كشفت رسالة وجهها صندوق النقد الدولي إلى السلطات المصرية تدعو إلى التحرك بشكل أسرع وأكثر حسما نحو الإصلاحات عن نواياه الحقيقية التي دفعته إلى إرجاء منح البلاد دعمًا جديدًا في وقت تواجه فيه الأسواق المصرية نزوحًا كبيرًا للدولار، ما يضعها في ورطة لتوفير حاجات المواطنين الأساسية من الوقود والغذاء. جاءت رسالة الصندوق في وقت تخوض فيه البلاد محادثات بشأن حزمة جديدة من أجل مساعدتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية. وقال الصندوق في تقييم صدر حديثًا يتعلق باتفاق الاستعداد الائتماني الذي حصلت القاهرة بموجبه على قرض في عام 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار، إنها لا تزال “عرضة للصدمات الخارجية بسبب عبء الديون المرتفع ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة”. ياسر عمارة: سياسات الصندوق تغرق مصر في الديون وشدد المجلس التنفيذي للصندوق على الحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وتحسين الحوكمة وتعزيز القدرة على الصمود لمواجهة الصدمات. وتعاني مصر من أزمة عميقة بسبب هروب الكثير من الأموال الساخنة إلى الخارج، والتي بلغت نحو 20 مليار دولار من رؤوس الأموال الأجنبية، في ظل تغيرات عالمية متعددة، ما زاد الضغط على ميزان المدفوعات المصري، ودفع الحكومة إلى العودة إلى الصندوق ضمن برنامج قروض هو الثالث في غضون ست سنوات. واعترف المجلس بأن برنامج الاتفاق المبرم مع مصر حقق هدفه الرئيسي في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا. وأشار مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية في مصر خالد الشافعي إلى أنه رغم أزمة الغذاء والطاقة العالمية، إلا أن صندوق النقد الدولي لا يقدم الدعم الكافي أو يمنح الدول الأعضاء فيه بصيص أمل للخروج منها. وذكر الشافعي لـ”العرب” أن “مصر بحاجة ماسة إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لتلبية حاجاتها الأساسية ودعم الاحتياطي من النقد الأجنبي والذي شهد تدهورًا خلال الفترة الأخيرة بوصوله إلى 33 مليار دولار، بسبب سداد بعض المستحقات لدى البنك المركزي المصري”. واستوفت الحكومة المصرية الشروط المتفق عليها وتمكنت من تعزيز الثقة الداخلية والخارجية، مع ذلك قال الصندوق إن “تقلبات أكبر في سعر الصرف كان من الممكن ترسيخها لتجنب تراكم الاختلالات الخارجية”. مصطفى مدبولي: الحكومة تريد مضاعفة دور القطاع الخاص وشهد العام الجاري مرونة أكثر للجنيه المصري، وسمح البنك المركزي للعملة المحلية بالتراجع لأكثر من 20 في المئة مقابل الدولار عقب الحرب في أوكرانيا، واتخذت الحكومة قرارات قاسية برفع أسعار البنزين والسولار في يوليو الجاري. ويريد الصندوق مشاركة أقل للدولة وأكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد، ودعا تقييم صندوق النقد الحكومة إلى اتخاذ خطوات مؤثرة لتقليل مشاركتها في الاقتصاد وتعزيز تنمية القطاع الخاص. وكانت الحكومة صريحة بشأن التزامها بتعزيز دور القطاع الخاص في الأشهر الأخيرة، وتتحاور حاليا مع مجتمع الأعمال بشأن خططها الرامية إلى تحويل ميزان القوة الاقتصادية بشكل كبير نحو القطاع الخاص في الفترة المقبلة. وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في بيان صحافي أن الحكومة تريد مضاعفة دور القطاع الخاص على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ووعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بجمع 40 مليار دولار عبر طرح أصول مملوكة للدولة على مستثمرين محليين ودوليين في السنوات الأربع القادمة، منها بيع بعض شركات الجيش مع نهاية العام الجاري. وقال الخبير الاقتصادي المصري ياسر عمارة إن سياسة صندوق النقد تؤدي إلى تفاقم الديون الخارجية التي ارتفعت بشكل كبير ومقلق إلى 158 مليار دولار، وهو يعمل بذلك “لصالح القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة”. خالد الشافعي: القاهرة بحاجة إلى إنقاذ الاحتياطي الأجنبي وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “كلما زادت الديون الخارجية على مصر تتزايد فرص التعثر وعدم القدرة على سداد الأقساط حال استمرار الأوضاع العالمية الراهنة، وتظل دائمة اللجوء إليه، ما يزيد هيمنة الدول الكبرى على النامية بشكل غير مباشر”. ويكمن التحدي الكبير في ظروف السوق العالمية التي تعني أن المشترين الرئيسيين للأصول المصرية في الفترة المقبلة من المستثمرين الخليجيين، في مقدمتهم الإمارات والسعودية، وتصب الضغوط السعرية وتدني أسعار الأسهم بالبورصة في صالح المشترين حاليا. وتعاني مصر من فجوة تمويلية سنوية ارتفعت بنحو 20 مليار دولار، حيث انكشفت بعد ضعف الحركة السياحية المتدفقة من الخارج، إذ كانت البلاد تعتمد على مداخيلها من العملة الصعبة في سد جزء كبير من حاجتها من السلع الأساسية. وتحرص مصر على الاقتراض من الصندوق، لأنه الوسيلة الأنسب في ظل عدم القدرة على طرح سندات بالأسواق الدولية مع الارتفاع القياسي لمعدلات الفائدة بسبب ارتفاع الفائدة على الدولار التي يقودها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. يمارس صندوق النقد الدولي ضغوطًا على الحكومة في إجراءات أكثر تقشفًا وأشد قسوة على المواطنين، ويرغب في أن تتخلص السلطات من أصولها في أسرع وقت وهو قرار صعب اتخاذه حاليًا كي لا تباع شركات الجيش وقطاع الأعمال العام بأبخس الأثمان بعد الانتقادات التي وجهت للحكومة أخيرًا ببيع حصتها في البنك التجاري الدولي، وشركة فوري بأسعار قيل إنها أقل من المأمول. وينصب الخلاف بين القاهرة والصندوق في مسألة بيع الشركات العامة سريعًا، لكن حجة الحكومة أن الوقت غير ملائم تمامًا، وأنها لم تتقاعس في هذا الصدد، وما يبرهن ذلك اللقاءات المستمرة بين رئيس الوزراء وقيادات سوق المال في البلاد، والحديث عن عرض الفرص الاستثمارية على العديد من صناديق الاستثمار الدولية. 40 مليار دولار المبلغ الذي وعد السيسي بجمعه عبر طرح أصول مملوكة للدولة على المستثمرين الخلاف بين القاهرة وصندوق النقد كان محل جدل في الشارع المصري صفحات التواصل الاجتماعي حيث أبدى قطاع كبير من الناشطين على مواقع التواصل استياء من وضع الاقتصاد المصري وما يعانيه من ارتفاع في التضخم وتباطؤ في النمو، مشيرين إلى أن صندوق النقد سيطالب مصر باتخاذ مزيد من الخطوات التي "لا تتناسب مع سياساتها الاقتصادية". وفي المقابل دافع ناشطون ومغردون عن خطة الحكومة المصرية للإصلاح الاقتصادي والسياسة المتبعة حاليا، قائلين إنها مكنت البلاد من الحفاظ على استقرار الاقتصاد رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها العالم وتستحق بحسب هؤلاء إلى المساندة. وترغب القاهرة في الحصول على قرض تصل قيمته إلى 5 مليارات دولار تُصرف دفعة واحدة، بينما يرغب صندوق النقد الدولي في تنفيذ برنامج تسهيل ممدد لمصر بقيمة 20 مليار دولار تُصرف على دفعات تمتد لنحو أربعة أو خمسة أعوام، ما يزيد الأعباء والديون على البلاد، وهي سياسة يحبذها الصندوق مع الدول الناشئة. وحصلت مصر على ثلاثة قروض من صندوق النقد الدولي، الأول عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واستكملت بقرض ثالث قيمته 5.2 مليار دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :