كان أخصائي المبيعات فيكتور سوتو يتواصل مع زملائه في جميع أنحاء أوروبا والأميركيتين من كرسي على شرفة أحد المقاهي في قلب مدينة لشبونة في صباح أحد أيام شهر يونيو. وكانت جائحة كوفيد – 19 هي ما دفعت بالبريطاني البيروفي البالغ من العمر 33 عاما ليصبح واحدا ممن يطلق عليهم اسم بـ”البدو الرقميين”. وبسؤاله عن أسباب تعلقه بهذا النمط من الحياة أجاب “يمنحني هذا الأسلوب الكثير من الخيارات والحرية”. وذكر أنه اتخذ قراره بالعمل فقط في الشركات التي تسمح بالعمل عن بعد بالكامل حتى يتمكن من إشباع عشقه للسفر والترحال. تجربة ثقافية خيار سوتو أصبح اليوم جزءا من اتجاه متزايد بين البدو الرقميين الذين يبحثون عن وتيرة حياة أقل جنونا. وتسافر هذه الفئة حول العالم حاملة معها عملها. وغالبا ما يختار أفرادها قضاء وقت أطول في نفس المكان للاستمتاع بتجربة ثقافية أكثر ثراء، أو رغبة منهم في أن يكونوا أكثر تعاطفا وصداقة للبيئة. 36 مليون أميركي سيعملون عن بُعد بحلول عام 2025 وهذا يشكّل زيادة قدرها 87 في المئة وازدهر العمل المرن عن بُعد منذ رفع الإغلاق الذي فرض بسبب فايروس كورونا على مستوى العالم وبدعم من الشركات الكبرى مثل “إر بي إن بي” وتويتر وعدد متزايد من الدول التي تمنح تأشيرات للبدو الرقميين، وتسمح هذه التأشيرات للكثيرين بالبقاء في وجهتهم والعمل فيها لمدة قد تصل إلى عامين. ويقول الخبراء والباحثون إن المظهر النموذجي للبدو آخذ في التغير، حيث يتنقل العاملون عبر الإنترنت في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم بين الدول مع شركائهم وأطفالهم. لكن المخاوف تتزايد بشأن تأثيرهم على البيئة. ففي حين أن البيانات عن البصمة الكربونية للبدو الرقميين نادرة؛ يُذكر أنهم يسعون للحد من الطيران، والبقاء في أماكن إقامة مستدامة، والاستثمار في المشاريع الخضراء أو المساهمة فيها. ومع ذلك، فإن نشطاء المناخ غير مقتنعين بذلك. وقالوا إن الظاهرة الاجتماعية لا تزال تعتمد على السفر الجوي الذي ينتج ما يصل إلى 3 في المئة من انبعاثات الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري. وقال إيمانويل غيسيت، الذي كان من البدو الرقميين، ويشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة “آوتسايد”، التي توفر مساحات معيشة مشتركة للأشخاص بما في ذلك العمال عن بعد “أعتقد أننا نشعر بالذنب بعض الشيء، لأن المشكلة الرئيسية في نمط الحياة هذا هي الطيران”. وفي فترة ما قبل الجائحة، كانت الصورة النمطية للبدو الرقميين تقتصر على أشخاص في العشرينات من أعمارهم يتنقلون بين الأماكن المشمسة مرتدين السراويل القصيرة ويتأبطون الكمبيوتر المحمول لمواصلة أعمالهم الحُرّة أينما حلّوا. ويجمع المزيد من الأشخاص الأكبر سنا الآن بين العمل والسفر، وغالبا ما يقيمون لفترة أطول في مكان واحد للاستفادة من الإيجارات الأرخص واستيعاب الثقافة المحلية والمساهمة فيها بشكل أفضل. الاهتمام بالبيئة هو المحور إذا لم ننجح في مواءمة القيم الاقتصادية مع البيئة فإننا حقا محكوم علينا بالفناء وأظهر استطلاع للرأي نشره موقع “فايفر” وناشر دليل السفر “لونلي بلانيت” في مايو أن ثلث البدو الرقميين الذين شملهم الاستطلاع ينتقلون مرة كل شهر إلى ثلاثة أشهر، في حين أن 55 في المئة استمتعوا بالعمل في مكان واحد ليرحلوا عنه بعد ثلاثة أشهر أو أكثر. ويشكل الأميركيون غالبية البدو الرقميين. وقدّرت دراسة أجرتها مؤسسة “أبووركفي 2021” حول عادات مديري التوظيف أن أكثر من 36 مليون مواطن أميركي سيعملون عن بُعد بحلول عام 2025، وهذا ما يشكّل زيادة قدرها 87 في المئة عن مستويات ما قبل الوباء. وكانت المناطق السياحية الساخنة سريعة في التحرك لاحتضان البدو الرقميين، وبدا الميل المتزايد للبقاء لفترة أطول في مكان واحد وسيلة لتعويض الخسائر من عمليات الإغلاق الوبائي. وأنشأت وجهات مثل أوروبا وبربادوس والرأس الأخضر وكرواتيا وإستونيا وإندونيسيا ومالطا والنرويج تأشيرات سفر رقمية تسمح للوافدين بالبقاء والعمل لمدة تصل إلى عامين. وشهدت شركة تأجير أماكن الإقامة “إر بي إن بي” زيادة بنسبة 90 في المئة في الحجوزات طويلة الأجل في البرتغال العام الماضي مقارنة بسنة 2019. وقالت إن التطور يعكس استفادة المزيد من الناس من القدرة على العمل والعيش من أيّ مكان. ومع ذلك، يعترف البدو الرقميون بأن عدد الرحلات الجوية لا يزال كبيرا، خاصة منذ تخفيف قيود كوفيد – 19، على الرغم من أن الخبراء يقولون إنه من الصعب تحديد حصة البدو من الرحلات الجوية مقارنة بالسياح ورجال الأعمال. وقالت دينيس أوكلير، خبيرة طيران الشركات في مجموعة حملات النقل الأوروبية النظيفة، النقل والبيئة، إن هناك “فرصة ذهبية” لمواصلة المستوى المنخفض لسفر الأعمال الذي شوهد أثناء الوباء، وتقليص الرحلات غير الضرورية. لكنها تساءلت عمّا إذا كانت الشركات تضع في اعتبارها البصمة الكربونية الناتجة عن الموظفين الذين يعملون كبدو رقميين في تقارير الانبعاثات السنوية التي تنشرها. أفكار خضراء ◙ صورة نمطية للبدو الرقميين ◙ صورة نمطية للبدو الرقميين يتجه البدو الرقميون بشكل متزايد إلى ممارسة أنشطة تعوض الكربون، حيث يسعى الكثيرون إلى تعويض تأثيرهم المناخي من خلال تمويل المشاريع التي تقلل الانبعاثات ومن خلال أنشطة مثل زراعة الأشجار. ومع ذلك، فقد رفضت بعض الجماعات البيئية مخططات ائتمان الكربون. وقالت ديوي زلوش، خبيرة الطيران في منظمة السلام الأخضر بهولندا، إن هذا يمنح الناس إحساسا زائفا بالطيران الأخضر، إذ أنه لا يخلو من المشاكل. وأشارت إلى بحث قُدّم للمفوضية الأوروبية في 2017 وحدد أن خطط تعويض الكربون لا توفر تخفيضات حقيقية للانبعاثات بشكل يمكن قياسه. وفي الوقت نفسه، شجع ازدهار العمل عن بُعد الناجم عن الوباء على إنشاء مساحات للعيش والعمل المشترك، يحاول بعضها تنفيذ الأفكار الخضراء. وعندما بدأت شركة “آوتسايد” لأول مرة بخططها للمعيشة المشتركة في كاليفورنيا، زرعت شجرة لكل حجز في مواقع من جبال الأنديز إلى إندونيسيا. وتحاول شركة “تراديشونال دريم فاكتوري”، التي تخطط لإطلاق مساحات للعيش المشترك في منطقة ألينت يخو الريفية الشاسعة في البرتغال في صيف 2023، تجربة شيء أكثر طموحا. وقال المؤسس المشارك صموئيل ديليسك إن الهدف هو إنشاء مجتمع من الرحل الرقميين المتشابهين في التفكير والمهندسين والفنانين ورجال الأعمال الذين سيعيدون تجديد الأرض. وبدأت الشركة بالفعل في تغطية المناطق التي أزيلت منها الغابات بمحاصيل مثبتة للنيتروجين وزرع مئات الأشجار. كما تخطط لعزل أماكن المعيشة وإنشاء حمامات طبيعية لتوفير المياه وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ويخطط ديليسك، وهو مهندس برمجيات سابق ومن البدو الرقميين، للتوسع في دول مثل جنوب أفريقيا والولايات المتحدة. وقال رجل الأعمال الفرنسي الدنماركي إن الاهتمام بالبيئة يشكّل محور مشروعه. وأضاف “إذا لم ننجح في مواءمة القيم الاقتصادية مع البيئة، فإننا حقا محكوم علينا بالفناء”.
مشاركة :