باتت مواجهة الاحتباس الحراري مسألة حيوية للجميع بما في ذلك الشركات والمستثمرين لإنقاذ الوضع البيئي مع تآكل المساحات الخضراء في العالم بسبب العديد من العوامل على غرار الحروب. وقد دمرت الحرب الأهلية في العقود الأخيرة جبال منتزه جورونجوسا الوطني في دولة الموزمبيق. ويكمن مفتاح وضع خطة جديدة للائتمان الكربوني في إشراك المجتمع الذي يعيش هناك، بحسب الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة في موزمبيق، غابرييلا كورتيز. وقالت لمؤسسة طومسون رويترز إن “الاستماع هو الجزء الأول من تغيير رأي الناس حيث سيسمعونك أيضا”. وتريد إدارة الحديقة أن تضع على ذمة القرويين دوافع مالية لزراعة الأشجار الأصلية وحمايتها، مع مساعدة الشركات في أماكن أخرى على تقليل آثار الكربون. وقال رجل الأعمال الأميركي غريغ كار، الذي استثمر عشرات الملايين من الدولارات في إعادة تأهيل المنتزه، ويأمل في أن تدر خطة ائتمان الكربون ما يصل إلى 3 ملايين دولار سنويا: “من الأفضل القيام بالأشياء ببطء ولكن بشكل صحيح”. من المصلحة الذاتية للشركات أن تلعب دورها جنبا إلى جنب مع الحكومات في خفض الانبعاثات المهددة للبيئة ومثل العديد من مبادرات حماية الطبيعة الأخرى في جميع أنحاء العالم، تهدف الخطة إلى الاستفادة من الطلب المتزايد للشركات على طرق موثوقة لتقليل انبعاثات الاحتباس الحراري مع توفير الدعم المالي لأولئك الذين يتعاملون مع أزمات المناخ والتنوع البيولوجي على الأرض. ويتمثل أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد في شراء أرصدة من المشاريع التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو إزالتها من خلال طرق مختلفة مثل الحفاظ على الغابات التي تخزن الكربون، أو تحويل غاز الميثان المتسرب من مواقع دفن النفايات إلى غاز حيوي، أو توزيع مواقد طهي أكثر كفاءة تستخدم وقودا أقل. ووفقا لإيكوسيستم ماركتبلايس، وهي مجموعة بحثية ترصد التمويل البيئي، تجاوزت القيمة السنوية لسوق الكربون الطوعي مليار دولار لأول مرة في 2021، أي أكثر من ضعف ما سجّله في 2020. وقالت إن “المزيد من الشركات (من الطاقة إلى السلع الاستهلاكية والتمويل) تتطلع إلى شراء الائتمانات لأنها تعمل على تطوير استراتيجيات لخفض انبعاثاتها إلى الصفر الصافي على المدى الطويل”. ولكن مع نمو السوق، هناك قلق أيضا من أن بعض المشاريع التي تدعمها الشركات قد لا تفي بالوعود المتعلقة بفوائدها على المناخ والنظم البيئية والسكان المحليين. أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد يتمثل في شراء أرصدة من المشاريع التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتعود جذور هذه المخاوف إلى الشكوك حول سلامة البيئة خلال التجربة السابقة مع أول سوق لتعويض الكربون في العالم، وهي آلية التنمية النظيفة التابعة للأمم المتحدة التي منحت 45 في المئة من أكثر من ملياري ائتمان لعدد قليل من المشاريع، خاصة في آسيا لخفض الغازات الصناعية. كما انتقد الكثيرون بعض مشاريع الكربون القائمة على الغابات لادعائها تجنب الانبعاثات في الأماكن التي لا يوجد فيها تهديد حقيقي بإزالة الغابات أو لفشلها في استشارة السكان الأصليين وحرمانهم من الأرض. وقال بيدرو مارتينز باراتا، كبير مديري المناخ في صندوق الدفاع البيئي ومقره الولايات المتحدة، إن “الشركات تكافح لإيجاد طريقة بسيطة وفعالة للحكم على جودة الاعتمادات التي لا تعد ولا تحصى، وتسعى إلى الحصول على إرشادات أوضح”. وأشار “إنهم يعلمون أنهم سيستدعوننا إذا اتخذوا القرارات الخاطئة”. طلب الجودة وفي حين أن هناك بالفعل وكالات وضعت المعايير والسجلات التي تتحقق من الاعتمادات باستخدام مدققين تابعين لجهات خارجية، يُبذل الآن جهد عالمي لإنشاء مجموعة عالمية من “مبادئ الكربون الأساسية” التي يمكن أن تلتزم بها برامج ائتمان الكربون المؤهلة. وستكون تحت إدارة هيئة تسمى مجلس النزاهة لسوق الكربون التطوعي، المعتمد على خبرة العلماء والمستثمرين وخبراء البيئة وصناع السياسات والسكان الأصليين. الكثيرون انتقدوا بعض مشاريع الكربون القائمة على الغابات لادعائها تجنب الانبعاثات في الأماكن التي لا يوجد فيها تهديد حقيقي بإزالة الغابات أو لفشلها في استشارة السكان وستبدأ المشاورات العامة حول مسودة النسخة بنهاية شهر يوليو، بهدف الانتهاء من المبادئ وإطار العمل لتطبيقها في الربع الرابع. وليست التفاصيل متاحة بعد، لكن مجلس النزاهة يقول إن “الهدف هو وضع معايير حدية عالمية جديدة لأرصدة الكربون عالية الجودة التي توجه التمويل نحو خفض الانبعاثات بما يتجاوز ما يمكن أن تفعله الشركات بنفسها وتساهم في التنمية المقاومة للمناخ”. وقال باراتا إن “المفتاح هو رفع المستوى إلى درجة عالية بما يكفي لرفع المعايير البيئية والاجتماعية في السوق دون جعل المبادئ شديدة الصرامة إذ يتعذر على الأغلبية اتباعها”. ويأمل باراتا، الذي يشارك أيضا في رئاسة لجنة الخبراء التي تصوغ المبادئ، في أن تدفع البرامج إلى تحسين الأوضاع بمرور الوقت. النزاهة الاجتماعية وتتزايد الدعوات التي تنادي بأن تنظر المشاريع التي تولد تعويضات لسوق الكربون الطوعي في آثارها الاجتماعية أيضا. ويمكن أن يتراوح ذلك من ضمان عدم منعها المجتمعات المحلية من الوصول إلى أراضي الغابات إلى تعزيز الخدمات الأساسية. ووصف بينيتو مولر، الأستاذ في معهد التغيير البيئي بجامعة أكسفورد، النزاهة الاجتماعية بأنها “التوأم المنسي” للأمانة البيئية. وأشار إلى أن الاعتمادات ذات المنفعة الاجتماعية يجب ألا تكون متاحة كفئة فرعية في السوق فقط. وأضاف أن”هذا لا يكفي لحماية السوق بشكل عام من مخاطر السمعة الخطيرة المتمثلة في اتهامهم بانعدام النزاهة الاجتماعية من خلال ترك الأشخاص الأكثر فقرا وضعفا وراءهم”. Thumbnail ويدعو التحالف الذي عقده مولر إلى فرض رسوم بنسبة 5 في المئة على جميع الائتمانات في السوق التطوعي، بما يتماشى مع قواعد اتفاقية باريس للتعويضات الحكومية، لمساعدة الدول المعرضة للخطر على التكيف مع الطقس المرتبط بتغير المناخ وارتفاع مستويات سطح البحر، بغض النظر عما إذا كانت تجتذب مشاريع ائتمان الكربون. وأشار إلى أن هذه “الحصة من عائدات التكيف”، التي توزّع من خلال صندوق الأمم المتحدة الحالي، يمكن أن تولد ما يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويا، بناء على تقديرات مستقلة تفيد بأن سوق الكربون الطوعي قد يصل إلى 30 مليار دولار أو حتى 50 مليار دولار بحلول سنة 2030. ويدعم العديد من أفقر البلدان والدول الجزرية الصغيرة النامية الفكرة التي جرى تقديمها بهدف إدراجها في مبادئ الكربون الأساسية القادمة. وأشار تشارلز هاميلتون، مستشار التغير المناخي لحكومة جزر الباهاما، إلى أنه من المصلحة الذاتية للشركات أن تلعب دورها جنبا إلى جنب مع الحكومات في خفض الانبعاثات، مع مساعدة أولئك الموجودين على الخطوط الأمامية في عالم يزداد احترارا. وأضاف أن “هذه الأهداف وهذه المبادئ تتعلق بحماية الناس في نهاية المطاف… إذا لم تعد جزرنا موجودة، فستخسر من قاعدة عملائك. لذلك، علينا جميعا، من القطاعين العام والخاص، أن يكون دورنا كبيرا في اللعبة”.
مشاركة :