قررت السلطات في مصر الاعتماد على نفسها لإنقاذ سوق المال في البلاد، ودعت هيئاتها الكبرى لتطوير استثماراتها في سوق الأسهم من خلال إعادة هيكلة محافظها مع زيادة النسبة المسموح بها لشراء الأسهم بدلاً من التركيز على أدوات الدخل الثابت، في مقدمتها السندات. وعقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي اجتماعات مكثفة الأيام الماضية مع كل من وزيري المالية والأوقاف ومسؤولين في البورصة، وأجرى نقاشا مع عدد من رؤساء المؤسسات الحكومية ومديري صناديق الاستثمار والجهاز المركزي للمحاسبات لبحث العقبات التي تقف حائلاً أمام زيادة الاستثمارات في السوق. وتضمنت قائمة المؤسسات التي شاركت في الاجتماعات، هيئة البريد المصري، وشركات التأمين المملوكة للدولة، في مقدمتها شركة مصر القابضة للتأمين، وهيئة التأمينات الاجتماعية، والهيئة العامة للتأمين الصحي، وهيئة الأوقاف المصرية. تفاقم الخسائر 22 في المئة تراجع البورصة منذ بداية العام لابتعاد مؤسسات الدولة عن الاستثمار في الأسهم وتعمل الحكومة على عودة السيولة إلى البورصة، حيث تشهد السوق ضعفا في التداول منذ أكثر من عامين، تفاقم العام الجاري مع هروب مستثمرين أجانب من الأسواق الناشئة بشكل عام، من بينها مصر. وابتعدت مؤسسات الدولة عن الاستثمار في الأسهم، عدا المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر عبر صناديق الاستثمار الكبيرة والمتنوعة في البورصة، ما تسبب في انهيار مؤشرها وتراجعه بنحو 22 في المئة منذ بداية العام. وزاد من ارتباك البورصة المصرية استحواذ المستثمرين الأفراد على تداولات السوق وانتهاج سياسة القطيع في التعاملات، فضلاً عن الذُعر الشديد المعروف في أوقات الأزمات والاندفاع نحو البيع والخروج من السوق خوفًا من تفاقم الخسائر، ما ترتب عليه انهيار واضح في المؤشرات. وكشف مصدر مسؤول في البورصة المصرية لـ”العرب” أن المؤسسات المحلية التي هي عصب السوق مثلت أقل من 4 في المئة من إجمالي حجم التداولات حتى نهاية مايو الماضي، وارتفعت الشهية قليلاً حاليًا عند 13 في المئة من قيمة التداولات. 100 مليون دولار حجم صناديق الاستثمار النسبة الكبرى منها استثمار في أذون الخزانة وقال محلل أسواق المال محمد سعيد إن الإستراتيجية الاستثمارية للمؤسسات الحكومية والصناديق تسمح باستثمار نحو 5 في المئة فقط من محافظها في الأسهم، بينما يتم استثمار السيولة المتبقية في أدوات الدخل الثابت، مطالبًا بزيادة استثمارات الهيئات في الأسهم إلى نحو 25 في المئة. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه حال الإقبال على هذه الخطوة تنتعش التداولات لأقصى درجة وتزدهر كمية الأسهم بالسوق ما يمثل فرصة لدخول مستثمرين جدد لتنشيطه وهي خطة من شأنها التعجيل باستئناف برنامج الطروحات الحكومية المعطل. وتعتزم الحكومة بيع حصص نحو 10 شركات في البورصة قبل نهاية العام الجاري، وفق تصريحات وزير المالية محمد معيط، والذي أكد الالتزام ببرنامج الطروحات الحكومية على الرغم من الاضطرابات التي تضرب الأسواق الدولية. وجرى تأجيل طرحين الأيام الماضية بعد قيام كل من بنك القاهرة وشركة أمان القابضة بتأجيل خطط طرحهما لأول مرة بالبورصة هذا العام بسبب عدم الاستقرار. معايير جديدة محمد سعيد: يجب رفع استثمارات الهيئات في الأسهم إلى 25 في المئة ودفع تدني التداولات ومستوى التعاملات في البورصة التي أهملتها الحكومة قبل تأثرها بالظروف المحيطة العديد من الأجانب إلى تغيير قبلتهم الاستثمارية التي تأكدت مع تداعيات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ورفع أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، إذ اعتمدت الشركات عليهم لإتمام الطروحات. من شأن زيادة النسبة المقررة لاستثمارات الجهات الحكومية في البورصة جذب مستثمرين جدد، ودخول الفئات الحديثة اكتتابات الحكومة المزمع طرحها بسوق المال كي لا يقال إن هيئات حكومية اشترت أسهم شركات الحكومة، أو الحكومة باعت لنفسها. وقدر محمد سعيد حجم السيولة المتاحة لدى المؤسسات الحكومية وصناديق الاستثمار في البورصة بنحو 100 مليون دولار، لكن النسبة الكبرى منها توجهت للاستثمار في السندات وأذون الخزانة، لذلك ليس لها تأثير على تداولات الأسهم. وتتطلب الخطوة الحالية الحاجة إلى وجود معايير جديدة لاختيار مديري الأصول المؤهلين لإدارة استثمارات الحكومة ولجان الاستثمار والتأكد من أنهم محترفون على المستوى الفني والمهني حتى تكون لديهم قدرات اتخاذ قرارات استثمارية أفضل. وتشهد الفترة الحالية تدفقات استثمارية من بعض دول الخليج، لاسيما الإمارات والسعودية وقطر، تجاه البورصة المصرية عبر شراء حصص إستراتيجية أو بالاستحواذ على بعض الشركات تزامنًا مع تدني مستويات أسعار الأسهم وعدم ملائمتها للقيم العادلة أو معدلات الربحية التي تحققها. وأوضح خبير أسواق المال عادل عبدالفتاح لـ”العرب” أن خطوة الحكومة هدفها تحسين صورة البورصة، والرغبة في شراء حصص أكبر بالشركات تمهيدًا لرفع أسعارها أو اقترابها من قيمتها العادلة بدلاً من بيعها للأجانب بأبخس الأسعار. وذكر أن شراء الأسهم في بورصة مصر بالأسعار الحالية فرصة غير متاحة بأي أداة استثمار حول العالم بسبب الاتجاه الهابط الذي تشهده سوق المال منذ عام، والتي لم تساير حركة البورصات العالمية، حيث مالت للصعود جلسات طويلة ولم تتدهور أسعار الأسهم فيها مثل السوق المصرية. ويعد شراء المؤسسات الحكومية لأسهم في البورصة ضامنا لها لتحقيق أرباح استثنائية أعلى من الاستثمار في أي أدوات أخرى بالسندات أو غيرها، ويمكن بيعها للأجانب بأسعار أعلى لاحقًا من أجل تدفق العملات الأجنبية. موجات صعود وهبوط عادل عبدالفتاح: خطوة لتحسين صورة سوق المال وزيادة قيم الشركات وأكد عبدالفتاح أن استثمار أموال التأمينات والمعاشات في البورصة من أكثر الوسائل التي تدر عائدًا لأصحابها، وما تردد حول خسارتها بعد دخولها سوق الأسهم غير صحيح. وشهدت البورصة المصرية في العقد الماضي موجات صعود وهبوط، وهي ليست خسارة لاستثمارات المعاشات، وحدث تراجع مؤقت وهو طبيعة الاستثمار في البورصة ثم حققت عوائد مرتفعة، لكن تم الترويج لذلك في وسائل الإعلام بصورة غير دقيقة. وتكمن أهمية الخطوة الحالية في أنها جس نبض للسوق، إذ تراهن الحكومة على البورصة كوسيلة للتمويل من عدة اتجاهات، أبرزها أنها إحدى قنوات تدفق النقد الأجنبي، ووسيلة مناسبة لبيع الشركات وتوسيع قاعدة الملكية عبر الطرح العام لكياناتها بدلاً من بيعها للأجانب مباشرة ما يثير حفيظة الرأي العام بسبب تصوير الأمر على أنه تفريط في أصول الدولة. ويصعب أن يستوعب سوق المال بأدائه الحالي الطروحات أو يحقق أهداف الحكومة، ويحتاج إلى تطوير للبورصة وإعادة هيكلتها، وأحد عناصر ذلك هو أن تبدأ الحكومة ومؤسساتها بنفسها أولاً وتعمل على تنشيط السوق بضخ سيولة جديدة. كما أن نجاح المؤسسات في إنعاش البورصة يدفع الحكومة إلى التعجيل باستئناف بيع الشركات، وبالتالي تحقيق مرادها من توفير السيولة اللازمة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص كأحد متطلبات صندوق النقد الدولي المتكررة لحصول مصر على قرض جديد، ومن ثم تكون بداية للفت أنظار المستثمرين الأجانب مرة أخرى للبورصة.
مشاركة :