أدت "العملية العسكرية الخاصة" الروسية التي وافق عليها مجلس الدوما ومجلس الاتحاد الروسي، والتي تهدف مباشرة إلى "نزع السلاح وتشويه سمعة" جمهورية أوكرانيا السوفيتية السابقة المجاورة، إلى تدمير الاقتصاد العالمي، فالأزمة الأوكرانية وآثارها السلبية وعواقبها تُلقى باللوم على روسيا، بينما يعتقد بعض الخبراء أن روسيا والصين تعملان بطموح على إنشاء "نظام عالمي جديد" لوقف النظام أحادي القطب وهيمنة الولايات المتحدة. في غضون ذلك، تعرضت روسيا لمجموعة من العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا ومجموعة من الدول الأخرى، ولكن.. البلدان التي تفرض العقوبات على نفس القدر من الظروف القاسية، كما تعاني العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية بشكل لا يطاق من الأسعار العالمية المتصاعدة، كما يتعمق السخط الاجتماعي المنتشر على نطاق واسع ضد الحكومات التي دعمت روسيا الداعية للحرب. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، يعتمد ما يقرب من نصف دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة على روسيا وأوكرانيا لاستيراد القمح، وتعتبر روسيا موردًا رئيسيًا للأسمدة إلى 11 دولة على الأقل، بينما إفريقيا تعاني من اضطرابات في الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعار السلع الأساسية ومخاطر "عواقب وخيمة" إذا استمر الوضع، علي نفس الوتيرة. وفي أوائل يونيو، ذهب الرئيس السنغالي ورئيس الاتحاد الأفريقي ماكي سال،ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، إلى مدينة سوتشي جنوب غرب روسيا، لعقد اجتماع رفيع المستوى مع الرئيس فلاديمير بوتين عن "قصد" لمناقشة الإجراءات التي يمكن أن تخفف من حدة المشاكل المتصاعدة ذات الصلة للمدخلات الغذائية والزراعية، وإيجاد بعض الحلول الاستراتيجية في سياق العلاقات الروسية الأفريقية. وخلال المناقشات، اشتكى "ماكي سال" صراحةً أن العقوبات ضد روسيا جعلت هذا الوضع أسوأ، والآن لا يمكننا الوصول إلى الحبوب من روسيا، وخاصة القمح. والأهم من ذلك، ليس لدينا إمكانية الوصول إلى الأسمدة، كان الوضع سيئًا والآن أصبح أسوأ، مما خلق تهديدًا للأمن الغذائي في إفريقيا. وقال "سال"، خلال الاجتماع، ننظر إلى آسيا والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية فنحن نرى أن العالم يتابع التطورات عن كثب، لكن البلدان البعيدة جدًا عن بؤرة الصراع لا تزال تعيش عواقب أسوأ. وفي خضم ذلك، تلعب روسيا، دورًا كبيرًا في دفع تعاطف الحقبة السوفيتية إلى الوطن لكسب قلوب القادة الأفارقة، وتُمنح روابطها التقليدية الأولوية بشكل أساسي للحلفاء الأفارقة في الحقبة السوفيتية، وتتمحور سياستها الخارجية إلى حد كبير حول الدولة، والأسوأ من ذلك، أن لديها سياسات توعية عامة سيئة، وبالتالي لا تزال هناك تصورات ومواقف سلبية بين الجمهور الأفريقي تجاه روسيا. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يري أننا في مرحلة جديدة من التطور ودولته تولي أهمية كبيرة للعلاقات الأفريقية، وقال: "إن تطور العلاقات بين روسيا وإفريقيا أظهر نتائج إيجابية، لقد كانت روسيا على الدوام إلى جانب إفريقيا، وقد دعمت دائمًا إفريقيا في حربها ضد الاستعمار، وعلى الرغم من أن موسكو لم تكن قط قوة استعمارية في إفريقيا، إلا أنها كانت لاعبًا حاسمًا في القارة في الحقبة السوفيتية، حيث دعمت حركات الاستقلال ودربت جيلًا من القادة الأفارقة". ومن المُسلم به، أن علاقات روسيا مع إفريقيا تراجعت بشكل غير متوقع مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وظهرت الصين كقوة أجنبية رئيسية، تستثمر في العديد من القطاعات في القارة، في حين أن البصمات الاقتصادية لروسيا وفي تطوير البنى التحتية اللازمة لا تزال غير مرئية بشكل قطعي ولا تزال.. والحقيقة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من دول الخليج يستثمرون أيضًا بشكل كبير في إفريقيا. كان لقاء بوتين مع "سال" وبمشاركة "موسى فكي محمد"، مهمًا جدًا في سياق العلاقات الروسية الأفريقية، وأظهر هذا الاجتماع أن تفاعل روسيا قد دخل مرحلة جديدة من التطور مع الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك توسيع الحوار السياسي، وربما تعزيز المزيد من التعاون الاقتصادي العملي وكذلك إعادة تحديد التبادلات الثقافية مع الدول الأفريقية. وجاء في مقال نشرته وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) أن المحادثات بين قيادة الاتحاد الأفريقي والرئيس الروسي توضح أهمية تعزيز العلاقات الثنائية، بينما يحاول القادة الأفارقة بناء تضامن دولي يهدف إلى تحقيق سلام حقيقي وأمن عالمي، ومن المهم أيضًا الشروع في حملة إصلاحية جديدة لتحويل الزراعة والصناعة في جميع أنحاء إفريقيا. ومع الوضع العالمي المُتغير، هناك حاجة مطلقة لمراجعة السياسات، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويتعين على الأفارقة أن يفهموا أن "النظام العالمي الجديد" كما هو الحال في العالم من قبل روسيا والصين له حدود، ويقول الخبراء إن روسيا محدودة للغاية بسبب آثارها الاقتصادية العالمية، على الرغم من طموحاتها لقيادة العالم، وهنا لا يمكنها إلا أن تسعى إلى التحالف مع مجد الصين التي قضت سنوات في التوسع ووضع سياساتها الاقتصادية عمليا حول العالم. على الرغم من الانتقادات، تعتبر الصين التي يقدر عدد سكانها بـ 1.5 مليار نسمة قوة اقتصادية، لديها دبلوماسية إستراتيجية تعاونية مع دول خارجية جعلتها تحصل على مكانة عظمى على الولايات المتحدة. ويبدو أن نفوذ الولايات المتحدة يتلاشى، وقد واجهت الصين بالفعل كل من التحديات والفرص الفريدة لتعزيز مكانتها، وخاصة تجارتها واستثماراتها، وبناء عضلاتها الاقتصادية باستمرار. علي الصعيد الدولي، توجد الآن أزمة "ثلاثية الأبعاد": الغذاء والطاقة والتمويل، مع العواقب الاقتصادية للأزمة الروسية - الأوكرانية، تعد إشارة أخرى للقادة الأفارقة لإعادة التفكير في تصميم سياسات استبدال الواردات. علاوة على ذلك، يبدو أن الأفارقة ليس لديهم طريقة أخرى لعكس إدمانهم على الواردات الغذائية التي تشغل جزءًا كبيرًا من ميزانياتهم، وعلى الرغم من الأراضي الصالحة للزراعة الشاسعة يحدث نقص الغذاء مع احتمال حدوث مجاعة خاصة في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي. والأشهر السابقة، لا سيما في مارس وأبريل، أظهر عدد من التقارير التي نشرها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي والعديد من المنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية أن اقتصادات جنوب الصحراء الكبرى من المحتمل أن تتأثر نتيجة، الظروف العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية إلى المنطقة. وأشار التحليل إلى أن أسعار الوقود والغذاء المرتفعة ستترجم إلى ارتفاع التضخم في البلدان الأفريقية، ومع ذلك، حذرت معظم التقارير من أن الدول الفقيرة على نطاق واسع سيتضررون بشدة وسيصبحون عرضة للظروف المتغيرة غير المتوقعة. ومن المحتمل أن تلعب السياسة التجارية دورًا رئيسيًا من خلال ضمان التدفق الحر للأغذية عبر الحدود في جميع أنحاء المنطقة في ظل الحيز المالي المحدود، ويجب على صانعي السياسات أن يبحثوا عن حلول مبتكرة مثل تخفيض أو إلغاء رسوم الاستيراد على الأغذية الأساسية مؤقتًا لتوفير الإغاثة لمواطنيهم.
مشاركة :