عالم بدون سانتا كلوز!! | عبدالمنعم مصطفى

  • 12/25/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اعتدنا في الصحافة على الاحتفال كل عام بتوديع عام يغلق دفاتره، واستقبال عام جديد يفتح أولى صفحاته، وكنت أقول لزملاء المهنة، إن الأحداث والوقائع الجارية لا تُبالي، برحيل عام وقدوم آخر، لكننا نحن مَن يرسم بقلم رصاص، خطًّا وهميًّا، يضع نهاية عام، ويفتح صفحة جديدة لآخر، لكن العام الميلادي الجديد ٢٠١٦، يحل علينا، ومعه مقدّمات لعملية طَي جماعي لصفحات حروب ملتهبة، وبإرادة دولية شبه جماعية، على حاجة هذا الكوكب المرهق أن يسند رأسه ويستريح. قبل أيام من نهاية العام، صوّت مجلس الأمن بالإجماع، على خطة لإنهاء الصراع في سوريا، لا تقتل الذئب، ولا تفني الغنم، عكست تنوّع الشركاء الدوليين، وتباين مواقفهم بحدة في بعض الأحيان، والواقع الذي أفرزه الصراع على الأرض، فوق خارطة أُثقلت بهموم النازحين، امتدت من أقصى الشرق في أستراليا، إلى أقصى الغرب في كندا. استحقت سوريا قرارًا دوليًّا بالإجماع لأول مرة منذ سنوات، لأنها أصبحت مسرحًا لصراع العالم كله، ومركزًا لتجمع المقاتلين من العالم كله، رغم تباين أهدافهم، وتناقض غاياتهم. وبدا أن مستقبل النظام الدولي برمّته، سوف يتقرّر هناك على أبواب دمشق، وأن أحداث سوريا ستكون مسموعة في واشنطن عند انتخاب خليفة أوباما، وفي تركيا عندما يتقرّر مصير الأكراد والأتراك، ومصير حزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي طهران عندما يستوعب الملالي استحالة فرض رؤيتهم على الإقليم، وعندما يسدد الإيرانيون فاتورة أوهام فارسية لم تستوعب قوانين اللعبة في زمن العولمة. سوريا أيضًا ستُقرِّر مصير فلاديمير بوتين في روسيا، وربما تُقرِّر أيضًا اتجاهات التسوية في الملف الأوكراني، فضلاً، عن انعكاسات موجات اللاجئين السوريين، على سياسات الاتحاد الأوروبي كله. سوريا تقول للعالم كله، لا تجرّبوا العبث بالجغرافيا، ولا تحاولوا مع شعوب الحضارات القديمة، لأن العالم كله سوف يُسدِّد الفاتورة، من سلامه، وأمنه، واستقراره، طوال مرحلة الصراع، ومن مدّخرات شعوبه عندما تحل مرحلة إعادة الإعمار. تزامن التوصل إلى صيغة للتسوية في ليبيا أواخر هذا العام الذي يطوي كتابه، مع أول جهد دولي جماعي لوضع نهاية للصراع في سوريا، ونجح الليبيون في محادثات الصخيرات بالمملكة المغربية، في التوصل إلى اتفاق طال انتظاره لإنهاء الحرب الأهلية، وبدا أن إرادة الاتفاق الليبي، قد استوعبت ما جرى في ليلة رعب باريسية عصف فيها الدواعش بمسرح كاتابلاند، وبملعب لكرة القدم استضاف مباراة بين ألمانيا وفرنسا كان يشهدها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. ليلة رعب عاشتها فرنسا، عجّلت بالتوصل إلى رؤية دولية مشتركة بشأن الصراع في سوريا (شرق المتوسط)، وفي ليبيا (جنوب المتوسط)، مستفيدة من إرادة غربية، بنزع ذرائع التمدد الروسي في المنطقتين. صراعات القوى العظمى ما زالت هي التي تصوغ مستقبل المنطقة، ودخول الكبار على الخط، لإفساد خطة، أو لتعزيز أخرى، هو ما ساهم في صناعة مشهد فريد قبل أيام فقط من نهاية عام ميلادي، بدا العالم معه كمن يطوي بساطًا مهترئًا لعامٍ مغادر، ويبسط بساطًا أحمرَ لاستقبال عام جديد. صراع القوى الكبرى فوق إقليم الشرق الأوسط، أطلقته محاولات بعضها لطي الخرائط القديمة، وبسط أخرى جديدة، تعكس هويّات طوائف، وخرائط مذهبية، وتصدّت له قوى أخرى أدركت أن العبث بالخرائط القديمة، سيقود العالم كله إلى لحظة تشظٍّ لا تعرف التوقف. عند نقطة بداية عام ميلادي جديد.. العالم عند مفترق طرق فوق خارطة مزّقتها الصراعات، لا يضع نهايتها قلب سانتا كلوز المتسلل عبر المدخنة، وإنما عقل كوكب سينحاز حتمًا لخيارات التعايش؛ باعتبارها الممكن الوحيد. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :