الجهاديون يكثفون حملاتهم في مالي لملء الفراغ بعد الانسحاب الفرنسي

  • 8/3/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في هجمات منسقة ومتسلسلة وغير مسبوقة منذ 2012، استهدف مسلحون لجماعة ماسينا المتحالفة مع تنظيم القاعدة عدة معسكرات للجيش المالي وسط البلاد، وعلى رأسها معسكر كاتي القريب من العاصمة باماكو، ومقر إقامة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا، في خطوة قال مراقبون إنها جزء من خطة يعدها الجهاديون لملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الفرنسية. هذه الهجمات وإن تسببت في مقتل عدد ليس بالقليل من الجيش المالي، إلا أنها لم تتمكن من إسقاط أي من المعسكرات والمدن التي هاجمتها بعد تصدي القوات الحكومية لها، على عكس هجمات 2012 التي تحالفت فيها عدة تنظيمات جهادية مع حركات الطوارق المسلحة، ما أدى إلى سقوط شمال البلاد بالكامل في يدها. لكن هذه المرة كان الجيش الحكومي أكثر استعدادا وجاهزية، رغم الثغرات الأمنية التي مكنت جماعة ماسينا من الوصول إلى أكثر نقطة تحصينا وتسليحا في البلاد، ومركز إقامة الرئيس الانتقالي، ومنها انطلقت عدة انقلابات للإطاحة بنظام الحكم في باماكو. ويتحدث الجيش المالي عن عدة هجمات رئيسية ومنسقة في وسط وغرب البلاد في الفترة ما بين الثاني والعشرين والسابع والعشرين يوليو الماضي استهدفت عدة بلدات على غرار كالومبا، وسوكولو، وكاتي دوينتزا، وكورو، وتي، وبافو، وسيغو وكولوكاني. أخطر هذه الهجمات استهدف مقر إقامة الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا في قاعدة كاتي العسكرية في الثاني والعشرين يوليو بواسطة سيارتين مفخختين وهجوم مباغت خلّف مقتل جندي و7 مهاجمين والقبض على 8 آخرين، بحسب مصادر إعلامية. ◙ هجمات تنظيم القاعدة على قاعدة كاتي العسكرية تشكل خطوة نحو تكرار سيناريو طالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ولكن بعد خمسة أيام من هجوم كاتي نفذت جماعة ماسينا هجمات أوسع وبأعداد كبيرة من المسلحين استهدفت نقاطا عسكرية على غرار قاعدة في منطقة سيفاري القريبة من مدينة موبتي (وسط)، وفي سوكولو (وسط) وكالومبا (غرب/ على الحدود مع موريتانيا)، أوقعت 18 قتيلا بينهم 15 جنديا و3 مدنيين، بينما زعمت القوات الحكومية أنها قتلها 63 إرهابيا، وحجز عدد من الدراجات النارية التي يستخدمها مسلحو القاعدة بكثافة في تنفيذ هجماتهم، بالإضافة إلى سيارات دفع رباعية. والملاحظ في بيان للجيش المالي أنه استخدم طائرات هليكوبتر مقاتلة في صد هجمات المسلحين، وهذا ما يفسر لماذا استهدفت جماعة ماسينا قاعدة سيفاري الجوية. كما تحدثت وسائل إعلام غربية عن مشاركة مرتزقة فاغنر، الذين يبلغ عددهم نحو ألف عنصر في مالي في صد هذه الهجمات. وتشكل هجمات تنظيم القاعدة على قاعدة كاتي العسكرية التي لا تبعد عن العاصمة باماكو سوى بنحو 16 كيلومترا من الشمال الغربي خطوة نحو تكرار سيناريو طالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. ولا يريد تنظيم القاعدة انتظار انسحاب آخر جندي فرنسي وقوات تاكوبا الأوروبية من مالي نهاية هذا الصيف، بل بدأ ضغطه على المدن والبلدات القريبة من باماكو، انطلاقا من معاقله في وسط البلاد، خاصة حول مدينة موبتي، مركز قبائل الفلاني التي ينتمي إليها زعيم جماعة ماسينا أمادو كوفا. وهذا ما أشار إليه أحد قيادات تنظيم القاعدة في الساحل (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) ويدعى محمود باري الذي تحدث في فيديو عن "خطة تم وضعها لمحاصرة باماكو"، بحسب وكالة الصحافة الأفريقية. فالتنظيم يستغل المشاكل التي يواجهها نظام عاصيمي غويتا مع فرنسا والدول الغربية، وكذلك مع دول الجوار خاصة كوت ديفوار ودول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، وحتى مع البعثة الأممية "مينوسما"، لتشديد الضغط على حكومة باماكو. وهدد القيادي في تنظيم القاعدة في نفس الفيديو بمواصلة هذه الهجمات، مما يعني أن هناك موجة تصعيد قادمة. ◙ الجهات المقربة من الحكومة تعتبر الهجمات انتقامية بعدما قتل الجيش نحو 200 إرهابي فيما تطالب هيئات حقوقية دولية بفتح تحقيق وتعتبر الجهات المقربة من الحكومة هذه الهجمات انتقامية، بعدما قتل الجيش الحكومي نحو 200 إرهابي في منطقة مورا (وسط)، بينما تطالب هيئات حقوقية دولية بفتح تحقيق في الهجوم الذي تقول إنه سقط خلاله 300 شخص يعتقد أن غالبيتهم مدنيون. ويبدو أن الولايات المتحدة أخذت هذه التهديدات محمل الجد، وطلبت من العمال الحكوميين غير الضروريين العاملين في سفارتها بباماكو مغادرة مالي، بسبب ما قالت إنه "تهديد أمني تشهده العاصمة". ورغم تبني "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التي تنتمي إليها جماعة ماسينا لهذه الهجمات، إلا أن السلطات المالية تحاول ربطها بالانسحاب الفرنسي من البلاد، وبقضية اعتقال 49 جنديا من كوت ديفوار دخلوا البلاد بطريقة مشبوهة. وحاولت السلطات الانتقالية المالية الترويج لفكرة أنها تتعرض لمخطط فرنسي بالتنسيق مع دول الجوار لإسقاط نظام الحكم في البلاد. ولجعل هذه الرواية أكثر منطقية، تم عرض اعترافات مصورة لأحد الأشخاص زعم أنه "شارك في الهجوم على قاعدة كاتي العسكرية، وأنه تدرّب في بوركينا فاسو، وكان بينهم تنسيق مع بعض الغربيين". ويسعى نظام غويتا من خلال ربط هجمات جماعة ماسينا بدول غربية مثل فرنسا، ودول الجوار على غرار كوت ديفوار وبوركينا فاسو، لتعزيز شعبيته، ونفخ الروح القومية لدى الماليين ضد "التهديد الإرهابي والأجنبي المشترك" الذي لا يهدد نظامه فحسب وإنما "الدولة المالية ككل". وهذه الدعاية تلقى صدى لدى وسائل الإعلام المحلية وبعض الأوساط الشعبية، وتم اللجوء أيضا إلى الوازع الديني من خلال دعوة جميع الطوائف والجمعيات الدينية إلى "جلسات صلاة من أجل السلام والاستقرار في مالي". وبين الوضع الأمني والاجتماعي المتردي، وضغوطات الدول الغربية والجيران الأفارقة بضرورة العودة بسرعة إلى الوضع الديمقراطي، فإن نظام غويتا، يواجه تهديدات وتحديات من أطراف متعددة تجعل من استمراره خلال الأشهر المقبل مسألة محل جدل رغم الدعم الروسي.

مشاركة :