يواجه الاتحاد الأوروبي تحدياً بعد أن وافق على خفض استهلاك الغاز بنسبة 15% في محاولة لتفادي أزمة الشتاء الناجمة عن خفض حاد أو إغلاق كامل لإمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد، في حين تساءلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مدى فعالية هذا الإجراء في حماية تلك الدول من الشتاء القارس القادم. وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقت، أمس الثلاثاء، على تلك الخطة التي أقرها وزراء الطاقة في بروكسل، واعتبرت رداً فعالاً على استخدام روسيا ثروتها الطاقية سلاحاً اقتصادياً. وتلزم الخطة دول الاتحاد الأوروبي بخفض استخدامها الغاز بنسبة 15 في المئة خلال فصل الشتاء، مع وجود استثناءات لبعض الدول، إلا أن المجر كانت البلد العضو الوحيد الذي عارضها قائلاً على لسان وزير خارجيته بيتر سيّارتو «هذا اقتراح غير مبرر وعديم الفائدة وغير قابل للتنفيذ وضار». وأضاف أن هذا الاقتراح «يهدف إلى الحفاظ على صدقية بعض السياسيين في أوروبا الغربية». وأفاد وزير الصناعة التشيكي جوزيف سيكيلا الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي «لقد أنجزنا خطوة كبيرة نحو تأمين إمدادات الغاز لمواطنينا واقتصاداتنا لفصل الشتاء المقبل». وأضاف «أعلم أن القرار لم يكن سهلاً لكنني أعتقد أن في النهاية، الجميع يفهم أن هذه التضحية ضرورية». تعتمد ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، على الغاز الروسي إلى حد كبير وستبقى تحت رحمة إمدادات «غازبروم» لسنوات إلى حين تأمين مصادر بديلة، وكانت حصة ألمانيا بلغت نسبتها 40 في المئة من واردات الغاز الأوروبية التي أتت من روسيا العام الماضي. وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك لدى وصوله «إنه أمر صحيح أن ألمانيا، عبر اعتمادها على الغاز الروسي، ارتكبت خطأً استراتيجياً، لكن حكومتنا تعمل... على تصحيح ذلك»، وفقاً لما ذكرت وكالة فرانس برس. آلية عمل الخطة يمكن لحكومات الاتحاد الأوروبي أن تختار كيفية تقنين الغاز، طالما أنها تحمي الإمدادات للأسر، بحسب «الغارديان»، إلا أن إلى الصناعيين سوف يشعرون بتبعات تلك الخطة أكثر من المستهلك العادي، وبالتالي يجب إعطاء المصانع حوافز لتقليل استخدام منظومات التدفئة والتبريد، وذلك عبر تقديم استثناءات للشركات والمصانع التي تنتج سلعاً حيوية، وللمصانع التي يصعب إعادة تشغيلها بعد التقنين اليومي المؤقت في استخدام الطاقة. وفي حين سوف يجري حماية الأفراد المستهلكين فمن المتوقع أن يؤدي مواطنو تلك الدول واجبهم، إذ تحث سلطات الاتحاد الأوروبي الحكومات على إطلاق حملات لتشجيع الناس على إطفاء الأنوار وخفض الحرارة التدفئة والتقليل من استخدام مكيفات الهواء. وينبغي أيضاً، وبحسب الصحيفة، على حكومات الاتحاد الأوروبي أن تسرع من عملية التحول إلى الطاقة المتجددة، وأن تفكر أيضاً في تأخير الاستغناء عن الطاقة النووية أو الفحم إلى حي توفير وجود بدائل كاملة عن الغاز والنفط الروسيين. ويتعين على الدول الأعضاء إبلاغ سلطات الاتحاد الأوروبي في بروكسل بخطة توفير الطاقة الخاصة بهم كل شهرين. ونظراً لأن الاتحاد الأوروبي كان في المرحلة الأخيرة من المفاوضات بشأن الخطة، فقد أعلنت شركة غازبروم الروسية أن خفضاً حاداً في الإمدادات عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» المهم سيبدأ سريانه يوم الأربعاء، ولكن حتى لو كان التوقيت من قبيل الصدفة فإن يؤكد سبب ضغط الاتحاد الأوروبي لتقليل استخدام الغاز الروسي. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، قرر الاتحاد الأوروبي التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الروسي، الذي يعد أحد المصادر الرئيسية لتمويل جهود الكرملين الحربية. وبالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سيكون إنهاء استخدام الغاز الروسي أمراً مؤلماً، فقبل الغزو، زودت روسيا 40% من غاز الاتحاد الأوروبي و 55% من ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا. وتمتلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مزيجاً مختلفاً تماماً من الطاقة، فقد كان عدد قليل من الدول يعتمد بنسبة 100% تقريباً على الغاز الروسي، بينما لم تعتمد دول أخرى بشكل نهائي عليه. ويتوقع أن توضع استثناءات لدول جزرية مثل ايرلندا وقبرص ومالطا ودول أخرى ترتبط بشكل محدود بشبكة إمدادات الغاز المترابطة مثل إسبانيا والبرتغال. كذلك، ستعفى دول البلطيق إذا قطعت وصلاتها الكهربائية بشبكة روسيا. وقال مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي في بيان «في محاولة لزيادة أمن الاتحاد الأوروبي من إمدادات الطاقة، توصلت الدول الأعضاء اليوم إلى اتفاق سياسي على خفض طوعي للطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 15 في المئة هذا الشتاء». وأضاف البيان أن «نظام المجلس يتوقع احتمال إطلاق +تحذير الاتحاد+ بشأن أمن الإمدادات، ما يعني أن خفض الطلب على الغاز سيصبح إلزامياً». وتابع أن «الهدف من خفض الطلب على الغاز هو الاقتصاد في الاستهلاك قبيل الشتاء للاستعداد لاضطرابات محتملة في إمدادات الغاز من روسيا التي تواصل استخدام إمدادات الغاز سلاحاً». كيف سيتم توفير الطاقة؟ إذا قلل الاتحاد الأوروبي من استخدام الغاز بنسبة 15%، فسوف يجري توفير 45 مليار متر مكعب من الوقود، وفقاً لتقديرات المفوضية الأوروبية، ولكن المسؤولين يقولون إنه حتى إذا استفادت الدول استفادة كاملة من الإعفاءات، فإن الخطة ستظل صعبة التحقيق. ومع ذلك، جرى تصميم هدف الـ 15% لرؤية الاتحاد الأوروبي لشتاء قارس البرودة، إذ يتوقع أن تتم دراسة تقارير الطقس بعيدة المدى بدقة مثل التوقعات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يكون شتاء 2022-23 صعباً، خاصةً إذا انخفضت درجات الحرارة، لكن البعض يخشى أن يكون الشتاء التالي أسوأ، إذ تبلغ مستويات تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي 66%، ولكن بحلول نهاية الربيع المقبل قد تنضب بشدة مع وجود خيارات أقل لاستبدال المخزونات. ويقترح مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنه يمكن سد الفجوة عن طريق خط أنابيب الغاز من النرويج وأذربيجان، والحصول على المزيد من الغاز الطبيعي المسال الذي يتم تسليمه بواسطة الناقلات من أماكن بعيدة مثل الولايات المتحدة. وكان من المفترض أن تستمر خطة توفير الغاز الأصلية لمدة عامين، لكن حكومات الاتحاد الأوروبي قلصت النطاق إلى عام واحد، بعدما أعلنت «غازبروم» أنها ستخفض شحنات الغاز اليومية إلى الاتحاد الأوروبي بحوالي 20 في المئة اعتباراً من اليوم الأربعاء. وأعلنت «غازبروم» الاثنين أنها ستوقف تشغيل أحد آخر التوربينين العاملين بسبب «مشكلة تقنية في المحرّك». لكن مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون رفضت الأمر. وقالت «نعرف أنه لا يوجد سبب تقني للقيام بذلك»، مضيفة «هذه خطوة مدفوعة سياسياً وعلينا أن نستعد لذلك ولهذا السبب بالذات يعد الخفض الاستباقي لطلبنا على الغاز استراتيجية حكيمة».
مشاركة :