كقطرة حبر غامق في كأس ماء رائق، تفعل مقارنات كثيرة لأنفسنا بالآخرين، ففي كتابه واسع الانتشار "ترياق للفوضى"، يطرح جوردان ب. بيترسون مثالاً، فيقول "لو أنك كنت فريدًا من نوعك، وصاحب إنجازات نوعية، لدرجة أنه لا يوجد مثلك سوى شخص واحد في كل مليون إنسان، فيجب أن تعرف أنك لو كنت تعيش في مدينة مثل نيويورك، فهناك على الأقل 8 أشخاص مثلك، أو ربما تجاوزوك في إنجازهم. محمد نصار يكتب: «في بيتنا مشهور» هذا لو تحدثنا عن نيويورك، فكيف بنا اليوم ونحن متصلون بمليارات الأشخاص عبر الإنترنت.. فكم واحدًا مثلك أو يتفوق عليك؟ فمهما بلغت من إنجاز، قطعًا هناك مِن حولك مَن لو نظرت إليه بعين المقارنة، لزهدت وكرهت، وربما احتقرت ما وصلت إليه. أما المثال فخذه أنت في جولتك اليومية على السوشيال ميديا. نعم أنت نسخة خاصة، وبصمة نادرة، ولكن ليس من الصحي دائمًا أن تنظر بعين المقارنة، فهناك دائمًا أجمل وأرشق.. أغنى وأقوى.. ألطف وأقرب للقلب.. وقس على كل صفات التفضيل تلك. ولكن لا بد أن نشير إلى أن المقارنة آلية يستخدمها الإنسان لتقييم ما عنده، عبر قياسه بما لدى شخص آخر. وتبرز هذه الآلية أكثر في حالات عدم الثقة والتأكد، فنلجأ إلى تقييم أفكارنا مثلاً قياسًا بأفكار الآخرين، لتزداد قدرتنا على خلق حُكم أكثر موضوعية ومنطقية. وهنا تبدو المقارنة إلى حد ما طبيعية. ليون فيستنجر صاحب نظرية المقارنة الاجتماعية 1954، يشير إلى أن هناك نوعين من المقارنة: الأولى صاعدة تجعلنا نقارن أنفسنا بمن يتفوق علينا، وهي تساعدنا في حالات كثيرة على تسريع العجلة والمواكبة، والثانية هابطة تدفعنا لمقارنة أنفسنا بمن هم أقل منا، وهي تعيننا على استعادة الثقة في حالات التشتت وعدم اليقين بنفسك. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الطبيعي هو أن تقارن نفسك صعودًا أو هبوطًا بمن هم ضمن دائرتك المنطقية. فمن غير المنطقي أن تقارن نفسك برجل أعمال ثري جدًا، وأنت في بداية طريقك في عالم الأعمال. قد يتسلل اليأس إليك لشعورك باستحالة الوصول إليه. يمكنك أن تستبدل بالمقارنة هنا الإلهام، فقد يلهمك شخص في مجالك ذاته، ليؤكد لك دائمًا أن النجاح ليس حلمًا، وإنما أمر حققه غيرك. محمد نصار يكتب: فومو وجومو أما الأخطر في عملية المقارنة، فهو ما نعيشه اليوم بتأثير من الإعلام الاجتماعي، فمواقع التواصل تدفعنا لمقارنة تصاعدية مستمرة، فهي تسهل الظهور بمظهر مثالي يسهل التحكم به إلى حد كبير. فضلا عن الفلاتر المستخدمة والقدرة الفائقة للتعديل ليس للوجه فقط. فتجد أن جولة يومية على تلك المنصات كفيلة بأن تجعلك غير راضٍ عن جسمك مثلاً، مقارنة بأجسام تشع جاذبية ورشاقة وعضلات، وغير راضٍ مثلاً على ما حققته من نجاح، وقد تغفل عن غير قصد أن ذلك الفيديو أو جلسة التصوير هُيئت لها كل الظروف، لتبدو بلا أدنى خطأ ممكن. ما أقوله إنك عندما تقارن فمن الضروري ألا تغفل تلك الظروف الاصطناعية، التي رافقت تلك الطلة، ويكون حكمك بناء على ما رأته عيناك فقط. كرد فعل طبيعي تنتج المقارنة سلوكًا شاع كثيرًا، هو التقليد، لدرجة أصبح كثيرون من حولنا نسخًا متطابقة عن بعضهم. أما خير شخص يمكن أن تقارن نفسك به، لتضخ مزيدًا من الثقة والتحفيز عندك، فهو أنت.. قارن نفسك بما كنت عليه العام المنصرم، لتتأكد أنك تتقدم، وعندها دون أن تشعر ستبلور شخصية فريدة، لا تقلد أحدًا وقد يكون هذا طريقًا لنجاح لم يكن في حسبانك يومًا.
مشاركة :