ضمن دروس رحلة الحج الماضي، درس لتعليم «تكفين المرأة المسلمة»، لا أخفيكم أنني تفاجأت بعنوانها بعد دخولي المكان، وكدت أتركه بل أكثر الحضور بدا لي أنهم كذلك، ولأن هذا الموضوع تأنفه النفوس، رغم أنه حق، وبوابة كلنا واردوها لا محالة، إلا أننا ضعفاء، والتفاصيل مخيفة، فالموت والتعامل مع الأموات له هيبة ووجل. أجبرت نفسي على السماع، فنحن أمام أمر واقع، لا بد من المجاهدة لمعرفته، لعلّ القلب في هذا المقام يلزمه وقفة كهذه تنفض عنه غبار الدنيا. الشرح بالتفصيل ينساب على مسامعنا في جو يسوده الصمت والخشوع، أثواب الكفن والحنوط والكافور، ولن نخرج من الدنيا إلا بهذا؟! استشعرت كيف أن لطف الله ورحمته وإكرامه لنا ونحن أحياء نلمسه بكل الرحمة؛ هو ذاته ونحن بين يدي المُغسِلّة بلا حول لنا ولا قوة. حين نترك الدنيا وأحبابنا، سنكون في مأمن، فالله هيأ الأمناء لأجلناعرفت كيف أن الله حين سنّ تجهيز الميّت، وأنك لا بد أن تراعي بشره وشعره وعظامه، وحتى درجة حرارة الماء المنسكب على جسده، والتعامل معه كطفل تستجمع كل رحمتك به لئلا تؤذيه، أدركت يقيناً أن من سنّ هذه السنن ربٌّ رؤوفٌ رحيمٌ بعباده كريم ستِّير لهم، أكرم الصالح والعاصي على حد سواء، وأمر وحضّ على ستره، وبحثت عن فضل من قام بذلك ووقفت على هذا الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين مرة، ومن كفن ميتا كساه الله من سندس واستبرق الجنة، ومن حفر لميت قبراً وأجنّه فيه أجري له من الأجر كأجر مسكن إلى يوم القيامة حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره على ذلك الذهبي في التلخيص، وصححه أيضاً الألباني. رأيت كيف أن التعامل بأدق تفاصيل الجسد بالتنظيف والتطييب والعناية، لم يأمر به إلا هذا الدين العظيم؛ لكرامة المسلم عند الله. فعلاً، إنه شعور غريب ويبعث الطمأنينة، فحين نترك الدنيا وأحبابنا سنكون في مأمن، فالله هيأ الأمناء لأجلنا، وهذه الكرامة امتداد لأفضال الله التي لا تعد ولا تحصى. أفلا يستحق منا التزام شكره، وحسن عبادته قبل انقطاع الأسباب؟! فاللهم أحسن خواتيمنا ووفادتنا إليك. لا توجد كلمات دلالية لهذا المقال القراءات: 1
مشاركة :