كشف بحث علمي للدكتور خالد بن عبدالله آل زيد – الباحث في قسم التاريخ بجامعة أم القرى – صحة مكان رضاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، في قرية (حليمة السعدية) الواقعة في سراة بني سعد، وتحديدا في قرية الذويبات الدهاسين بوادي الشوحطة جنوب شرق محافظة الطائف، وينفي المواقع الاخرى. واكد البحث العلمي ، موطن رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم عبر 12 شاهد في سراة بني سعد. ويقول الباحث الدكتور خالد آل زيد : في ظل التباين عند العلماء والباحثين في تحديد ارض (حليمة السعدية) وموطن رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ونشأته في سراة بني سعد. واضاف : قمت بحصر أكثر من 15 موقعا , تخبر وتتحدث عن ديار قوم (حليمة السعدية) بعضها في مكة المكرمة وماحولها من مواقع بمختلف الجهات. حيث يقول بعضهم ان موطن رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم في (منى) وهناك من قال ان رضاعته بحي جرول ( وادي طوى ) وهناك من قال في الشميسي ( الحديبية ) إلى آخره. واشار الباحث الدكتور آل زيد ، ان البعض بين الى ان موطن (حليمة السعدية) في ميقات السعدية الواقع جنوب مكة المكرمة على بعد حوالي ٩٠ كم. كما أشار آخرون إلى ان ديار (بني سعد) تقع بين منطقتي (عسفان) و(المدينة المنورة ) وتحديدا في ناحية (الكامل) و(خليص). واضاف الدكتور آل زيد ، ان هنالك من قال ان موطن (حليمة السعدية) في (يثرب) وان وفاة مرضعت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (حليمة) وقبرها هناك ايضا . بينما حدّد بعض الباحثين موطن (حليمة) ما بين مكة المكرمة ، ومحافظة الطائف ، وتحديدا في ديار (هذيل) في وادي نخلة، وهناك من قال انها في السيل الكبير ( قرن المنازل )، وهناك من قال بجانب سوق ذي المجاز، وهناك من ذكر ان رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في جنوب محافظة الطائف في نواحي وادي ليه، وآخر ما تناولته الدراسات البحثية، حددت موطن (حليمة السعدية) ورضاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في شمال محافظة الطائف، وتحديدا في ارض اوطاس. حيث أكد الباحث الدكتور خالد آل زيد ، ان جميع هذه الأقوال ضعيفة وليس لها قيمة بل انها شككت في المسلمات التاريخية والمواقع الأثرية الثابته كموطن (حليمة السعدية) في سراة بني سعد، والمعلوم بالتوارث عند الاهالي عبر الزمن ، حيث تمت رضاعة النبي في جنوب محافظة الطائف، وعاش عند مرضعته (حليمة) 4 سنوات. وبين الباحث الدكتور آل زيد ، انه حصر الشواهد والقرائن التي تؤكد ذلك في 12 شاهد كما يلي :- 1- ظاهرة الارتفاع, حيث ارتبطت المرتفعات الجبلية بحياة الأنبياء، وخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،كما جاء في حادثة نزول الوحي حيث نزل عليه جبريل في (غار) بجبل حراء، وايضا اختبائه هو صلى الله عليه وسلم وصاحبه ابو بكر الصديق-رضي الله عنه- في جبل (ثور) يوم الهجرة، وغيرها من المواقف والاحداث، ومما يؤكد ذلك أنه ورد أكثر من نص يفهم منه ان رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم، تمت في منطقة عاليه، ومن ذلك قول امه (امنه) حينما عادالنبي صلى الله عليه وسلم لها مع مرضعته (حليمة): {{أعيذه بالله ذي الجلال من شر ما مر على الجبال}}. وايضا ما جاء في النص عن حليمة:{{فنزلت به التي ترضعه إلى سوق عكاظ }}دلالة على نشأته بأرض مرتفعه. وايضا:{{فنزلت به إلى امه امنه}} فالنزول هنا يقتضي الهبوط من مكان مرتفع كالسراة، الى اخر منخفض كمكة المكرمة. وايضا النص الذي ورد عن امرأة سعدية تقول فيه:{{ للنبي عن اخوته من الرضاعة}} ((لقد كان لهم موئل فذهب )) والموئل هو المرتفع والملجأ من المطر اي ليس في منخفض معرض للخطر كما هو في ذنب ( أسفل ) اوطاس. وفي كلمة (فذهب )دليل على انهم كانوا يسكنون في موقع ثابت وانهم اهل حاضرة ( قرية) بيد انهم انتقلوا منها وتفرقوا الى اوطاس وغيرها، ويصادق ذلك قول الشاعر السعدي من بني عصيمة يوم حنين: {{ وامنن على بيضة قد عاقها قدر ××× مشتت شملها في دهرها غير}}. وكذلك يدل وجود الشعاب التي يرعى بها رعيان بني سعد وفق ماورد في النصوص، على وجود الجبال وسكناهم بها، وان رعيهم رعي ثابت، وليس رعي صحراوي. 2- لقب الدهاسين الذي لايزال يطلق على قرية الشوحطة بسراة بني سعد، من حيث معناه يعني[الاعجاز] وسعد بن بكر معدودين من [اعجاز] هوازن وايضا مفرد هذا اللقب ( دهاس ) ويحمله اسم الدهسة من قبيلة (عتيبة) اليوم وهم قطعا من (سعد بن بكر) فضلا عن أن (حليمة) عرفت بلقب (القطوية) من القطا، وهو العجز في اللغة، دلالة على أنها من سكان قرية (الشوحطة) المعروفة باسم الدهاسين. 3- الحديث الذي ورد في صحيح بن حبان وغيره وافاد فيه وحشي بن حرب انه ناول عبيدالله بن عدي الهاشمي امرأة سعدية فارضعته بذي طوى , وهو وادي الحمضة في سراة بني سعد اليوم, بدليل قول الرداعي الخولاني في شعره: {{ذي طوى ذو الحمض والسباخ قاربة للورد من كلاخ}} ويوجد في اعلاه بئر طوى كما هي تسميتها اليوم واصلها حسو كما هو الاصل في مياه بني سعد ,وقد وقفت عليها فوجدتها بالفعل حسوا. واشار احد الباحثين الى انها هي الماء الوحيدة الحلوة في تلك الجهة وهي لاتبعد عن موقع بيت حليمة سوى ٢ كيلومترا. 4- ان نص الامام الحربي عن رضاعة النبي في اوطاس كما في هذا النص (( ويقال ان النبي صلى الله عليه وسلم، رضع في تلك الناحية )) مبني على الظن وهناك قاعدة شرعية تقول الدليل الذي تطرق إليه الاحتمال، لايصح به الاستدلال، بينما هناك في المقابل قاعدة تقول : القدم يترك على قدمه. وغيرها من القواعد الشرعية التي تشير إلى أهمية العرف والتواتر، وغيرها في تعيين المواضع التاريخية على أرض الواقع. 5- جاء في النص عند  المقريزي ان نساء بني سعد مرّرن بحي من هذيل (( فمررن بسنح من هذيل على عراف كبير )) والسنح قرية في أعلى رأس وادي وج في جنوب غرب الطايف كانت لقبيلة هذيل واليوم لقريش وفي هذا دلالة على ان موطن رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في سراة بني سعد، ولو كان في غير تلك الجهة لما سلكت حليمة ومن معها ذلك الاتجاه، وجئن الى هذه القرية خاصة وان طريق المشاعر بمكة المكرمة باتجاه وادي نعمان، كان هو طريق اهل السراة ، ويرا العالم محمد هيكل ان (حليمة) اخذت النبي صلى الله عليه وسلم، طفلا وسارت به عبر طريق (نعمان) إلى (الطائف) وايضا مرافقة حليمة للأحباش في الطريق من مكة المكرمة، باتجاه ديارها كما جاء في النصوص فيه إشارة إلى أن مسكنها في جنوب الطائف، لان الأحباش كانوا يسلكون طرق اليمن من جنوب مكة المكرمة، وجنوبها الشرقي ،وليس من شمال الطائف، عبر وادي (نخلة الشامية) نحو اوطاس، وتلك الجهات. 6- ورد في المصادر ان (هوازن) في نجد ممايلي اليمن , اي في جنوب الطائف, وجنوبه الشرقي, وليس جهة شماله, حيث تقول الشيماء للنبي صلى الله عليه وسلم : {{ اتننسى بنجد رضاع وعهدي ××× وانت رسول الى العالم}}. قال احد العلماء ونجد اذا أطلق ( اي اذا لم يكن مضافا ) انصرف الى نجد الحجاز والعرب تسمي الحجاز نجدا، وجلسا والجلس هو الجبل اذا كان صالح للسكن والحجاز المنجد داخل في النجد في قول الإمام الهجري. ويقول الهمداني: والنجد ما انجد عن السراة وظهر من رؤوسها مشرقا في حالة استواء دون ماينحدر إلى العروض ( الأراضي المنخفضة) كما هو في تسمية ريعان النجد اليوم بجوار قرية حليمة. 7- رهاط إحدى قرى سعد بن بكر قال عنها العلماء : موضع نجدي بالحجاز لثقيف من بلاد بني هلال, وقد وردت في رسم الفرع والسراة كلها فراع كالتي تقابل بيت حليمة, كما وردت رهاط في رسم شمنصير واصله شنصير وهذا الجبل موجود بجوار (قرية حليمة) باسمه المصغّر (شنيصر). 8- دلالة اجتماعية تتمثّل في وجود آل العرابي من بني هاشم في سراة بني سعد، وميسان حتى اليوم. وارتباطهم معهم برباط المجاورة والمصاهرة بل هناك من عرف منهم بلقب العرابي الحارثي الذي يتوافق مع هذا النص (( سعد بن بكر رجال بني الحارث )) الا يدل هذا على مدى العلاقة المتجذرة بين بني سعد وقريش لاسيما ان قريش كانت تصيّف بوادي بسل من السراة جنوب الطائف في الجاهلية وصدر الاسلام. 9 – قرية الحديبية التي جاء ان (حليمة السعدية) وقومها يسكنون بها وفي أطرافها, لم تكن هي حديبية مكة المكرمة، وإنما الراجح انها في السراة لانه توجد اسماء عدّة باسم الحدباء والحديب والحدب في السراة بل يوجد اسم الحدبية كعلم على الطرف الشمالي لقرية (الشوحطة) التي يتطابق تكوينها الجغرافي مع مفهوم الحدباء عند الجغرافيين، من حيث كونها تجويف غليظ في وسطه  ارتفاع. 10- ما يذكره الأهالي من وجود زوار يأتون لموقع بيت (حليمة) ركوبا على ظهور الجمال في القرن الماضي. 11- شهرة بني سعد (اخوال) النبي صلى الله عليه وسلم، بالفصاحة، والثابت ان موطن الفصاحة والبلاغة هي السراة بحسب النصوص ((أفصح الناس اهل السروات )) ((وبها بقاع الفصاحة والصباحة)) وكذلك (( أفصح الناس سافلة العالية وعالية السافلة ويعني عجز هوازن )) والعاليه هنا عالية الحجاز جنوب الطائف، وليس جهة المدينة المنورة ،لأن (اعجاز هوازن) لاتسكنها. 12 – مفهوم الحاضرة في اللغة يتوافق مع مفهوم القرية, والسراة كلها قرى قال عنها علماء التفسير , انها هي المقصودة في قوله تعالى ((قرى ظاهرة)) فضلا عن انه ورد في المصادر ان (سعد بن بكر) يمتلكون قرى كقرية رهاط, وقرية الحديبية, وغيرها دلالة على انهم اهل حاضرة مستقرين في ارضهم, وليسوا اهل انتقال وترحال, بحسب هذه النص (( حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد )) وغيره من النصوص. واضاف الدكتور خالد آل زيد : أعتقد ان مثل هذه الشواهد والقرائن ، تجلي الحقيقة، وتربط الماضي بالحاضر، ونتعرف من خلالها على أهمية الاماكن التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة واتم السلام، وذلك للاهتمام بها وتطويرها من قبل الجهات المسؤولة والمعنية، واستكشاف المعالم الصحيحة المرتبطة برضاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحداث التاريخ، ومنع الجدل واللغط في مثل هذه الدراسة. الجدير بالذكر ان هذا البحث العلمي عن قرية (حليمة السعدية) جاء كدراسة جادة في جدلية المكان.حيث تم اعتماد البحث العلمي من قبل جامعة أم القرى، بعد مروره على خمس مجالس علمية.