تشهد مصر حالياً جدلاً واسعاً حول «قائمة منقولات الزوجية»، أو ما يعرف في الثقافة الشعبية بـ «القايمة»، وهي بمنزلة عقد من عقود الأمانة، التي نص عليها قانون العقوبات المصري، وتكون سبباً في عدم إتمام الكثير من حالات الزواج، أو قد يتعرض الزوج للسجن حال عدم قدرته على رد محتوياتها أو قيمتها المادية، إذا وقع الطلاق، لكن المفاجأة أن هذه «القايمة» لها جذور ترجع إلى زمن الفراعنة! تزدحم محاكم الأسرة في مصر بآلاف القضايا التي تكون قائمة منقولات الزوجية سببا وراء اشتعالها، ورغم أن هذه العادة مرتبطة بالمصريين فقط، ولا يوجد مثيل لها في كل دول العالم تقريبا، ويظن البعض أنها مستحدثة، فإن المؤرخ المصري بسام الشماع فجر مفاجأة مفادها أن «قائمة منقولات الزوجية» لها جذور تمتد في الثقافة المصرية لآلاف السنين منذ زمن المصريين القدماء. وجرى العرف في مصر على أن الزوج يوقع على قائمة تضم الشبكة الذهبية التي أهداها لزوجته، وكل محتويات مسكن الزوجية، من أثاث ومفروشات وخلافه، لتصبح هذه القائمة بمنزلة «وصل أمانة»، وبتوقيعه هذا يكون قد أقر بأنه استلم القائمة الزوجية على سبيل الأمانة، وأنه ملتزم بشكل صريح بردها متى طلب منه ذلك، وقبل أيام ثار جدل كبير حول جدوى هذه العادة التي تكون سببا في وقوع خلافات بين الأزواج في أحيان كثيرة، تنتهي بالزج بالزوج خلف الأسوار الحديدية بتهمة «تبديد المنقولات». الرزانة أهم من الثراء وقال عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية المؤرخ بسام الشماع، لـ»الجريدة»، إن «المجتمع في مصر القديمة لم يختلف في مشاكله من زواج وطلاق وقائمة ومهر وصداق ومؤخر صداق... إلخ، فكل هذا موجود وموثق في نصوص مصرية قديمة غاية في التماثل مع مجتمعنا الحالي وثقافته الراهنة». وتابع الشماع: «موافقة والد الفتاة على زواج ابنته كانت ضرورية جدا، وفي أغلب الأحيان كان الأب يختار رجلا طيبا ليكون زوجا لابنته، ووفق نص مصري قديم، فإن أحد الآباء كان ينصح ابنه بأن يختار زوجا لابنته، وفق شروط منها أن يكون رجلا حريصا ورزينا، ولا يستلزم أن يكون غنيا». وأوضح أنه «في يوم الحساب يقف المتوفى أمام المحكمة الإلهية، وكان لزاما عليه أن يصرح بأنه لم يفعل خطايا كثيرة، منها أنه لم يقتل ولم يزن ولم يرهب أحدا ولم يكن يشرب الخمر، ولم ينظر لزوجة جاره، وحتى يظفر بالفردوس (سخت إيارو) عليه ألا يكون قد أخذ فتاة من أبيها من دون موافقته. ووفقا للنصوص الخاصة بعقود الزواج كانت العذرية أمرا مطلوبا ومهما جدا على المستوى الاجتماعي». تدوين العطايا وواصل الشماع: «هناك نص مصري قديم أيضا يقول: لقد اتخذتك زوجة لي وقد أعطيتك كذا (يتم تدوين قائمة بالعطايا التي منحها إياها)، ولو حدث أن نبستك كزوجة، أي تركتك أو طلقتك أو انفصلت عنك، إما لأنني أكرهك أو لأنني أرغب في امرأة أخرى سواك، فسوف أعطيكي قائمة بالهبات، كما يجب أن أعطيكي أيضا ثلث ما نكتسبه معا منذ اليوم، أما الأبناء الذين أنجبتهم لي والذين سوف تنجبينهم فهم الورثة لكل ما أملك، أو ما يمكنني أن أحوزه... وينتهي النص بقائمة بالمنقولات والمتعلقات التي أحضرتها الزوجة عند الزواج مع تحديد قيمتها المادية». وأوضح أن هناك عقدا آخر أشارت إليه عالمة المصريات كريستيان نبلكور، في كتابها «المرأة الفرعونية» (صادر عام 2016 عن الهيئة العامة للكتاب)، ذكر شيئا غريبا: «الزوجة هي الوحيدة التي تقدم المال في حال كونها أكثر ثراء من الزوج». المال نظير الزواج وبين الشماع أن هناك عقدا يحمل عنوان «المال لأجل أن تكون زوجة»، وينص على ما يلي: «لقد أعطيتني (ثم يذكر العقد قيمة المهر من الفضة والنحاس) لكي تصبحي زوجتي (أي أن السيدة هي التي دفعت المهر وليس الرجل)، ولقد تلقيته من يدك، وإن قلبي لراضٍ عن ذلك، والحساب مضبوط تماما، وليس لدي بداية من اليوم وإلى الأبد أي احتجاج أعبر عنه بخصوصه، أما أنا فسوف أوفر لك (هنا تُذكر كمية الغلال والفضة) من أجل إعالتك كل عام، وإذا لم أرد لكي خلال شهر المال المطلوب فإنني سأستمر في دفع ما يجب علي نحوك من أجل احتياجاتك المعيشية حتى اليوم الذي أتمكن فيه من رد هذا الصداق... أي أنه كان يظل يعمل ليحصل على المال ويتمكن من أن يرد لزوجته الصداق الذي اتفقت عليه معه في العقد...». وأضاف أن الزوج يقوم أمام كاتب هذا العقد برهن كل ممتلكاته لضمان تسديد هذه المبالغ المالية، مشيرا إلى أن «فكرة القائمة استمرت حتى العصر البطلمي، وهذا يدل على أن الفكرة جرى توارثها جيلا بعد جيل إلى أن وصلت إلى زمننا الراهن».
مشاركة :