أعلنت الخارجية الأميركية الجمعة أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور الشهر المقبل جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، في خطوة تُكثّف من خلالها واشنطن تحركها الدبلوماسي في أفريقيا بينما يشهد التنافس الروسي – الأميركي على القارة زخما كبيرا بعد الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وستزور أيضًا سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، في أغسطس، غانا ورواندا. وقامت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور مؤخرًا بزيارة إلى كينيا، الحليفة القديمة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى الصومال حيث أشارت إلى زيادة سوء التغذية بفعل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وتتزامن الجولات الدبلوماسية الأميركية مع جولة لافروف الواسعة في أفريقيا التي سعى خلالها لتحميل الغرب مسؤولية ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم عازيا ذلك إلى تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وزار وزير الخارجية الروسي أوغندا وجمهورية الكونغو وإثيوبيا ومصر لإظهار أن بلاده ليست معزولة دوليا كما كان الغرب يأمل. كما قدّمها على أنها صديقة حقيقية للدول الأفريقية وأنها تدعم مساعي القارة للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وقال لافروف في إثيوبيا “أنا متأكد من أن الغالبية العظمى من دول العالم لا تريد أن تعيش كما لو أن الحقبة الاستعمارية قد عادت”. وتأتي رحلة لافروف في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على توسيع نطاق وجودها العسكري الذي لا يتخذ مظهرا عسكريا واضحا في أفريقيا. وبدأت مجموعة فاغنر تثير قلق الأميركيين خاصة بعد نجاحها في التأثير الميداني في ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي وسط تقارير استخبارية أميركية تقول إن الخطوة القادمة لهذه المجموعة هي بوركينا فاسو. وتمتلك روسيا عناصر القوة أمنيا وعسكريا التي تسمح لها باستقطاب دول أفريقية خرجت خاصة عن النفوذ الفرنسي، لكنها لا تمتلك القوة الاقتصادية الكافية التي تجعلها تحقق ما تبحث عنه الكثير من دول القارة في ظل وضع اقتصادي صعب بعد مخلفات جائحة كورونا ثم أزمة توريد الغذاء في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية. كما أن روسيا نفسها تعيش وضعا صعبا بسبب العقوبات الغربية المفروضة على اقتصادها. وكتب جوزيف سيجل من مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في موقع “ذي كونفرسيشن” أن “اللعبة خطرة بالنسبة إلى هؤلاء القادة الأفارقة. حيث تمتلك روسيا اقتصادا بحجم اقتصاد إسبانيا، ولا توفر استثمارات أو تجارة كبيرة للقارة (بخلاف الحبوب والأسلحة)، وهي منفصلة عن النظام المالي الدولي بشكل متزايد”. وتختلف أزمات روسيا عن أزمات الولايات المتحدة في أفريقيا، وسيجد بلينكن نفسه أمام مهمات صعبة خلال زيارته الثانية إلى القارة كوزير للخارجية، حيث واجهت جنوب أفريقيا ضغوطا لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا، كما أن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة من أجل حشد الدول في جميع أنحاء القارة لعزل روسيا دبلوماسيا واقتصاديا فشلت حتى الآن. وخلال زيارته إلى الكونغو، التي أفاد تقرير أفريكا ريبورت عنها لأول مرة، من المتوقع أن يحاول بلينكن التوسط في التوترات بين الكونغو ورواندا بشأن دعم رواندا المفترض لحركة 23 مارس المتمردة والمنخرطة في اشتباكات مستمرة مع الجيش الكونغولي. ويقول مراقبون إن واشنطن أهملت أزمات القارة حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة من التعقيدات، وعندما أبدت رغبة في العودة وجدت أنها لا تملك الإرادة الكافية ولا أوراق الضغط التي تساعدها على لعب دور فاعل مثلما حصل مع وساطة المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان الذي فشل في تحقيق اختراق حين سعى للوساطة في الملف الأثيوبي. Thumbnail ويشير المراقبون إلى أن زيارة بلينكن لن تخرج عن دائرة الوعود والتصريحات الفضفاضة بشأن السلام في أفريقيا ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب بعض الدول في مواجهة مختلف الأزمات. وأشارت الخارجية الأميركية في بيانها إلى أن بلينكن سيشدّد خلال جولته الأفريقية على أن “الدول الأفريقية شريك أساسي في أكثر القضايا إلحاحًا في عصرنا، من تعزيز نظام دولي مفتوح ومستقرّ، إلى التطرق إلى تداعيات التغيّر المناخي وانعدام الأمن الغذائي والأوبئة العالمية، وتشكيل مستقبلنا التكنولوجي والاقتصادي”. وبرزت جنوب أفريقيا التي سيزورها بلينكن كساحة معركة دبلوماسية رئيسية، إذ أبقت على موقف محايد بشأن الحرب في أوكرانيا، رافضة الانضمام إلى الدعوات الغربية لإدانة موسكو التي أبدت معارضة لنظام الفصل العنصري في الماضي في الدولة الأفريقية. وسيزور بلينكن جوهانسبرغ وبريتوريا من 7 إلى 9 أغسطس القادم، على أن ينتقل بعدها إلى كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف إظهار الدعم لأكبر دولة في أفريقيا جنوب الصحراء والتي تحاول طيّ صفحة عقود من النزاع الدامي. وسيسافر بعدها إلى رواندا التي شهدت تصعيدًا في التوترات مع الكونغو الديمقراطية التي اتهمت كيغالي بدعم متمرّدي “حركة أم 23” (حركة 23 مارس)، الأمر الذي تنفيه رواندا. ولفتت الخارجية الأميركية إلى أن بلينكن سيسعى للضغط من أجل الإفراج عن بول روسيساباغينا الذي يُقال إنه أنقذ المئات من الأشخاص خلال الإبادة في عام 1994. وقد أنتج فيلمًا سينمائيًا عن الواقعة بعنوان “هوتيل رواندا”. والعام الماضي حُكم على بول روسيساباغينا المُقيم الدائم في الولايات المتحدة والمعارض الشرس للرئيس الرواندي بول كاغامي بالحبس 25 عاما لإدانته بـ”تأسيس” الجبهة الوطنية للتحرير و”الانتماء إليها”.
مشاركة :