تعجب وأنت تسمع خطاب خادم الحرمين الشريفين بمجلس الشورى، هناك رؤية وهناك عمل وبرامج وحركة تجديد للقيادات الإدارية العليا، تشعر أن هناك عبئا ثقيلا تقابله همة وثابة لإيصال الأمانة والوصول بالأمة لبر الأمان وسط هذه العواصف الهوجاء، اقتصادية كانت مما يفرضه هبوط أسعار النفط، أو عسكرية بما تكلفه حملة اليمن، أو سياسية تفرضها ظروف المنطقة. لكنك تلاحظ وسط خلية النحل هذه أن شيئا ما يخدش جمال الصورة أمامك، شيئا ما يعرقل سيرها ويفل في إنتاجها، تبحث وتجتهد فلا تجد إلا أن المركبة المسؤولة عن توصيل وتنفيذ هذه التطلعات مركبة متعطلة أو تكاد، هذا الجهاز البيروقراطي المترهل هو المسؤول عن تنفيذ هذه الرؤية وهذا العمل وهذه البرامج، ليس بالضرورة في المستويات العليا كالوزراء والمساعدين، وإن كان هذا لا يعفيهم من مسؤولية الاختيار، إنما في المستويات الوسطى وما تحتها، معظمها تجده قد هدته البيروقراطية وكلس عظامه الروتين وندرة الرقابة. فروقات كثيرة وضعها خبراء التنمية بين الدول المتقدمة والمتخلفة، منها امتلاك عناصر الإنتاج وامتلاك التقنية ولعل آخرها امتلاك المعلومة، حاليا يركز علماء المستقبليات على عنصر الإدارة ويعتبرونه الفارق الرئيس بين التقدم والتخلف، بل يؤكدون أنه صانع الاثنين. الإدارة لم تكن يوما تصريف عمل أو حتى أداءه، بل إنجازه، وفرق كبير بين الأداء والإنجاز، ذات الفرق بين الإدارة والقيادة، ما يعطل عمل «السستم» حجم البيروقراطية، وما يجعله «ينتع» كم الروتين المرافق ولا مناص من عاصفة حزم تنشطه، وفي الإدارة أي إجراء لا يجدد خلال خمس سنوات يعتبر عائقا لإنجاز العمل، فما بالكم وبعض أنظمتنا، وليس فقط إجراءاتنا، تقادم بها العهد لعقود. الإدارة عبارة عن منفذ وأداة ومراقب بينهما، المنفذ هو المكلف بإنجاز العمل بأداة تحدث كل حين ترسم له طرق ووسائل التنفيذ الصحيح، والمراقب هو من يحاسب الطرفين على مسطرة الشروط والإنتاج. نحتاج هزة إدارية تعيد صياغة معظم نظمنا وقوانيننا ولوائحنا الإدارية، ونحتاج حزما إداريا لقياس إنجاز كل موظف، هذا على مستوى الإدارة الوسطى، أما العليا فنحتاج درجة من التنسيق بين الوزارات تنهي العمل الفردي لكل وزارة وجهلها بما تنفذ بقية الوزارات، وجميل ما قرأت عن التحول الاقتصادي المرتقب، وآمل أن يركز فيه على التحول الإداري بفرض أبسط متطلباته وهو محاسبة المقصر ومواجهة المسؤول، وهذا، ضمن أشياء عدة، كفيل بتحريك عجلات المركبة البيروقراطية، وهذا وحده كفيل بالعثور على «الطاسة الضائعة» التي دوختنا سنينا في البحث عنها، وأدت لشيوع مثل هذه المصطلحات الشعبية، ربما السلبية، للتعبير عن السخط على طرق إدارتنا العتيقة وأنسنا لها درجة اعتبارها تبريرا أو شماعة لإشكالية ظنناها لن تحل وتزيدها الأيام تعقيدا، وأعتقد آن أوان نفضها عن عقولنا ونقضها بتحديث الإجراءات والأنظمة وتحديث الإنسان المنفذ لها.
مشاركة :