تمثل الإمارات والسعودية نموذجا عربيا ناجحا في استراتيجياتهما لاستخدام الطاقة النووية وتوظيفها لتغطية احتياجاتهما من الطاقة، والتي تستطيع وفق محللين أن تكون نموذجا ملهما لدول العالم والحد من الدعوات المشددة للتوجه نحو الطاقة النظيفة بأقصى سرعة دون مراعاة أن الكثير من دول العالم تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري ولا يمكنها التخلي عنه بسهولة. هناك مفارقة سعيدة وهي أنه حتى مع دنو نهاية عصر الوقود الأحفوري، فإن هناك دولتين من اللتين تملكان احتياطيات من النفط والغاز، وهي الاحتياطات التي دعمت الاقتصاد العالمي لعقود من الزمن، حيث أصبحت تلك الدولتان الآن في طليعة ثورة الطاقة النووية. تُولد الإمارات العربية المتحدة الكهرباء من محطة براكة النووية، وعندما يتم تشغيل جميع مفاعلاتها الأربع، فستغطي المحطة ربع حاجة دولة الإمارات العربية المتحدة من الطاقة. والمملكة العربية السعودية تنعم ليس فقط بالنفط الهائل الذي غيّر مسار حظها، بل أيضا باحتياطيات هائلة من اليورانيوم اللازم لتوليد الطاقة النووية، حيث تخطط المملكة أيضا لمفاعلها الأول بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وسيستمر النفط والغاز في التدفق من المنطقة للعالم على مدار السنوات القادمة، لكن ما يفهمه كلا البلدين، وما يرفضه أولئك الذين يطالبون بوقف فوري لإنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري، هو أنه دون عائدات الوقود الأحفوري، لا يمكن ببساطة تحقيق التحول باهظ الكلفة إلى الطاقة المتجددة. المملكة العربية السعودية تنعم باحتياطيات هائلة من اليورانيوم اللازم لتوليد الطاقة النووية، ما ييسر عليها إنشاء مفاعلها الأول بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقد يبدو مصطلح “نهضة أو ثورة” مصطلحا غريبا لتقنية فجرت قنبلتها النووية الأولى منذ ما يقرب من 70 عاما، ولكن على مدى سنوات من الوقود الأحفوري الوافر، كانت هناك أيضا وفرة في مجال الهجوم الإعلامي على الطاقة النووية. ويرجع السبب في ذلك الهجوم بصورة جزئية إلى تشويه صورة تكنولوجيا الطاقة النووية من خلال ربطها بإلقاء القنابل النووية على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ربط غير منطقي ويشبه رفض شرب الماء لأنه من المعروف أنه كان سببا في موت البعض بالغرق. ويشير آخرون إلى احتمال وقوع كارثة، وأحدث مثال على تلك الدعاية المعادية للأسلحة النووية هو كتاب “الذرات والرماد” للمؤرخ سيرهي بلوخي من جامعة هارفارد. ويتحدث بلوخي بكل رضى عن حادث تشيرنوبيل وحادث جزيرة الثلاث أميال وفوكوشيما، ولكن كما أشار أحد المعلقين العلميين، فإن هذه الأمثلة “لا تدعم بشكل كاف استنتاجه النهائي بأن الطاقة النووية ليست خيارا آمنا لتزويد مستقبلنا بالطاقة”. لقد وقعت أخطاء بلا شك، وتم توفير الأموال في السنوات الأولى في فترة تصميم المفاعل، ولكن تم تعلم الدروس، والمفاعلات الحديثة آمنة للغاية، كما يتم حل القضية الشائكة حول التخلص من الوقود المستهلك. وعلى الرغم من حالة الخوف القائمة على الخيال العلمي حول الطاقة النووية، لكن لم يكن هناك سوى حادثين رئيسيين، حادث جزيرة الثلاثة أميال والذي كان عبارة عن انهيار مفاعل جزئي دون وقوع إصابات، وكانت عواقب ذلك الحادث أقل خطورة بكثير مما تم عرضه للجمهور. ومات 46 شخصا بسبب انفجار تشيرنوبيل في عام 1986، على الرغم من أن العدد الإجمالي للوفيات المرتبطة بالحادث متنازع عليه على نطاق واسع إلى جانب حجم التأثير الصحي للإشعاع، وكان الحادث نتيجة لخلل في المفاعل السوفييتي والذي كان يديره أفراد مدربون تدريبا سيئا. وتضرر المفاعل في فوكوشيما في عام 2011 بسبب موجة تسونامي، والتي نتجت عن أقوى زلزال سجل في اليابان على الإطلاق، ولم يمت أحد في ذلك الحادث. قارن تلك الكوارث النووية مع ضحايا الوقود الأحفوري، فهناك ما يقدر بنحو 8.7 مليون شخص يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء المرتبط بالوقود الأحفوري، ناهيك عن عدد لا يحصى من الأرواح التي فقدت في تعدين الفحم. ولا يوجد أي شكل من أشكال الإنتاج الضخم للطاقة دون أخطار، حيث أدى انهيار سد بانكياو لتوليد الطاقة الكهرومائية في الصين في عام 1975 إلى مقتل أكثر من 170 ألف شخص، لكن هل تخلى العالم عن الطاقة الكهرومائية؟ الجواب هو لا. وشعرت الدول التي كان ينبغي لها أن تكون أكثر نضجا بالذعر، وذلك بعد حادثة فوكوشيما، وتخلت عن الطاقة النووية لأسباب سياسية صرفة، وفي مواجهة الاحتجاجات المناهضة للأسلحة النووية في جميع أنحاء البلاد والضغط من التصويت الأخضر، أوقفت ألمانيا توليد الطاقة النووية بصورة مفاجئة ومن دون أي مقدمات. وكان 25 في المئة من طاقة البلاد تأتي من 17 مفاعلا نوويا حتى عام 2011، واليوم تم وضع إشارة إغلاق على المحطات النووية الثلاث التي لا تزال قيد التشغيل، حيث سيتم غلقها بحلول نهاية هذا العام، بينما تعيد ألمانيا فتح محطات تعمل بالفحم. على الغرب أن يقف في وجه اللوبي الأخضر الذي يثير الفوضى، وأن يتبنى الطاقة النووية باعتبارها تكنولوجيا تستطيع إنقاذ كوكبنا على الغرب أن يقف في وجه اللوبي الأخضر الذي يثير الفوضى، وأن يتبنى الطاقة النووية باعتبارها تكنولوجيا تستطيع إنقاذ كوكبنا والحقيقة هي أن الطاقة النووية هي مصدر نظيف ومؤتمن للطاقة، وتعتبر الرياح والشمس والطاقة الكهرومائية مصادر رائعة، ولكن عندما لا تهب الرياح ولا تشرق الشمس ولا تتدفق المياه، فلن يبقى سوى خياران فقط وهما الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية. وذلك أمر عرفته دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتبنتاه، وهما دولتان يمكن فيهما اتخاذ قرارات كبرى والتصرف بناء على تلك القرارات وعلى جناح السرعة، وتبشر قيادتهما في المجال النووي بالخير لمستقبل البشرية. وتظهر الدولتان الخليجيتان من خلال العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يمكن تحقيقه في وقت قصير، وتشجعان قطاع الطاقة النووية العالمية على تطوير مفاعلات نووية أكثر التزاما بالمواثيق وبأسعار معقولة، وهذا بدوره يمهد الطريق أمام الدول الأخرى الأقل تطورا لتحذو حذوها. وعندما يجتمع زعماء العالم في مؤتمرات تغير المناخ، فستتمحور الكثير من المناقشات حول حاجة البلدان النامية إلى كبح جماح حاجتها للوقود الأحفوري، ومواضيع النقاش تلك ستكون مفعمة بالنفاق وتثير الضحك، كون دول أوروبية مثل المملكة المتحدة، هي من أطلقت عصر الوقود الأحفوري وعززت نمو اقتصاداتها بالفحم والنفط. يجب على الغرب أن يقف في وجه اللوبي الأخضر الذي يثير الفوضى، وأن يتبنى الطاقة النووية باعتبارها تكنولوجيا تستطيع إنقاذ كوكبنا، وبدلا من اقتراح تخلي البلدان النامية عن الوقود الأحفوري والذي سيُفضي إلى عرقلة نموها الاقتصادي، يجب دعمها بالتمويل وبالخبرة التي تحتاجها لتبني الطاقة النووية. ودون ذلك يمكن أن يفنى العالم، حيث أنه في عام 2005 تم توليد 66.5 في المئة من الكهرباء العالمية عن طريق حرق الوقود الأحفوري، وفي عام 2019 تم توليد 63 في المئة، وذلك يعني أنه لم يتم إحراز أي تقدم تقريبا خلال 14 عاما. ويكمن الحل، كما أدركته الإمارات والسعودية في الطاقة النووية. لقد حان الوقت للعالم ليتحلى بالنضح ويتخلى عن الموقف اللاعقلاني ضد الطاقة النووية ويتبع قيادته.
مشاركة :