كشف ما كتبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن قلقه على الوضع في العراق ودعمه دعوةَ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الحوار والتهدئة عن توجه لدى الدول الكبرى التي لديها مصالح في العراق يقوم على متابعة الأوضاع والاكتفاء بالتعبير عن القلق دون أن تتدخل أي جهة لمنع تحوّل الوضع في البلاد إلى وضع كارثي. وقال مراقبون عراقيون إن التعليق الفرنسي، وهو أول قرار يصدر على مستوى رئاسة دولة من ضمن الدول المعنية بالوضع في العراق، تجسيد للقلق والامتناع عن التدخل لدى الدول المهتمة بالشأن العراقي، بما في ذلك تلك التي لديها مصالح حيوية في العراق، مشيرين إلى أن الأمر ناجم عن الخوف من المستنقع العراقي الذي لا أحد يريد الاقتراب منه بسبب تعقيداته الكثيرة. وأعرب الرئيس الفرنسي الثلاثاء عن “قلقه الشديد بشأن الوضع في العراق”، قائلا إنه يشاطر دعوة رئيس الوزراء العراقي إلى “الحوار والتشاور”. وكتب ماكرون في تغريدة باللغة العربية “قلقي شديد بشأن الوضع في العراق. يجب أن يسود الهدوء وضبط النفس. أشارك رئيس الوزراء في النداء الذي وجهه للحوار والتشاور استجابة لتطلعات العراقيين”. واعتبر المراقبون أن فرنسا، كما غيرها من الدول المعنية، خاصة الولايات المتحدة، إذا تحركت للوساطة فسيتم تصنيفها بشكل آلي منحازة إلى هذا الطرف أو ذاك، خاصة أن الميليشيات المتنافسة في العراق دأبت على اتهام بعضها البعض بالعمالة للخارج، وسيتم توظيف أي تدخل في تغذية الصراع الذي ليس من مصلحة أي جهة من المتصارعين أن يتوقف أو ينتهي إلى حل. ودأبت فرنسا على النأي بنفسها عن الصراعات الداخلية في العراق، كما أنها حريصة على إطلاق تصريحات تكون أقرب إلى موقف إيران في الملف النووي، وهي تهدف بشكل أساسي إلى عدم إغضاب طهران ذات اليد الطولى في العراق، ويمكن أن يؤدي انزعاجها إلى عرقلة المصالح الفرنسية في العراق. وفي سبتمبر من العام الماضي وقّع العراق عقداً مع مجموعة “توتال إينيرجيز” الفرنسية للاستثمار في مجال الغاز والنفط واستغلال الطاقة الشمسية تبلغ قيمته 27 مليار دولار، في خطوة قال مراقبون إنها تأتي كمكافأة للرئيس الفرنسي الذي سعى لإظهار مساندته للنظام السياسي في العراق الذي تسيطر عليه الميليشيات الموالية لإيران. التعليق الفرنسي تجسيد للقلق والامتناع عن التدخل لدى مختلف الدول، بما في ذلك تلك التي لديها مصالح حيوية في العراق ولم يعلق المسؤولون الأميركيون على ما يجري في العراق من أزمة سياسية حادة، ولم يصدروا دعوات إلى التهدئة خاصة بعد لجوء طرفي الأزمة إلى الاستقواء بالشارع وحشد الأنصار، ما قد يحول العاصمة بغداد إلى حلبة صراع. ويعرف البيت الأبيض أن أي تدخل منه سيغير اتجاه الجدل في العراق، وأن كل جهة ستنظر إلى نفسها على أنها خصم للأميركيين، وأنها الأَولى بمواجهتهم، وستعود إلى الواجهة ظاهرة استهداف المواقع السيادية الأميركية وسيتم التنافس فيها بين الفرقاء، لكن ذلك لن يحل الأزمة السياسية في العراق. ويلاحظ كذلك صمت دول الجوار العراقي عن التطورات السياسية في البلاد. وحتى إيران التي هي طرف رئيسي في الأزمة، ووسيط بين مختلف الميليشيات المتصارعة والموالية لها، تحرص على إظهار أن ما يجري شأن داخلي في العراق. ويقول متابعون إن إيران منحازة إلى الإطار التنسيقي الذي هو مجمع من الميليشيات الحليفة لها، لكنها تريد أن تتابع مجريات الحرب واتجاهاتها حتى إذا خرج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فائزا يجد الباب مفتوحا أمامه في طهران، فهو في النهاية أحد أذرعها في العراق وإن كانت لا تستسيغ أسلوبه الاستعراضي في إدارة الأزمة ومحاولة فرض نفسه “مرجعا” شيعيا منافسا لها. ومنذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021، يعاني العراق من شلل سياسي بعد فشل أشهر من المفاوضات بين الأحزاب الرئيسية لاختيار رئيس جديد للجمهورية أو رئيس جديد للحكومة. وبدأ أنصار الصدر اعتصاما في البرلمان السبت وتظاهر خصومه السياسيون بالآلاف في بغداد الاثنين، تعبيرًا عن الانقسام الذي يمزق البلاد. Thumbnail وفي محاولة للتهدئة دعا التيار الصدري إلى “إخلاء” مبنى البرلمان العراقي الثلاثاء، ونقل اعتصام مناصريه، الذين يتواجدون داخله منذ أربعة أيام، إلى باحاته الخارجية. لكن مراقبين قالوا إن هذه الخطوة التي في ظاهرها رغبة في التهدئة قد توفر الفرصة لاشتباك الصدريين مع خصومه من المتظاهرين الذين يسعون لاقتحام المنطقة الخضراء. وقال الكاظمي الذي تتولى حكومته تصريف الأعمال السبت “لا بد أن تجلس الكتل السياسية وتتحاور وتتفاهم من أجل العراق والعراقيين”، في كلمة بثها التلفزيون. اقرأ أيضا: إخلاء أنصار الصدر لمبنى البرلمان العراقي يفسح المجال أمام الحوار ودعا جميع العراقيين إلى عدم الانسياق وراء الاتهامات ولغة التخوين، مشيرا إلى أن على القوى السياسية أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية والجلوس إلى طاولة حوار وطني. كما طالب المتظاهرين بالتعاون مع القوات الأمنية واحترام مؤسسات الدولة، داعيا في الوقت ذاته القوات الأمنية إلى الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة والمؤسسات الرسمية. وقللت أوساط سياسية عراقية من فرص نجاح أي حوار في الوقت الحالي، معتبرة أن كلام الكاظمي وغيره من الشخصيات العراقية ليس سوى تسجيل حضور في المشهد، لأن الحل لن يكون بالجلوس إلى طاولة التفاوض، وأنه من الصعب على أي جهة الجمع بين الصدر وخصمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ إذ كلاهما يربط وجوده بنفي الآخر، فالصدر يربط حربه على الفساد والمحسوبية بوجود المالكي، فيما الأخير لا يخفي استعداده لإستراتيجية الأرض المحروقة كي يتخلص من خصمه، وفق ما كشفته سلسلة التسريبات التي نشرها الصحافي العراقي علي فاضل المقيم في الولايات المتحدة.
مشاركة :