وسائل إعلام مصرية: لا معلومات إذن لننشر الشائعات

  • 8/4/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أظهر تخبط الإعلام المصري في اليومين الماضيين في نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة حول نتيجة امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) مدى تساهل بعض الصحافيين والمنابر التي يعملون بها في نشر الشائعات لتعويض ندرة المعلومات المقدمة إليها من المؤسسات الحكومية في العديد من القضايا الحيوية. وشن طارق شوقي وزير التربية والتعليم هجوما أخيرا على وسائل الإعلام التي تعمدت نشر معلومات وصفها بـ”المكذوبة” حول تدني نسب نجاح الطلاب في شهادة مصيرية مثل البكالوريا المنتظر الإعلان عن نتيجتها قريبا، ما أثار ارتباكا بين الجمهور المهتم بها. وأصبحت نتيجة الثانوية العامة بالنسبة إلى المصريين محل اهتمام في ظل تعامل الأسر معها على أنها المحطة التي تحدد مصير أبنائهم، فقد يضمن من خلالها الطالب مستقبلا آمنا أو يُدفع به إلى الهاوية عند الحصول على درجات ضعيفة. ◙ الجهات الحكومية تتحمل الجزء الأكبر من فوضى المعلومات المغلوطة التي أصبحت تضرب العديد من وسائل الإعلام وعمدت بعض وسائل الإعلام إلى استباق المعلومات الرسمية ونشر نسب نجاح غير نهائية، على الرغم من مطالبة وزير التعليم بعدم التسرع في تقديم معلومات إلا عبر الجهات المسؤولة، لكن عددا كبيرا من الصحف والمواقع الإلكترونية والبرامج التلفزيونية تسابق في إظهار التفرد بالحقيقة، فقررت وزارة التعليم تكذيب الجميع. واضطر وزير التعليم طارق شوقي إلى نفي الشائعات التي نشرتها وسائل إعلام أربع مرات في أسبوع واحد، ما أفقد هذه الوسائل مصداقيتها أمام الجمهور، ولم تستغل هذا الحدث المهم لاستعادة جزء من مهنيتها المفقودة وتقدم نفسها بصورة صحيحة. وكانت منصات التواصل الاجتماعي صاحبة النصيب الأكبر في نشر الشائعات حول العديد من القضايا والملفات والموضوعات التي يتعامل معها الجمهور كأولوية قصوى، وتحولت وسائل الإعلام التقليدية إلى منابر مهمتها نفي الشائعات التي تتداولها منصات متعددة والمطالبة بمحاسبة المتورطين في إطلاقها. ورصدت “العرب” حالة غضب واضحة بين أولياء الأمور جراء ما سببته بعض وسائل الإعلام من ارتباك وبلبلة بعد تضارب المعلومات، وهناك من طالب بمقاطعة ما تنشره الصحف والمواقع حول شهادة البكالوريا، طالما أن النشر يتم على لسان مصادر مجهولة وفي كل مرة تسارع جهة رسمية ما إلى تكذيبها. جلال نصار: هناك أزمة لدى بعض الجهات الحكومية بتعاملها مع كل معلومة على أنها تحمل قدرا من الخطورة وأغرب واقعة حدثت الأيام الماضية عندما نشرت صحيفة يومية رسمية نسب النجاح في بعض المواد الدراسية، ووصفت ذلك بأنه انفراد خاص بها، ثم كانت المفاجأة التي أعلنت عنها وزارة التعليم أن هذه المواد تحديدا لم يتم تصحيحها أصلا حتى يعرف أحد نسبة النجاح والرسوب فيها، ومرّ الموقف ولم تعتذر الصحيفة أو تبرر تصرفها. وما يلفت الانتباه أن بعض الصحف القومية التي يفترض فيها المصداقية والمهنية وتحري الدقة ونشر الحقيقة بطريقة رصينة سقطت في مجاراة الشائعات المرتبطة بنتيجة البكالوريا، وتسابقت مع المنابر الخاصة والمستقلة الحديثة في كسب أكبر عدد ممكن من المتابعين والشغوفين بمعرفة كل جديد عن هذا الحدث الشعبي. وقال صحافي متخصص في ملف التعليم بأحد المواقع الإخبارية، رفض الكشف عن هويته، إن مسؤولي التحرير في الموقع أبلغوه بضرورة الحصول على أي معلومة عن شهادة البكالوريا يوميا وإلا تعرض لعقوبة مالية، حيث تتسابق وسائل الإعلام في استغلال الحدث لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور المتشوق لمعرفة النتيجة. وأضاف لـ”العرب” أنه اضطر إلى التعاون مع بعض زملائه في مواقع وصحف أخرى لنشر معلومات غير موثقة بشكل يومي، المهم أن تنشرها أكثر من وسيلة إعلامية، فإذا تعرض للتكذيب لا يكون وحده الذي تجرأ على النشر من دون ثقة في مصدر المعلومة، وباتت هذه النوعية من المنابر تساند بعضها البعض عند التكذيب. وعكس حديث الصحافي أن درجة المهنية أصبحت في بعض وسائل الإعلام آخر ما يبحث عنه المسؤولون، وأصبح جذب الجمهور بكثافة هدفا في حد ذاته لتعويض عزوف المتابعين عقب تضييق الخناق على الإعلام بخصوص عدم نشر الأخبار المثيرة والشاذة في الفترة الماضية، ووقف خدمة البث المباشر في جميع المواقع الإلكترونية بعد حالة من الفوضى والانفلات تعاملت بها وسائل الإعلام مع هذه التقنية. ويرى خبراء إعلام أن الجهات الحكومية تتحمل الجزء الأكبر من فوضى المعلومات المغلوطة التي أصبحت تضرب العديد من وسائل الإعلام، وهذا لا يعني أن تتجرأ الصحف والمواقع على نشر أخبار كاذبة وبلا تحقق، والتركيز على محركات البحث على شبكة الإنترنت واستغلال الأحداث الهامة لخداع الجمهور بمعلومات مزيفة. وأكد مصدر قيادي بوزارة التربية والتعليم في مصر لـ”العرب” أن هناك معلومات رسمية لا يصح نشرها إلا في توقيتات محددة حتى لا تتسبب في إثارة غضب الناس، لكن المعضلة في عدم تفهم وسائل الإعلام لطبيعة العمل داخل الجهاز الحكومي وقت الأحداث المهمة التي تشغل الشارع، حيث توجد حسابات دقيقة يتم العمل بها، وقد تتسبب المصارحة في حدوث مشكلات كبيرة ذات معان سياسية. ◙ بعض وسائل الإعلام عمدت إلى استباق المعلومات الرسمية ونشر نسب نجاح غير نهائية على الرغم من مطالبة وزير التعليم بعدم التسرع وذكر أن الكثير من وسائل الإعلام صارت عقبة أمام الحكومة لإنجاز بعض الملفات الخدمية بما يرضي الجمهور، مدللا على ذلك بأن نتيجة البكالوريا محاطة بالسرية لأنها تتضمن نسبة رسوب بحاجة إلى خفضها، وإذا تم الإعلان عن ذلك صراحة قد تحدث صدمة، ما يجعل التعتيم الحكومي أحيانا مطلوبا لتجنب غضب الشارع. ويعتقد متابعو الأخبار غير الدقيقة في الإعلام المصري أنها ترتبط بملفات بعيدة عن السياسة والاقتصاد، لأن هذين الملفين لا تجرؤ أي صحيفة أو موقع إلكتروني أو برنامج تلفزيوني على التعامل معهما بعشوائية خشية التعرض للمساءلة، ما يعكس استسهالا في نشر معلومات خاطئة حول قضايا لا علاقة لها بالسياسة أو الاقتصاد. وشدد جلال نصار الخبير الإعلامي على أن ما يحدث من تكرار لنشر الشائعات حول بعض القضايا الجماهيرية يعكس تراجعا في مستوى المصداقية الإعلامية بشكل غير مسبوق، لأن دور الإعلام أكبر من مجاراة منصات تتهافت على أي معلومة، والمفترض أن يستغل الحدث الشعبي ليستعيد الإعلام دوره ويقدم نفسه كصدى للحقيقة. وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن هناك أزمة لدى بعض الجهات الحكومية بتعاملها مع كل معلومة على أنها تحمل قدرا من الخطورة، وهو ما يفسر حالة الارتباك وغياب الحنكة وعدم الاعتراف بقيمة المعلومات الرسمية وقت الأحداث الجماهيرية، ولا يبرر ذلك لبعض المنابر نشر أخبار مغلوطة بشكل يجعلها محاطة بالتكذيب طوال الوقت.

مشاركة :