قرأت قبل فترة معلومة مفادها أن المواطن المصري في القاهرة عليه العمل لمدة 353 ساعة ليتمكن من شراء هاتف (آي فون6) في حين يتطلب شراء هذا الجهاز لمن يعيش في مدينة زيورخ السويسرية 21 ساعة عمل فقط (حسب مركز بصيرة للإحصائيات).. وهذه المفارقة توضح مدى الفارق بين المدينتين، وحقيقة أن غلاء وانخفاض "السلع" يحدده المستوى الاقتصادي للمشترين وليس سعر التصنيع ذاته.. والفرق الشاسع بين القاهرة وزيورخ شجعني على البحث عن سعر هذا الهاتف في مدن عالمية مختلفة فاتضح أنه: يحتاج إلى 627 ساعة عمل لشرائه في كييف (عاصمة أوكرانيا) و468 ساعة عمل لشرائه في جاكرتا ونيروبي (عاصمة كينيا).. كما يحتاج إلى 360 ساعة عمل لشرائه في نيودلهي، و218 ساعة في بكين ومكسيكوسيتي، و158 ساعة في موسكو، و150 ساعة عمل في بانكوك (علما أن ساعات العمل تحتسب على أساس 8 ساعات في اليوم).. وفي المقابل هناك مدن يتمتع فيها المواطن بدخل مرتفع وبالتالي لا يحتاج للعمل ساعات كثيرة لشراء نفس الجهاز.. ففي زيورخ يحتاج المواطن إلى 21 ساعة عمل فقط، وفي جنيف إلى 22 ساعة، ونيويورك 24 ساعة، وميامي ولوس أنجلوس 27 ساعة.. وفي حال علمنا أن الحد الأدنى للأجور في السعودية هو 3000 ريال (للقطاع الخاص) وأن يوم العمل هو ثماني ساعات (حسب وزارة العمل) وأن سعر الآيفون6 (سعة 32 جيجابايت) هو 3199 ريالاً، فهذا يعني أن المواطن الذي يعمل لدينا في وظيفة سكرتي (مثلاً) يحتاج إلى 256 ساعة عمل لشراء هذا الجهاز..!! على أي حال (هذا الجهاز) مجرد نموذج لتقريب الفكرة وإيضاح الفرق بين المداخيل الفردية حول العالم.. إذ ليس هناك مايمنع مثلاً من استعمال كيس الأرز أو قطعة الصابون أو علبة الزيت كبديل لتخمين أحوال الشعوب بنفس الطريقة.. فعلى سبيل المثال من أجل شراء كيلو أرز واحد يضطر سائق الأوتوبيس في بنغلادش للعمل ثلاث ساعات بينما لا يلزم النجار في السويد العمل سوى (20) دقيقة للحصول على نفس الكمية. ويبدو أن سائق الأوتوبيس في الهند ليس أسعد حظاً من أخيه في بنغلادش حيث يضطر للعمل ساعة كاملة كي يتحصل على زجاجة بيبسي بينما يمكن لسائق الأوتوبيس في اسبانيا وإيطاليا شراء تلك الزجاجة نظير العمل لست دقائق فقط. أما الجرسون في النمسا فيستطيع شراء اثنتي عشرة زجاجة بالعمل لساعة واحدة فقط بينما أجر هذه الساعة لا يمكن الجرسون في بوليفيا إلا من شراء زجاجة واحدة !!! .. غير أن هناك في رأيي الشخصي جانباً اقتصادياً خفياً يسقط غالبا من الأرقام والحسابات.. جانب يتعلق بدور العواطف والروابط البشرية في الحصول على السلع بصرف النظر عن ثمنها أو قيمتها بين الناس.. بكلام أكثر بساطة؛ قد يحتاج "السكرتي" إلى 256 ساعة عمل ليشتري الآيفون، ولكن الطفل المدلل يستطيع الحصول عليه من والديه مجانا..
مشاركة :