حقق المدرب الإسباني جوزيب غوارديولا نجاحات في برشلونة وبايرن ميونيخ، غير أن الماراثون في الدوري الإنجليزي سوف يكون مختلفا، حتى لو انتهى به المطاف في مانشستر سيتي بإمكاناته الكبيرة. بعد فوز تشيلسي ببطولة الدوري الموسم الماضي، انتقد جوزيه مورينهو بشكل شبه صريح غوارديولا قائلا: «ربما أسافر إلى بلد يستطيع فيه عامل تجهيز المعدات أن يصبح مدربا ويفوز باللقب.. لو فعلت ذلك، ما كان لإخفاق هذا الموسم الذي رأيناه في ستامفورد بريدج أن يحدث». الاستهزاء الذي تنطوي عليه العبارة ليس عادلا لأسباب كثيرة، لكنه ينطوي على بعض الحقيقة اللاذعة. فقد تقلد غوارديولا مسؤولية نادي بايرن ميونيخ الذي كان قد فاز لتوه بالثلاثية (الدوري والكأس في ألمانيا ودوري الأبطال). وفيما يخص الألقاب التي حصدها الفريق تحت مظلة غوارديولا اتجه الخط البياني للأسفل، فاز الفريق ببطولتي الدوري الألماني (بوندسليغا) ولا يزال هناك لقب ثالث في الطريق هذا العام، لكن في كلا العامين خرج الفريق في آخر مسابقتين لدوري الأبطال الأوروبي من الدور قبل النهائي. وفيما يخص مستوي الأداء، فقد شهد عهد غوارديولا انتصارات كبيرة، فبايرن ميونيخ يوجد في صدارة الفرق من ناحية الأداء التكتيكي، ويتغير تشكيل الفريق من مباراة لأخرى وحتى في المباراة الواحدة. ولذلك لا يمكن توقع ما يدور في رأس غوارديولا ولا يقدم كشف أسماء الفريق سوى لمحة بسيطة عن كيفية الأداء. ففي بايرن، يبدو أن غوارديولا أصبح أكثر مرونة مما كان في برشلونة، إذ يستطيع الدفع بروبرت لفاندوفيسكي كمهاجم صريح، لكن فيما يخص الضغط على الخصم والاستحواذ، فهما عنصران أساسيان في أسلوبه في إدارة المباراة، ولا تزال تتملكه الرغبة في التوجه مباشرة للأمام، بأسلوب يعتمد التنوع. لن تجد مدربا آخر يستجيب لمتطلبات اللعب كما يفعل هذا الرجل، فمشاهدة غوارديولا أثناء المباراة يشبه مشاهدة مباراة شطرنج ثلاثية الأبعاد، فتراه دائما يقف على حافة منطقته الفنية يصيح بتعليماته، ودائما يبحث عن الأفضلية. وعندما فاز بايرن على آرسنال (2 - صفر) بإستاد الإمارات الموسم قبل الماضي، كان رد فعله عندما قام آرسنال باستبدال كيرين غيبس في الشوط الأول بأن ضغط على الجانب الأيمن كي يربك اللاعب ناتشو مونريال لعدة دقائق، وظهرت النتيجة بعد خمس دقائق عندما تسبب في طرد حارس مرمى الفريق الإنجليزي فويتش تشيسني لحصوله على الكارت الأحمر. لكن هل الذكاء الحاد في كرة القدم يكفى وحده؟ فعلى اعتبار أن الحالة المادية لنادي بايرن جعلتهم يشعرون أن ألقاب دوري البوندسليغا تأتي كجزء من حزمة ألقاب، فقد استغل غير المقتنعين بقدرات غوارديولا تلك النقطة ضده للإيحاء بأن الأداء العالي لفريقه هو أمر معتاد قياسا بإمكانات الفريق الكبيرة. كذلك فإن فوز المدرب بخمسة ألقاب لبطولة الدوري خلال ست سنوات يصعب من أي محاولة للنقد. وإذا ما حضر الرجل للدوري الإنجليزي الممتاز، كما هو مرجح، ونجح فيه، فسوف يحرر غوارديولا نفسه على الأقل من صفة «مدرب الفرق الجاهزة»، الذي طالما جلب له السخرية، وأيا كانت عيوب الدوري الإنجليزي فلا ينكر أحد سخونة المنافسة فيه. وأيا كان النادي الذي سوف يدربه، مانشستر سيتي كما يبدو ويتردد، فلن يستمتع التمتع بتلك السطوة والنفوذ الذي كان عليها في برشلونة أو البايرن، ولن يقتصر الأمر على خوض مباراتي ديربي أو أربع مباريات أمام فرق في نفس المستوى، بل سوف يكون العدد ثمانية أو عشرة فرق. وفى حين أن الدوري الإنجليزي الممتاز هو الدوري الكبير الوحيد الذي ترى فيه فريقا من قاع الجدول يفوز على فريق يحتل المقدمة، فإن هذا الأمر ينطوي على حقيقة ما وهي أن فان غال لم ينطق بتفاهات عندما قال إن الدوري الإنجليزي ما هو إلا «سباق للفئران». هناك حالة من الإنهاك تقرع الأجراس، وربما تفسر ضعف أداء الفرق الإنجليزية في بطولات أوروبا، وفي مقدور غوارديولا التعامل مع هذه المشكلة، وسوف يشكل ذلك مفتاح نجاحه في حال جاء إلى إنجلترا. ورغم بعض النجاحات الخالدة التي حققها أمام فرق إنجليزية مثل فوز فريقه برشلونة في نهائي بطولتي أبطال أوروبا أمام مانشستر يونايتد، وفوز بايرن على آرسنال بنتيجة (5-1) هذا الموسم على سبيل المثال، فتاريخ غوارديولا في الفوز أمام الفرق الإنجليزية ليس بهذه العبقرية (18 مباراة فاز في 8 منها وهزم في 5 مباريات). قد يقول البعض إن تلك الإحصائية غريبة، إذ إن مباراتين من المباريات التي هُزم فيها كانت مباريات «تحصيل حاصل»، بينما أدت مباراتان من المباريات التي تعادل فيها إلى انتصار لاحق خارج ملعبه، ومباراة أدت إلى الفوز بهدف من ضربة جزاء، لكن يبدو أن قوة المباريات الإنجليزية ستهدأ أمام القوة التي سوف يجلبها غوارديولا. وباعتبار أنه قد أظهر قدرته على التأقلم في ألمانيا، وباعتبار أن كرة القدم التي يقدمها تتطور باستمرار، فلن يشكل ما سبق مشكلة كبيرة له، لكن ما يهم هو قدرة فلسفة غوارديولا على الصمود في دوري يضم 20 فريقا، ومسابقتي كأس محلية تتطلب قوة بدنية ومستوى من المنافسة لم يعهده الرجل من قبل. هل يستطيع اللاعبون تحت قيادة الصمود بدنيا وذهنيا على مدار 50 مباراة قوية؟ هل يستطيع غوارديولا في ضوء قوته التي يبديها الصمود والتعهد بمستوى إعداد يؤدى به مباراتين أسبوعيا كما يفعل الآن؟. لو انتهى المطاف بغوارديولا في مانشستر سيتي، فسوف يكون هناك إحساس أنه ذهب إلى عمل مصمم خصيصا له في ظل وجود اثنان من الإداريين السابقين الذين عمل معهم بفريق برشلونة. سوف يشكل العمل في مانشستر سيتي اختبارا جديدا لأسلوب إدارة غوارديولا، وسوف يزيل أي شكوك في إمكاناته وعبقريته. وإذا نجح المدرب في الصمود في إسبانيا، وألمانيا، وإنجلترا، فلن يتبقى سؤال آخر يمكن أن يثار حول قدراته وعبقريته.
مشاركة :