لطالما ذكر المسؤولون الأميركيون أن القضاء على تهديد إرهابي في أفغانستان دون وجود قوات أميركية على الأرض سيكون صعبا ولكنه ليس مستحيلا. وهذا ما حصل في نهاية الأسبوع الماضي؛ حيث قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في عملية بطائرة دون طيار تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية. وفي الماضي تسببت الضربات الجوية البارزة الأخرى في مقتل مدنيين أبرياء عن غير قصد. لكن الولايات المتحدة اختارت هذه المرة اعتماد نوع من صواريخ هيلفاير “سكاكين النينجا”، وهو سلاح دقيق يصيب الهدف دون التسبب في خسائر بشرية ومادية. ورغم أن المسؤولين الأميركيين لم يؤكدوا علنا نوع هيلفايرالذي تقرر استخدامه، إلا أن الخبراء وغيرهم من أصحاب المعرفة بعمليات مكافحة الإرهاب قالوا إن الخيار المحتمل هو “آر 9 إكس”المعروف بأسماء مستعارة مختلفة، بما في ذلك “قنبلة السكاكين” أو “فلاينغ جينسو”. استخدام هذا الطراز من الصواريخ يشير إلى أن واشنطن أرادت قتل الظواهري دون التسبب في خسائر بشرية ومادية وتعود تسمية “فلاينغ جينسو” إلى إعلان تلفزيوني شهير انتشر في ثمانينات القرن الماضي عن سكاكين المطبخ التي تحمل علامة “جينسو” التجارية التي تسمح بقطع علب الألمنيوم بشكل حاد. وأصبح الصاروخ، الملقب أيضًا بـ”قنبلة النينجا”، السلاح المفضل لاغتيال قادة الجماعات الجهادية، تفادياً لوقوع إصابات بين المدنيين. ويبدو أن هذا ما حدث في كابول مع اغتيال الظواهري. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية إن الظواهري كان على شرفة منزله في كابول عندما استهدف بصاروخين من طراز “هيلفاير”، بعد شروق الشمس في 31 يوليو. وأضاف المسؤول أن أفرادا من عائلة زعيم القاعدة كانوا موجودين في المنزل لكن “لم يتم استهدافهم عمدا ولم يتضرروا”. وتُظهر الصور نوافذ محترقة في طابق واحد، لكن باقي المبنى، بما في ذلك النوافذ في الطوابق الأخرى، بقي على حاله. وقال كلون كيتشن، الزميل البارز في معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة ومحلل استخبارات سابق، إن استخدام هذا الطراز من الصواريخ يشير إلى أن الولايات المتحدة أرادت قتل الظواهري مع الحد من احتمال سقوط ضحايا وإلحاق دمار بالمنشآت ولأسباب سياسية أخرى ذات صلة. ما هو صاروخ هيلفاير؟ Thumbnail صُمم هيلفاير في الأصل كصاروخ مضاد للدبابات في ثمانينات القرن الماضي، واعتمده الجيش ووكالات الاستخبارات على مدى العقدين الماضيين لضرب أهداف في العراق وأفغانستان واليمن وأماكن أخرى. ويمكن تركيب الصواريخ الموجهة بدقة على طائرات هليكوبتر وطائرات دون طيار وتُستخدم على نطاق واسع في القتال في جميع أنحاء العالم. وبيع أكثر من 100 ألف صاروخ هيلفاير للولايات المتحدة ودول أخرى، وفقا لريان بروبست، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن. وذكر بروبست أنه يمكن أن تحدث هذه الصواريخ أضرارا كافية لتدمير معظم الأهداف مثل السيارات والمباني بينما لا تسبب أضرارا كبيرة في مستوى مباني المدينة ولا تسبب إصابات كبيرة في صفوف المدنيين. واستخدم الجيش الأميركي صواريخ هيلفاير لضرب أهداف بارزة، بما في ذلك أحد كبار قادة القاعدة في سوريا العام الماضي، والإمام اليمني الأميركي أنور العولقي المرتبط بالقاعدة في عام 2011. بماذا قتل الظواهري؟ هيلفاير صمم في الأصل كصاروخ مضاد للدبابات، واعتمده الجيش ووكالات الاستخبارات على مدى العقدين الماضيين لضرب أهداف في العراق وأفغانستان هيلفاير صمم في الأصل كصاروخ مضاد للدبابات، واعتمده الجيش ووكالات الاستخبارات على مدى العقدين الماضيين لضرب أهداف في العراق وأفغانستان توفرت للولايات المتحدة خيارات متعددة للهجوم. وكان من الممكن أن تختار هيلفاير التقليدية، أو قنبلة ترميها من طائرة مأهولة، أو هجوما أكثر خطورة بكثير تشنّه القوات البرية كما حدث عندما قتلت القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية الزعيم السابق للقاعدة أسامة بن لادن. لكن وكالة المخابرات المركزية اختارت توجيه ضربة بطائرة دون طيار في هذه الحالة. وبينما لا تؤكد الوكالة عموما مهامها لمكافحة الإرهاب ولا توفّر المعلومات المفصّلة حول ضرباتها، أكد مسؤولون في الحكومة الأميركية إطلاق صاروخين من طراز هيلفاير على شرفة المبنى الذي كان يعيش فيه الظواهري في كابول. وعلى عكس أنواع هيلفاير الأخرى، لا يحمل طراز “آر 9 إكس” حمولة متفجرة بل سلسلة من ست شفرات دوارة تظهر عند اقترابها النهائي من الهدف، على حد قول كيتشن. وذكر أن “إحدى مهامها تتمثل في تجاوز السيارات وغيرها من العوائق للوصول إلى الهدف دون الحاجة إلى استخدام رأس حربي متفجر”. تجنب الخسائر البشرية اقرأ أيضاً: ضربة الظواهري تعزز المخاوف من نمو التشدد في أفغانستان أوضح مسؤولون وخبراء أميركيون هذا الأسبوع أن تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين كان عنصرا حاسما في اختيار السلاح؛ فقبل أقل من سنة ضربت غارة أميركية بطائرة مسيّرة أطلقت صاروخ هيلفاير تقليديا سيارة تويوتا كورولا سيدان بيضاء في أحد أحياء كابول وقتلت 10 مدنيين حول السيارة وبالقرب منها، وكان من بينهم سبعة أطفال. واعتقدت القوات الأميركية في خضم انسحابها العسكري الفوضوي من أفغانستان أن السيارة تحتوي على متفجرات وأن ذلك يشكل تهديدا وشيكا للقوات الموجودة على الأرض. وقال قادة عسكريون إن ذلك كان “خطأ مأساويا”. وقال مسؤول أميركي سابق إن اختيار “آر 9 إكس” هو مثال على جهود الإدارة لإيجاد طرق من شأنها أن تقلل الأضرار الجانبية وتمنع سقوط الضحايا الأبرياء. وأضاف المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أن هذا الصاروخ سلاح دقيق للغاية يضرب في منطقة صغيرة جدا. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية إن الولايات المتحدة تثبتت في هيكل المنزل الذي كان يقيم فيه الظواهري من أجل ضمان إمكانية تنفيذ العملية دون تهديد سلامة المبنى والتقليل من مخاطر قتل المدنيين، بمن فيهم أفراد عائلته الذين كانوا في أماكن أخرى من المنزل. ويعدّ اختيار الصاروخ في النهاية جزءا من تقليل احتمالات قتل المدنيين أو التسبب في أضرار جانبية أخرى. وقال توم كاراكو، الزميل الأول في برنامج الأمن الدولي ومدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، “أود أن أقول إن هذا خيار أقل خطورة إلى حد بعيد. يعكس استخدام هيلفاير درجة عالية من الحذر بدلا من المخاطرة”. وفي خضم الحرب المتصاعدة في أوكرانيا يتساءل مراقبون عما إذا كانت الولايات المتحدة قد زودت كييف بهذا النوع من الصواريخ؟ وهو ما تستبعده مصادر أميركية. وبينما قدمت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية لمساعدة أوكرانيا في محاربة القوات الروسية، فإنها تخشى توفير أسلحة يمكن أن تُطلق في عمق روسيا، بما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع أو جر أميركا إلى الحرب. ونتيجة لذلك لم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن صواريخ هيلفاير أو طائرات دون طيار يمكنها إطلاقها. وبدلا من ذلك، سلّمت الولايات المتحدة ما يسمى بطائرات كاميكازي دون طيار، مثل سويتشبليد وفينيكس غوست (شبح العنقاء) التي تنفجر عندما تصيب هدفا بدلا من إطلاق الصواريخ.
مشاركة :