ولد الشاعر حبيب الصايغ، الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في عام 1955 في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهو شاعر وكاتب معروف حاز إجازة الفلسفة، كما حصل على الماجستير في اللغويات الإنجليزية والترجمة، يعمل في مجالي الصحافة والثقافة، ويترأس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وهو أيضاً رئيس التحرير المسؤول في جريدة الخليج، وقد سبق للصايغ أن شغل العديد من المناصب الثقافية، منها على سبيل المثال المدير العام لمركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام. اختير الصايغ شخصية العام الثقافية في الدورة الحادية والثلاثين من معرض الشارقة الدولي للكتاب 2012. في سيرة الصايغ الكثير من الجوائز منها حصوله في العام 2004 على جائزة تريم عمران (فئة رواد الصحافة)، وحصوله في العام 2007 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، تقديراً لتجربته الأدبية والشعرية باعتباره رائداً من رواد القصيدة الحديثة في الإمارات والخليج، وكانت المرة الأولى التي تمنح لشاعر، كرمته جمعية الصحفيين كأول من قضى 35 عاماً في خدمة الصحافة الوطنية وذلك في العام 2006. مؤخراً فاز الصايغ بجائزة العويس الثقافية في حقل الشعر، وهي المرة الأولى التي تمنح فيها هذه الجائزة لشاعر إماراتي. وللشاعر الصايغ إصدارات عديدة منها: (هنا بار بني عبس)، 1980، و(التصريح الأخير للناطق باسم نفسه) 1981، (قصائد إلى بيروت) 1982، و(ميارى) 1983، و(الملامح) 1986، و(قصائد على بحر البحر) 1993، و(غد) 1995، و(وردة الكهولة)، و(رسم بياني لأسراب الزرافات) 2011، و(كسر في الوزن) 2011 و(الأعمال الشعرية الكاملة جزء1 وجزء2) 2012. بداياته بدأ الصايغ كتابة الشعر مبكرا فكتب عن الإمارات والوطن والمرأة والحب وفلسطين والقدس ومدن فلسطينية كثيرة، وفي عام 1968 كتب قصيدة عن حريق المسجد الأقصى، في عام 1973 كتب عن حرب أكتوبر، في عام 1982 عن اجتياح لبنان، في عام 1990 عن غزو الكويت. يعد الصايغ من الشعراء الذين ظهرت كتاباتهم الأولى، في سبعينات القرن الماضي، وتكرست التجربة، في بداية ثمانينات القرن الماضي، ما يجعله من أوائل أصوات الحداثة الشعرية، وإن كانت بداياته الحداثية، لم تأت قفزاً على الشكلين الشعريين الأكثر حضوراً، في تلك المرحلة، وهما قصيدة العمود، وقصيدة التفعيلة، حيث كان الصراع بينهما لا يتوقف، وأنه كان هناك صراع مواز، مع قصيدة النثر التي كانت ترسخ ذاتها، من خلال تسجيل حضورها الإبداعي اللافت. كانت مطالع الثمانينات، الفترة الحقيقية لانطلاقة الصايغ، بمعنى الفترة التي قرر خلالها أن يكون له صوته الخاص، وأن تكون قصيدته ذات طعم وخصوصية، لا تشبه غيرها من القصائد، مثل هذا التحدي، يعد من الميزات التي تطبع تجربة الصايغ بشيء مختلف، وتجعل لكل ديوان جديد يصدره تأكيداً على ريادته في هذا المجال، وأنه ينطلق من قناعة راسخة بأن درب الشعر ليس مفروشاً بالورود، وهو أمر صعب يحتاج إلى مراس وثقافة وتجربة معايشة على مشارف الحياة التي تستحق أن تختبر برغم ما فيها من قلق ورتابة، كان تحدي القصيدة هنا، بمثابة انطلاقة لأفق جديد يكتشف من خلاله الصايغ جذوة الشعر، ولنقل مغامرة الشعر، تلك المغامرة الإبداعية لما فيها من تحد، وهو الذي تطلب منه التريث كثيراً وهو يكتب قصيدته، لأنها بالضرورة ستنفتح على مطلق الشعر، بما فيه من مواقف وأفكار وتصورات، وبما هو قابع في صلب الشعر ذاته، باعتباره ذلك الألق الإنساني الشفيف الذي يتقاطع مع الكائنات والوجود بمثل ما يتقاطع مع ذات الشاعر القلقة والشفيفة. بدءا من (هنا بار بني عبس، والدعوة عامة، والتصريح الأخير للناطق باسم نفسه، وقصائد إلى بيروت، وميارى، وقصائد على بحر البحر) وغيرها.. كان النص بالنسبة للصايغ، محور اشتغال مفتوح على كل ما هو ثقافي وإنساني وعالمي، وكان شكل القصيدة بالنسبة للصايغ، مشروطاً بل خاضعاً لبنية القصيدة في التجدد، ونتيجة طبيعية للمؤثرات الاجتماعية والثقافية ولتطور بنية القصيدة العربية والشعر الحر، هذه التسميات التي راحت تتكرر في فضاء التنظير الشعري، إيقاعاً ولفظاً وتراكيب رشيقة، وهو التحدي الذي قرر الصايغ أن يخوضه مستفيداً من تلك الحداثة التي انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية وتقاطعت مع كثير من التيارات والمدارس من رمزية وسوريالية، وهو الفضاء الذي بزغ فيه فجر جديد للقصيدة العربية، ليس بعيداً عن القضايا الوطنية والقومية وتلك الحقبة التي برز فيها شعراء كبار، وأصبح فيها معمار القصيدة العربية شكلاً ومضموناً، وتراكما يتيح حرية التمدد في فضاء القصيدة طولاً وعرضاً وأفقياً وعمودياً وهو الذي تأثر به الصايغ وتبناه في تجربته الشعرية، ومهدت له الصحف والمجلات الثقافية العربية مجالاً للحرية والإبداع. انطلق حبيب الصايغ، لينمي تجربته ما بين الحداثة والأصالة والعمق، وهو الذي في سؤاله مرة عن المراحل الشعرية التي مرّ بها أجاب :أكاد أجزم بسبب من اختلاط المفاهيم وامتزاج المراحل أنني مررت بالعهود المتلاحقة للقصيدة العربية من تقديس الشكل القديم في بدايات التجديد على يد شعراء (أبولو) و(المهجر) بل على يد المتنبي والأندلسيين، ثم السياب ورفاقه، وصولاً إلى حركة الشعر في البحرين لاعتبارات الجيرة والقرب والتبادل الثقافي، من أنين الصواري لعلي عبد الله خليفة إلى (إضاءة لذاكرة الوطن) ومن (البشارة) لقاسم حداد إلى (الدم الثاني) و(خروج رأس الحسين من المدن الخائنة) في هذه الأجواء ولدت شعرياً وترعرعت، كنت مع هؤلاء جميعاً، لكنني كنت وحدي. هكذا، تبلورت شعرية الصايغ، عبر مرحلة عمرية لا يستهان بها، وهو الذي طبع دواوينه الشعرية التي صدرت تباعاً بفرادة استحق عليها التكريم في أكثر من مناسبة، وكانت هذه التجربة في نظر النقد تتوجه اسماً مهماً في مسيرة الشعر الإماراتي والخليجي والعربي، برغم كونه ليس من جيل المؤسسين على الصعيد الزمني إماراتياً، فهو تأسيس -كما وصف كثيرا- يرتبط بالريادة والبناء حتى اعتبر في نظر الكثيرين أحد الشعراء الذين نقلوا القصيدة الإماراتية من إطارها المحلي المحدود جغرافياً إلى فضائها العربي، وجعلها حاضرة بقوة في صلب المشهد، إقبالاً من جهة القراء، واهتماماً من جهة الأداة النقدية، فكان بذلك مؤسساً لمرحلة في تاريخ الشعر الإماراتي. كتب الصايغ في الأشكال الشعرية الثلاثة العمودي والتفعيلة والنثر واستطاع أن ينجز خصوصية في كلِّ شكل شعري يكتبه، ضمن شروطه الجمالية، وشروطها الإبداعية، لغة وإيقاعاً ورسماً وصورة، وهو الذي في كل قصيدة يكتبها، يصبح مخلصاً للنص الذي بين يديه، أميناً لاشتراطات الفكرة التي يشتغل عليها، مروراً بتلك اللحظة من الصفاء الكلي، ليبدع نصاً خالياً من الشوائب صافياً متألقاً وذا نسق خاص مكثف يترك أثره في المتلقي والقارئ والمثقف والشاعر على حد سواء. التنويع في تجربة الصايغ الشعرية، شمل كثيراً من أعماله أبرزها: كسر في الوزن وهو ذات العنوان التي سميت إحدى قصائده -أي الديوان- باسمه، كما هي حال ديوانه أُسمّي الردى ولدي وهو الكتاب العاشر في سلسلة إصداراته ويتضمن قصيدة واحدة استمدّت عنوانها من الجملة الشعرية المحورية التي نُسجت من روحها قصيدة الصايغ المطولة أسمّي الردى ولدي. وكما في تجربة الصايغ ابتكار على صعيد المفردة الشعرية، فثمة ابتكار على صعيد المعنى، فقد لعب الصايغ عبر تجربته الشعرية الإبداعية على المتناقضات، كما لعب على فكرة الموت بوصفها فكرة مجردة، وقد نجح في توظيف بعض الأساطير في شعره، في ذات الإطار كان الزمن حاضراً في قصائد الصايغ بوصفه زمناً مركباً (حاضراً ومطلقاً) وكانت الأنثى المرأة حاضرة في شعره كفراشة جميلة تحيل على كثير من سياقات الدلالة، هو المعنى في كل تشكيلاته التي تبحث في نهاية المطاف عن الصفاء في مقابل ما يعانيه الإنسان من صراع داخلي وخارجي بحثاً عن محطة مستقرة الحلم والأمل الذي يخلص الإنسان من سطوة المجهول وعتمة المنافي وحيرة الأمكنة. صدرت عدة دراسات وكتب تستجلي تجربة الصايغ الشعرية، في كثير من الصحف والمجلات الثقافية الخليجية والعربية، من ذلك مثلاً: كتاب حبيب الصايغ بين التاريخ والأسطورة للباحث الدكتور صديق محمد جوهر، رئيس قسم الأدب الإنجليزي في جامعة الإمارات، ضمن مشروع النشر المشترك بين اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ووزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهو عبارة عن دراسة نقدية موسعة ومقارنة ترصد بعض الثيمات في أشعار حبيب الصايغ شاعر الإمارات الأول بلا منازع في رأي المؤلف وأحد رموز الحركة الشعرية الإماراتية والعربية الكبار. اتبع المؤلف في كتابه منهجاً اتكأ على النظريات النقدية الراهنة التي تتناول الخطاب الشعري الحداثي، وتعرض بالدراسة والبحث والتحليل لقصائد مختارة للصايغ تتناول العديد من الموضوعات والقضايا الملحة، وذلك عبر مناهج تأويل متنوعة، وآليات نقدية تعتمد مفاهيم التناص والتأثر. -نماذج من أشعاره (أؤسس أسئلتي في الفراغ، فيستدرج الشكل ظلي إلى وحشة الحب أدفن أسئلتي في حديقة بيتي، فيطلعها صاحبي شجرا لا سماء سوى ما انتهى فدعيني أقل ما أشاءْ مرة، حين داهمني الموت أبصرت ما لا يُرى السماء التي في السماء). *** (شرقي عينيك ينتحل البحر شخصية الرمل حين يوشوش أجنحة أو نسور شرق عينيك ينتحل البحر شخصية القبر حين يطير تاركاً خلفه للهاث وللموت كل القبور). *** في الربع الأخير من الليل ساءَلت نجمة كلبَ جارتها ليحرسها من كوابيسها كان منهمكاً في قراءة رمل المرايا في الهزيع الأخير من الليلْ في الهزيع الأخير من الويلْ وفي قصيدة نجمة ثالثة بيتها القش يفتح باباً على قمرينْ وفي يدها كأسها كلما ثملت خربشت جانب الأفق وانقسمت نجمتين).
مشاركة :