أنا والمهاجر والحظ العاثر

  • 7/28/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتوقع منك أصدقاؤك وأقرباؤك عندما تعود من المهجر لقضاء عطلة صغيرة في بلادك، أن تكون غنيا وتصرف المال يمنة ويسرة ومن دون حساب، ويرغبون في الاستفادة منك استفادة مباشرة، رغم أن تلبية هذه المعايير، قد تكون أمرا مكلفا عليك من الناحيتين المادية والنفسية. وعادة ما يطنبون في الحديث عن الفواتير باهظة الثمن، ومصاريف المعيشة المشطة في بلادهم، وهكذا قد يطلبون منك إما منحهم أو إقراضهم المال، على الرغم من أن ذلك قد يكون غير مريح بشكل كبير. والأسوأ، أنهم يعتادون على هذا الحال، إذا كنت قد ساعدهم في فترات متتالية في تسديد فواتيرهم ونفقاتهم، أو دفعت ثمن العشاء الخاص بهم، ولم تكن مهتما على الإطلاق باستعادة الأموال. لا يمكن أن يصدقونك إذا قلت لهم بشكل مباشر إنك لا تنام على كنز قارون، وحتى لو حلفت لهم على جميع المصاحف أن التضخم والغلاء حول العالم قد جعلا الحال من بعضه، وأن حياة المهاجرين الجدد قد أصبحت أشد وطأة من كل ما مر به غيرهم من المغتربين خلال العقود الماضية. تجنب هذا النوع من المواقف صعب، فقد يصبح الصديق أو القريب الذي ساعدته في السابق، لا ينظر إليك على أنك مجرد صديق أو فرد من أفراد العائلة، بل قد تتحول إلى حصالة نقود، وإذا لم تمنحه المال، فقد يؤدي ذلك إلى تدمير العلاقة بينكما، لأنه قد يشعر بالاستياء منك لأنك لم تساعده في تلك الأوقات الصعبة وفي اللحظة التي يحتاجك فيها. الصورة البراقة المرسومة عن حياة المهاجرين ليست جديدة، ولكنها لم تفقد لونها الورديّ في أذهان الكثيرين، وخاصة فئة الشباب في البلدان العربية، ممن يعتقدون أن المهاجرين في حوزتهم أموال طائلة، حصلوا عليها وفق المثل الصيني الشائع “سينزل عليك من السماء رغيف محشو”، لكن الأموال لا تهطل على المهاجرين كالأمطار. هناك مقولة شائعة للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه “السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”، ليست في حاجة إلى شرح ضاف، ويتناقلها الكثيرون، ولكنهم لا يطبقونها بالضرورة على المهاجرين. يتزايد بشكل مطرد عدد من يؤمنون بهذا الوهم وهم مقتنعون تماما أن الثروة تأتي من الهواء، والثراء أسهل من شربة ماء في أوروبا، ولا يريدون التصديق بأن الأموال لا تجمع بسهولة، وهناك ربما ما يجعلهم يتعلقون بهذا الوهم، وهو أن معظم المهاجرين من أبناء بلدهم لا يعترفون صراحة بصعوبات أوضاعهم الاقتصادية وظروفهم المعيشية في المهجر، بل يستعرضون بملابسهم وسياراتهم التي يشترونها من سوق السلع المستعملة، عندما يعودون إلى بلادهم بوصفها من أرقى الماركات! لكنها مجرد مظاهر زائفة، تجعل الكثير من الشباب أسيرين لحلم “الفردوس الأوروبي” المتخم بالرفاه، فيركبون “قوارب الموت” في سبيل الوصول إليه، وحتى الموت يصبح مقبولا في عقول المؤمنين بهذا الوهم.

مشاركة :