عديدة يمكن أن تشهد تطورات كبيرة، وأن سوريا يمكن أن تسترد مقعدها الغائب في الجامعة العربية. ويؤكد لقاء لافروف مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط وإلقاء خطاب أمام المندوبين الدائمين أن مناقشة الملف السوري ستكون جزءا مهما في هذه الزيارة، وأن موسكو تتجه للعمل على استرداد دمشق لعافيتها ودورها العربي. قمة جدة شجعت روسيا على إيفاد لافروف إلى الجامعة العربية لبحث الملف السوري بعد أن لمست تحولا في نتائج القمة يمكن كسر ما تردد حول وجود “فيتو” أميركي للجامعة بشأن عودتها الفترة المقبلة في ظل ما تشهده علاقات واشنطن الإقليمية من تراجع، شمل ما يشبه الأذرع غير المباشرة في التعامل مع المقطع العربي في الأزمة السورية، ورغبة هذه الدول – الأذرع في التخلص من مجموعة قيود كبلت حركتهم سابقا. كشفت مصادر رفيعة بالجامعة العربية في وقت سابق لـ”العرب” أن عودة دمشق لمقعدها لن تحدث من دون رفع الولايات المتحدة اعتراضها وعدم ممارستها ضغوطا على بعض الدول العربية الفاعلة وإجبارها على تبني مواقف ضد عملية العودة. تفاءلت المصادر ذاتها أخيرا بإمكانية سقوط الفيتو الأميركي بعد ظهور بوادر تململ من قبل الدول العربية التي حضرت قمة جدة مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 16 من يوليو الجاري تفيد بإمكانية اتخاذ سياسة مستقلة والاحتفاظ بمسافة بعيدا عن واشنطن، الأمر الذي يمكن أن تظهر تجلياته في طريقة التعاطي مع الأزمة السورية. شجعت قمة جدة – بايدن روسيا على إيفاد وزير خارجيتها إلى مقر الجامعة العربية لبحث الملف السوري بعد أن لمست تحولا في نتائج القمة، وأن جدار الرفض العربي لبعض التصورات الأميركية يمكن أن يزداد توسعا وسمكا بما يتيح وضع عودة دمشق إلى مقعدها للنقاش لأجل التوافق على وسيلة تؤدي إلى مواقف إيجابية تستفيد منها موسكو وغالبية الدول العربية المعنية بها. واستضافت طهران قمة حضرها رؤساء روسيا وتركيا وإيران انصب جزء معتبر من مناقشاتها حول سوريا بعد قمة جدة – بايدن، وتم الحوار تفصيليا بشأن تطورات أزمتها، من الزاويتين الإقليمية والدولية، وتعرض في أثنائها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ضغوط قوية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي جعلته يتمهل في فكرة الترتيب العسكري لاجتياح جديد لشمال سوريا. Thumbnail تسعى موسكو إلى بلورة موقف عربي داعم للدولة السورية الموحدة المستقرة وتجاوز جراح السنوات الماضية، بما يحدث تغييرا في المعادلة الأميركية بالنسبة إلى موقفها من أزمات المنطقة، والسبيل إلى ذلك يكون عبر توضيح وزير الخارجية الروسي رؤية بلاده في المقر الدائم للجماعة العربية كمظلة تجمع الأعضاء. يتيح تمكن موسكو من القبض على زمام الملف السوري وزيادة هامش المناورة قدرة على مضايقة واشنطن في ملفات أخرى مرتبطة بها، ويحوي ذلك إشارة على أن روسيا ليست منبوذة كما تحاول الدعاية الأميركية تصويرها بطريقة مغلوطة، وأن انخراطها في حرب مع أوكرانيا لن يلغي دورها في القضايا الحيوية البعيدة. تتبنى موسكو سياسة تعتمد على منهج “الهجوم خير وسيلة للدفاع عن مصالحها في المنطقة”، فبعد فترة من الانكماش والتردد وتوظيف المساحات الفارغة المحدودة تميل الآن نحو إعادة هندسة رؤيتها بالطريقة التي تتوافق مع تحقيق مصالحها مباشرة لتتمكن من حجز مكان في الصفوف الأولى بالمنطقة. ويقوم سيرجي لافروف بجولة لكل من مصر وإثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو في الفترة من 18 – 24 يوليو الحالي، تعبر عن رغبة في تقديم مقاربات تتعلق بوساطات لتقريب المسافات بين الدول التي تخوض نزاعات أو صراعات في قضايا إقليمية. يحسب تحريك روسيا المياه العربية في الملف السوري أو ملف أزمة النهضة الإثيوبي لقائد دبلوماسيتها لافروف الذي يقوم بتحركات في أكثر من اتجاه وفقا لسياسة ممنهجة. ويؤكد النجاح في المسارين السوري والمياه أن نفوذها في المنطقة قابل للتزايد إذا حملت مبادراتها حلولا ذات مردودات منتجة في الأزمات وتؤدي إلى تغيير في آليات التعامل معها بما يفضي لتسويتها أو التقليل من حدتها، وستعقد وقتها مقارنات بين ما تسببت فيه الولايات المتحدة من تعقيدات وما يمكن أن يجنيه العرب من مساندة للأدوار الروسية وفتح المجال لهامش كبير أمام حركتها في المستقبل. تفتح عودة سوريا إلى الجامعة العربية الباب أمام انعقاد القمة العربية المؤجلة في الجزائر، والتي كان الجمود في الملف السوري أحد العناصر التي أعاقت التئامها. ويبدو أن الأزمة الأوكرانية بدلا من أن تفت في عضد القيادة الروسية يمكن أن تقويه، حيث كشف الفرز الذي تسببت فيه تصرفات واشنطن القاتمة أن رصيد موسكو الجيد يمكن البناء عليه حاليا، ما يعود عليها بحزمة من المنافع السياسية والاقتصادية يمكن أن تقوض الهيمنة الأميركية على مفاتيح منطقة الشرق الأوسط. Thumbnail وتبدو اللحظة الراهنة التي تعاني فيها الإدارة الأميركية من ارتباكات في التعامل مع عدد من الأزمات الإقليمية مواتية لموسكو في تحركها حيال المنطقة العربية وغيرها، ويمكن أن تستفيد منها في إحداث تغيير في البيئة التي مكنت واشنطن سابقا من تسخير أزماتها لصالحها وخلق أخرى تساعدها على فرض سطوتها. كما أن محك روسيا بشأن تغيير معادلة سوريا سيكون مقياسا مهما على حجم التدهور الذي أصاب الدور الأميركي في المنطقة، ورسالة لما يمكن أن تقوم به موسكو عندما تتاح لها الأجواء اللازمة للوساطة وحل بعض الأزمات المزمنة. ويميل الرئيس بوتين إلى تغيير التقديرات السلبية التي تولدت من زيادة الطابع العسكري في تدخلات بلاده، وتحويل الأنظار إلى الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة العربية، وعلى الدول المعنية تمكينها من توسيع مساحة المناورة كي تتعدد أمامهم الخيارات ويتخلّوا عن كونهم أسرى رؤية أضرت بمصالحهم على مدار عقود. يمثل تفضيل سياسة الهجوم أداة مهمة في يد روسيا، فالفترة المقبلة قد تشهد تجاذبات على الساحة الدولية، إما أن تكسب موسكو جميعها أو بعضها أو تثبت أن الرهان عليها غير صائب، وتعود دول المنطقة إلى الدوران في فلك تصورات أميركية تقليدية. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :