هل هناك مقياس أكثر دقة في الحكم على الأمور من الحواس، وأولها العين؟ في السوشال ميديا تحديداً نعم! فالعين لا يمكن الوثوق بها هناك، للأسف، ليس لعيب في العين، ولكن لخلل في المشهد الذي نراه، فنحن نرى رجلاً يجلس بجانب نافذة الطائرة، حيث تظهر السحب واضحة خارج النافذة، بينما يلف الرجل نفسه بالحزام وخلفه راكب آخر، بقليل من التأني يبتعد المشهد تدريجياً، وتتضح الصورة كاملة، فالرجل وزميله يجلسان في غرفة بائسة، بينما المشهد كله مصنوع للإيهام والتندر لا أكثر، إنه صورة مركبة! هذا مجرد مثال للتدليل على أن ما نراه على السوشال ميديا ليس حقيقياً، والقضية الأهم فيما يكمن خلف المشهد، والخلاصة أنك بإزاء عالم افتراضي يمكن أن يكون كل ما تراه وما يقال لك فيه افتراضياً خالصاً، وكم دفع كثيرون ثمن تصديقهم غالياً! المشاهير أو من يسمون (المؤثرين) يقدمون لمتابعيهم تفاصيل حياة أشبه بالأحلام، المنازل الأسطورية، الممتلكات، المقتنيات، الطائرات واليخوت والعلامات التجارية الباهظة الثمن، وأولئك الذين يختصون بالكتب، ويقدمون أنفسهم كقراء خارقين ينجزون في العام قراءة 150 كتاباً، وفي الشهر أكثر من 15 كتاباً، الذين يسافرون لكل الدنيا طوال العام وكأنهم يمتلكون خزائن قارون يتساءل المتابع لهم: هل هذه الحياة حقيقية؟ هل نحن الفاشلون الأغبياء المعدمون أم أن هؤلاء أشخاص خارقون وفوق العادة؟ «نسيم الصبا» رواية بديعة للكاتب النمساوي دانيل غلاتاور، صدرت في العام 2006، ترجمت إلى أكثر من 35 لغة، منها اللغة العربية، في هذه الرواية حاول الكاتب أن يبسط هذه الحقيقة بشكل عبقري عبر رسائل إلكترونية، يتبادلها بطلا الرواية دون أن يعرف أحدهما شيئاً عن الآخر، وكلما اقتربا خطوة من اللقاء والخروج من عالم الافتراضات والأكاذيب، صار هذا اللقاء أبعد مما يمكن أن نتخيل، حتى تنتهي الرواية تلك النهاية الصادمة التي تشعر القارئ وكأنه سقط من الطابق الخمسين، هكذا هي الحقيقة في هذه العوالم، بعيدة ومستحيلة، وقد تقودنا إلى صدمة غير متخيلة! طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :