مقبرة أمنا حواء.. جدل بين المؤرخين وتوافق شعبي على المسمى

  • 7/29/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تثير مقبرة أمنا حواء الواقعة في حي العمارية بجنوب جدة، الجدل بين المؤرخين حول احتوائها على رفات أم البشر السيدة حواء. فالبعض يؤيد وفاتها ودفنها في ذلك الموقع ويراها حقيقة تاريخية، ويرى هذا الفريق أن تسمية مدينة «جدة» نسبة إلى كلمة «جَدة» (بمعنى والدة الأب أو الأم) ويقولون إنها دفنت في هذه المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل جدنا آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفات ودفنت هي في جدة وهذا أحد الآراء التي ذكرها ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»، في حين يرفض البعض هذا التفسير التاريخي للمقبرة والمدينة عموما، وفي المقابل هناك توافق شعبي على التسمية، فيما بادرت هيئة الأمر بالمعروف في عام 1975 بإغلاق الموقع عن طريق طمره بالإسمنت على خلفية صلاة بعض الحجاج فيها والتبرك بالمقبرة. الطبري وابن جرير يؤكدان هبوط حواء بجدة ذكر الطبري في كتابه (تاريخ الطبري) من رواية عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن آدم عليه السلام هبط بالهند على جبل يقال له واسم وهبطت حواء بجدة من أرض مكة المكرمة واتفقت أكثر الروايات التاريخية على أن حواء أم البشر قد هبطت في جدة، وإن اختلفوا في تحديد موضع قبرها. وذكر الطبري أيضاً أن آدم عليه السلام عندما هبط في الهند جاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء مسمى المكان (مزدلفة)، وتعارفا بعرفات فسمي المكان (عرفات)، وهذا ما ذكره أيضاً ابن جبير ومن قبله الهمداني. وذكر ابن جبير في القرن السادس الهجري خلال زيارته إلى جدة أنه رأى بها موضعاً فيه قبة مشيّدة قديمة يذكر أنه كان منزلاً لحواء أم البشر.. كما أشار ابن بطوطة إلى وجود القبة خلال رحلته إلى جدة في القرن السابع الهجري. وذكر الرحالة التركي (أوليا جلبي) في رحلته الحجازية التي تمت عام (1082) هجرية وصفه لمقبرة أمنا حواء ما يلي: هناك قبة صغيرة على المكان الذي ترقد فيه أمنا حواء.. مع أن المكان رملي وسط الصحراء إلاّ أنه بسيط وغير مزين والقبر مغطى بالحرير الأطلس الأخضر وخارج الضريح وحوله مغطى بالحصى ناحية رأسها الشريفة وكذا ناحية قدميها. مؤرخون: أكذوبة ومجرد «هيكل جاهلي» أشار بعض المؤرخين إلى أن موضع مقبرة أمنا حواء الحالي كان هيكلاً عبدته قضاعة قبل الإسلام، وأقيم القبر مكانه بعد الإسلام، ومن الأشياء التي تصيب الإنسان بالشك والاعتقاد بأن مقبرة أمنا حواء في جدة قد أخذت اسمها من وجود قبر أمنا حواء فيها وهذا ناتج عن قيام بعض الرحالة والمؤرخين بإعطاء مقاسات تقريبية لطول القبر الذي كان موجوداً في مقبرة أمنا حواء في جدة، ووضع رسوم تخطيطية في بعض الكتب عن ذلك القبر ومن ذلك ما ظهر في كتاب (جدة صورة لمدينة عربية) باللغة الإنجليزية لمؤلفه (أنجلو بسكو) والذي حدد من خلاله موقع الرأس في القبر وموقع القدمين. كما أن الرحالة محمد لبيب البشنوني وصف قبر أمنا حواء قائلاً: إنه في مدافن المسلمين بجدة قبر طويل يبلغ (150) متراً على ارتفاع متر وعرض ثلاثة أمتار وهو ما يسمونه قبر أمنا حواء وقد أقيمت عليه معالم تبين مكان الرأس والقدمين. ويوضح محمد يوسف طرابلسي مؤلف كتاب (جدة حكاية مدنية) أن جميع المراجع والكتب التي استعان بها لمعرفة تاريخ جدة وتاريخ هذه المقبرة أكدت جميعها على اتفاق المؤرخين على أن حواء أهبطت بأمر الله عز وجل في جدة ولكنهم اختلفوا حول مكان دفنها. أبو الجدايل: أسطورة وليست حقيقة يؤكد الدكتور خالد أبوالجدايل أن نسبة المقبرة إلى أمنا حواء لا يعدو أن يكون أسطورة، مقبرة أمنا حواء هي أسطورة وليست حقيقة. ويقول «المؤرخون والمستشرقون قالوا إن هناك جدلا حول المقبرة، خصوصا أن الطوفان في عصر سيدنا نوح -عليه السلام- مسح المعالم في الأرض، لكن البعض ما يزال يؤكد أنها مقبرة أمنا حواء، إنما هو تأكيد غير صحيح في رأيي. ربما تكون أمنا حواء قد عاشت في جدة فقط دون وجود دليل على أن قبرها في جدة». وأضاف، «هناك مستشرق هندي قال إن قبرها في الشكل والتصميم والحجم يشبه قبر أحد الأنبياء في الخارج، وآخر ذكر أن شكل القبر لا يدل على قبر إنسان لأنه مختلف، وهناك مستشرقون زاروا مدينة جدة في القرنين السادس والسابع الهجريين، وبتتبع ما قالوه فإن القصص والروايات لا تدل أنها دفنت فيه. أما عن اسم جدة، فقال أبوالجدايل، «له كثير من المعاني، منها جادة الطريق أو شط البحر أو الأب، وليس هناك دليل على أنه يرتبط بجدتنا حواء». الدعجاني: لا يوجد دليل ثابت ينفي المؤرخ الدكتور منصور الدعجاني أن تكون أمنا حواء قد دفنت في جدة، ويقول «كل الروايات التي تربط مقبرة حي العمارية برفاة أم البشر حواء، لا تملك دليلا ثابتا على صحتها، وليس هناك نص صريح عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو أحد صحابته -رضوان الله عليهم- يشير إلى أن أمنا حواء دفنت في جدة». ويضيف، «اسم جدة جاء نسبة إلى قبيلة أو شاطئ البحر، وربما يكون لفظها قديما». المقبرة وردت في كتابات رحالة عرب وأجانب في ترجمته لكتاب ألف ليلة وليلة؛ ذكر المستكشف والمستشرق (السير ريتشارد فرانسيس بورتون) مشاهدة القبر، كما ذكر الكاتب (أنجيلو بيشي) موقع القبر في كتابه Jeddah: Portrait of an Arabian City، وقد كان العالم والجغرافي الإدريسي من أوائل من ذكروا القبر وذلك في القرن الثاني عشر، كما قام الجغرافي والرحالة ابن جبير بذكره بعد زيارته جدة، حيث ذكر وجود مكان ذي قبة بالغة القدم في جدة يُقال أنّه قبر حواء، كما قام كلٌ من الرحالة ابن المجاور والمؤرخ ابن خلكان بذكر وجود القبر. ويذكر المفكر والمؤرخ والرحالة اللبناني أمين الريحاني أنّ أمير الحجاز وشريف مكة عون الرفيق حاول هدم بعض القبور من بينها قبر حواء، لكن هذا سبب غضباً شعبياً، حتى أنّ قناصل الدول الأجنبية اعترضوا على الأمر وقالو له: ”لك ما تشاء في الأولياء، ولكن حواء أم الناس أجمعين، ونحن نحتج على هدم مقامها“، لذا عدل عن الأمر لكنه كان غير راضياً على ما يبدو حيث قال: ”لكن هل تظنون أنّ أمنا كانت طويلة بهذا القدر؟ إذا كان الغباء عالمياً فدعوا القبر على حاله“.

مشاركة :