كأنها حملة دعائية ضخمة للموسم الثاني من مسلسل «بنيفر Bennifer». كل الحسابات الإعلامية على «إنستغرام» تنشر لحظة بلحظة، أخبار الثنائي الهوليوودي جنيفر لوبيز وبن أفليك (الملقّب تحبباً بـ«بنيفر»). منذ زواجهما المفاجئ في 17 يوليو (تموز) الجاري، لا يمكن تصفّح منصات التواصل الاجتماعي من دون مصادفة عنوانٍ أو صورة أو فيديو لـ«بن» و«جن»: توثيقٌ دقيق ليوميّات شهر العسل الباريسيّ، من لحظة الخروج من باب الفندق، مروراً بالنزهات في الشوارع الباريسية، وصولاً إلى الاحتفال بعيد جنيفر الـ53، وإلى كل عشاء رومانسي يجمع العريسَين. بعد موسمٍ أول مرت على نهايته 18 سنة وتخللته أحداثٌ كثيرة في حياة النجمَين، قررا أن يمنحا فرصة ثانية للحكاية. بسرّية تامة، توجّها إلى كنيسة صغيرة في لاس فيغاس حيث توّجا قصة حب عمرها 20 عاماً، بقرانٍ اقتصر حضوره على والدة جنيفر وأولاد الثنائي من زيجتين منفصلتين. أكّدت لوبيز الخبر من خلال رسالة وجّهتها إلى معجبيها عبر موقعها الإلكتروني (On The JLo)، قالت فيها: «لقد فعلناها. الحب جميل ولطيف. يبدو كذلك أن الحب صبور. صبرٌ امتدّ 20 عاماً». كانت تلك الجملة الورديّة، ومعها لقطات الثنائي المغرم، كفيلة بإيقاظ الأحلام الرومانسية النائمة في قلوب الكثيرين. لم تأتِ موجة التفاعل الجماهيري مع خبر الزواج فرحاً لفرح الثنائي فحسب، بل بفعل موجاتٍ من الأمل المفاجئ بعثه الخبر عند أشخاصٍ لم يفقدوا إيمانهم بسحر العشق. ظنوا، كما قالت جنيفر، أنْ لا تاريخ صلاحية لحبٍ حقيقيّ. حذار من السقوط في الإسقاطات غالبية مَن هلّلوا لزواج جنيفر لوبيز وبن أفليك هم من جيلٍ كان مراهقاً أو شاباً مطلع الألفية الثالثة. أي إنّ أعمارهم اليوم تتراوح بين الثلاثينات والخمسينات. هم الذين واكبوا قصة شغلت الرأي العام بين 2002 و2004، وشهدوا على حبٍّ عاصف انتهى بإلغاء الزفاف الموعود، وبانفصالٍ حزين وصفته لوبيز بأنه أول وأقسى خيبة عاطفية في حياتها. رغم الخيبة، حافظ الثنائي الهوليوودي على احترام كلٍّ منهما للآخر طوال تلك السنوات، لكنّ أحداً من الجيل الذي واكبهما في الموسم الأول من الحكاية، لم يتوقع أن تكون ثمّة تتمّة. ففي أبريل (نيسان) 2021، عادت أخبارهما إلى التداول: لقاءات متكررة، ظهور أمام عدسات الصحافيين، ثم خطوبة أعلنت عنها لوبيز نفسها من خلال فيديو نشرته على صفحاتها. لوبيز التي لطالما ألقت اللوم على الصحافة المُسرفة في تغطية أخبارها وأفليك منذ 20 عاماً، وحمّلتها مسؤولية عدم اكتمال الفرحة آنذاك، ها هي تستعرض النسخة المحدّثة من علاقتهما على الملأ، وبإرادتها وتنفيذها، ومع ابتسامة عريضة أيضاً! يا لها من مفارقة غريبة، لكنّ الزمن اختلف. ما عاد المشاهير يقلقون من مصوّري الـ«باباراتزي» ومن فضائح الصفحات الأولى كما في السابق، فهُم يتحكّمون بما يريدون مشاركته مع الجمهور. ومنصات التواصل الاجتماعي باتت باباراتزي بحدّ ذاتها، لا يخفى شيءٌ عن صفحاتها. استفاق عشّاق ظاهرة «بنيفر» إذن على حلمٍ لم يكن في الحسبان تحقيقه. عادوا 20 سنة إلى الوراء، كأنّ العمر لم يمرّ عليهم ولا على الممثلَين الخمسينيين اللذين ما زالا يشعّان شباباً. أصابت عدوى النضارة والفرح والحب المتابعين الذين بدأوا يبحثون في أرشيفهم عن علاقة عاطفية ضائعة، لا مانع من إعادة إحيائها. حصل ما يُعرف في علم النفس بالإسقاط، فعكس المتابعون حياة «بن» و«جن» على حياتهم، وراحوا يحلمون باسترجاع حبٍّ مضى. لكن من المعروف أن الذي يمضي نادراً ما يعود، وإن عاد فليس من الضروري أن يكون على المستوى ذاته من الدهشة واللهفة. وهنا، يحذّر علماء النفس من النبش في سطور الرسائل القديمة المتبادلة مع حبيبٍ سابق، ومن الإفراط في التفكير بالعودة إلى شريكٍ قديم. لا يكفي أن ينجح بن أفليك وجنيفر لوبيز في ربط حبل الودّ بينهما، حتى تصطلح الأمور بين كل حبيبَين انفصلا منذ سنوات. فمرور الزمن يغيّر البشر، ومن المتعارف عليه أن الحكايات التي تدور في هوليوود، غالباً ما تبقى في هوليوود. أما فسحة الحلم، فلا يحلو العيش لولاها. ولا ضير من التهليل لحبٍّ انتصر بعد عقدَين من العثرات والمسافات، من دون السقوط في الإسقاطات. بين النوستالجيا والواقعية بالنسبة إلى كثيرين، حلّ الحدث أشبه بـ«ثروباك throwback» إلى أيام المراهقة والمدرسة والجامعة. فإلى جانب إيقاظه الدقّات في قلوب المتابعين والأحلام في مخيّلتهم، أيقظ زواج لوبيز وأفليك الحنين إلى حقبة كان كل شيءٍ فيها مختلفاً. ففي مطلع الألفية الثالثة، لم تكن السوشيال ميديا قد وُلدت بعد، وكان المؤثرون مشاهير حقيقيين تمتلئ الصفحات الورقيّة والشاشات التلفزيونية بأخبارهم، وليسوا شخصياتٍ مليونيّة وبليونيّة على صفحات التواصل الاجتماعي. ينحاز جزءٌ من جيل الألفية ومَن يكبرونه بقليل، إلى تلك السنوات البريئة من أرقام وصخب المنصات الافتراضية. سنواتٌ كان نجومٌ مثل جنيفر وبن أبطالها الفعليين. ويبدو أن الحنين أو النوستالجيا عملة مرغوبة ومتداولة حالياً، عادت إلى الرواج بفعل سنوات «كورونا» والعزلة والأسئلة الوجودية الكبيرة. من قلب الجائحة خرجت علينا حلقة مستحدثة من مسلسل «فريندز»، وفي تلك الفترة أيضاً نفضت برتني سبيرز عنها غبار السنوات... كما لو أن لجيل الألفية الـ«ترندز» الخاصة به، بعيداً عن رقصات «تيك توك» وتحدياته، ومن بين تلك الترندز حكاية لوبيز وأفليك. عكست ردود الفعل على الموسم الثاني من حكاية «بنيفر»، عطشاً إلى قصص حبٍّ حقيقيّة بعدما شبع الجمهور من الحكايات المتداولة على «إنستغرام» والتي لا تعمّر. كما أن ردود الفعل تلك تُرجمت شوقاً إلى ثنائي يسعى إلى الالتزام والوفاء، في زمنٍ كثرت فيه الخيانات. تختلف قصة لوبيز وأفليك عن الأفلام التي جمعتهما منذ سنوات طويلة، والتي وُصفت بالفاشلة، فارتباطهما يبدو حتى اللحظة تتويجاً ناجحاً لقصة تحدّت ظروف الزمان. هو أشبه بخاتمة ورديّة لجزءٍ من سلسلة أفلام هوليووديّة، لكنّ العبرة تبقى في نهاية الجزء الأخير. فقصص الحب السعيدة، تحديداً تلك التي تجمع نجمَين لامعَين في سماء الفن والجمال والثراء، لا تعيش بالضرورة إلى الأبد.
مشاركة :