أكد محللون ماليون أهمية حفاظ مملكة البحرين على سياستها المالية القائمة على ربط العملة الوطنية بالدولار، خلافاً لما قامت به دول أخرى مثل العراق الذي خفض قيمة عملته مقابل الدولار بعد تدهور أسعار النفط، وقالوا إن فك الارتباط بين الدينار البحريني والدولار الأمريكي قد يكون مفيدا على المدى القصير في تقليل فاتورة الدين العام، وخفض معدل الفائدة، ومنح مصرف البحرين المركزي قدرة أكبر على التأثير في أداء الاقتصاد، لكنهم اعتبروا أن هذه الفوائد مؤقتة ومحدودة ولا تقارن بمدى الخسائر التي سيمنى بها الاقتصاد البحريني على المدى الطويل في حال فك الارتباط. وأكد المحللون ألا مؤشرات أبدا على نية الحكومة فك ارتباط الدينار بالدولار، معتبرين أن ذلك مطمئناً بالنسبة للمستثمرين وأصحاب الودائع بالدينار، ويقي المستهلكين من تذبب الأسعار، كما أن ربط الدينار بالدولار يتناسب وطبيعة الصادرات البحرينية مثل النفط الخام والمنتجات النفطية والألمنيوم والبتروكيماويات والأقمشة وجميعها مسعرة بالدولار الأمريكي. وسعر صرف الدينار بالدولار الأمريكي ثابتا منذ سنوات طويلة عند 378 فلسا للدولار في حال الشراء من محلات الصرافة مع فارق بسيط في حال مبادلة العملة لدى المصارف. رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية الدكتور جعفر الصايغ قال إن الحفاظ على سياسة ربط الدينار بالدولار يمنح المتعاملين الثقة في الاقتصاد البحريني وخصوصا صغار المستثمرين، خاصة وأن صغر الاقتصاد البحريني يجعله غير قادر على تحمل الصدمات، كما أن عملية الربط توفر على المواطن والمقيم التداعيات المرتبطة بتغير سعر صرف الدينار مع أهم عملة صعبة في العالم. لكنه أوضح أن الاقتصاد البحريني يتعرض لشيء من الخسارة بسبب ارتباط الدينار بالدولار وذلك عند حدوث ارتفاع في قيمة عملات الدول الأخرى التي تستورد منها البحرين، مثل السيارات والتجهيزات من دول الاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا، خاصة وأن هبوط اليورو يعزز الصادرات الأوروبية حول العالم، وارتفاع الدولار مقابل اليورو يخدم الاقتصاد الأوروبي عن طريق جعل صادرات دول الاتحاد الأوربي أقل كلفة. وتابع الصايغ أن من سلبيات الربط حرمان البنك المركزي البحريني من التأثير المباشر على اسعار الفائدة، حيث نجد أننا ملزمون بأسعار الفائدة التي يحددها البنك الفدرالي الأمريكي والتي ترتفع وتهبط تبعاً للأوضاع الاقتصادية في أمريكا وليس في البحرين، وقد رأينا دائما تنافرا في أداء الاقتصاد بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي عامة، فعندما ينمو أحدهما ينكمش الآخر، وهذا مرده إلى أسعار النفط، فعندما نبيع برميل النفط بأكثر من مئة دولار يزدهر اقتصادنا وينكمش الاقتصاد الأمريكي وحتى الأوروبي، والعكس صحيح. وفي الاتجاه ذاته ذهب الخبير الاقتصادي عمران الموسوي للقول علينا أن ندرك أن ربط الدينار البحريني بالدولار الأمريكي ليس مفيداً دائما كما أنه ليس ضارا دائما، فالولايات المتحدة ليست بالضرورة راضية من عملية ارتباط العملة البحرينية أو أي من العملات الأخرى بالدولار. بل على العكس يلاحظ أن أمريكا تضغط على بعض الدول صاحبة الاقتصادات الضخمة مثل الصين بضرورة فك ربط عملتها الوطنية بالدولار حتى يتسنى لهذه الاقتصادات استيراد المزيد من السلع والخدمات من الشركات الأمريكية. وتابع دول الخليج العربي لديها تجارب في فك ارتباط عملتها بالدولار، ففي العام 2007 هبطت قيمة الدولار الأمريكي لمستويات قياسية وهو ما قلل من القيمة الشرائية للعملات المرتبطة بها ومن بينها دول الخليج العربي، فقامت الحكومة الكويتية برفع قيمة الدينار الكويتي مقابل الدولار بسب تدني قيمة العملة الأميركية آنذاك، وهو ما رفع قيمة الدينار الكويتي مقابل الدولار من 290 فلسا إلى 278 فلسا للدولار الواحد. واضاف عندما أقدمت الولايات المتحدة حينها على إضعاف قيمة عملتها بهدف تنشيط الصادرات تسربت معلومات حول نية دول الخليج العربي وكل من الصين وروسيا واليابان وفرنسا فك ارتباط تجارة النفط بالدولار الأمريكي، والتحول إلى سلة من العملات تشمل الين الياباني واليوان الصيني واليورو والذهب، لكن شيئا من هذا لم يحدث. وتابع الموسوي لا شك أن لدى المصرف المركزي دراسات مستمرة حول التأثيرات كافة السلبية والإيجابية التي قد تنجم عن فك ارتباط الدينار بالدولار، ودراسة ربطه بسلة عملات تعكس حجم التبادل التجاري مع الدول التي تشكل عملاتها هذه السلة، واتخاذ القرار الملائم الذي يعزز كفاءة الاقتصاد البحريني. وأكد الموسوي أنه يستبعد تماما فك الارتباط بين الدينار والدولار، وقال لطالما أكدت حكومة مملكة البحرين التزامها الكامل ببقاء ارتباط الدينار البحريني بالدولار كأحد الثوابت الأساسية للسياسات المالية والمصرفية المتبعة في البحرين. من جانبه، أكد المحلل المالي أسامة معين صوابية استمرار العمل بسياسة مالية محافظة والمتمثلة بربط الدينار بالدولار الأمريكي حفاظا على مصالح المتعاملين باقتصادنا الوطني وخصوصا صغار المستثمرين، فاقتصادنا لا يتحمل الصدمات في حال حدوث تغييرات في قيمة الدينار وخصوصا أن الشعب البحريني مثل حكومته يميل إلى تبني سياسة مالية محافظة. وأكد أهمية الحفاظ على القدرة الشرائية للدينار البحريني في الأسواق العالمية خصوصا أمام عملات الدول التي نستورد منها، كوننا دولة مستوردة لغالبية السلع ونعتمد على تصدير النفط فقط تقريبا، إضافة إلى تعزيز موقع الدينار البحريني بين العملات الدولية، إلى جانب توخي الآثار السلبية لانخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، والحد من التضخم وارتفاع الأسعار. وقال معين التخلي عن ربط العملة بالدولار يعني اتباع إحدى سياستين: تعويم العملة أو ربطها بسلة عملات، وهذين الخيارين ليسا جيدين للاقتصاد أبداً.
مشاركة :