بقلم/ عبد العزيز بن محمد أبو عباة في كل عام تمر علينا ذكرى الهجرة النبوية تعبقنا بعبيرها الزاكي الذي يحيى قلوبنا وينعش أرواحنا، ويقوي عزائمنا ويزيد يقيننا أن هذا الدين منصور بإذن الله ومحاط بعناية الله وقوي بعزة الله. هذا الدين الذي نحياه ونتنفسه وصل إلينا بعد أن بذل فيه من التضحيات والجهاد والاحتساب وتقديم كل ما هو غال ونفيس لتثبيت دعائمه جيل رباه القائد الفذ سيد ولد آدم ولا فخر على نهج إيماني راسخ القواعد قوامه تجريد التوحيد لرب العبيد والثقة في وعده ووعيده وإخلاص العمل له وطاعته وطاعة رسوله والإيمان الراسخ بأن رسالة الإسلام هي الخاتمة وأنها صالحة لكل زمان ومكان (قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) أن في ذكرى الهجرة النبوية إضاءات في ظلماتنا الحالكة ففي الوقت الذي ضيق على المسلمين، واشتد أذى قريش لهم وامتد الأمر إلى التدبير والمؤمرات للخلاص من المسلمين بعد أن شكل الإسلام خطرًا على قريش ومصالحها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية، وبينما كانت تدار الاجتماعات السرية بضرورة الخلاص من صاحب الرسالة حتى لا تقوم لها قائمة بعد أن باءت كل محاولاتها بالفشل من ضغط وتعذيب ومقاطعة وغيرها من الأساليب القمعية لمن تبعه من المؤمنين. قال تعالى:(وإذ يمكربك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال حينها صدر الأمر الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة حفظا لدينه وتمهيدا لنشر ه على العالم أجمع فذهب لصاحبه وأخبره الخبر فيا لروعة الصاحب الذي بادر وطلب ان يكون بصحبته في رحلة بالغة الخطورة ويوقن تماما ان قريشا ستلاحقهما لكنه أراد أن يفدي صاحبه بنفسه ويموت دونه وعندما وافقه النبي صلى الله عليه وسلم على الصحبة بكى فرحا. وليس ذلك بأعجب من على الذي بات في فراشه ينتظر ضربة بالسيف وهو نائم كل ذلك حبا وفداء لهذا الدين وعندما تهيأ للهجرة ومعه صاحبه رغم حبه لمكة وحزنه لمفارقتها إلا أن فداء الدين واستجابته لأمر الله كان أحب وبالرَّغم من كلِّ الأسباب الَّتي اتخذها فإنَّه لم يركن إليها مطلقاً؛ وإنَّما كان كاملَ الثِّقة في الله، عظيم الرَّجاء في نصره، وتأييده، دائم الدُّعاء بالصِّيغة الَّتي علَّمه الله إيَّاها. قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 80].وفي هذه الآية الكريمة، «دعاء يعلِّمه الله لنبيِّه ليدعوه به، ولتتعلَّم أمَّته كيف تدعو الله، وكيف تتَّجه إليه؟ دعاء بصدق المُدْخَل، وصدق المُخْرَج، كنايةً عن صدق الرِّحلة كلِّها؛ بدئها، وختامها، أوَّلها، وآخرها، وما بين الأوَّل والآخر، وللصِّدق هنا قيمته بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه؛ ليفتري على الله غيره، وللصدق كذلك ظلاله: ظلال الثَّبات، والاطمئنان والإخلاص. ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيرًا﴾، وهيبةً أستعلي بهما على سلطان الأرض، وقوَّة المشركين، وكلمة تصوِّر ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾، والاتِّصال بالله، والاستمداد من عونه مباشرةً، واللُّجوء إلى حماه. وصاحب الدَّعوة لا يمكن أن يستمدَّ القوة إلا من الله، ولا يمكن أن يُهاب إلا بسلطان من الله، ولا يمكن أن يستظلَّ بحاكمٍ، أو ذي جاهٍ، فينصره، ويمنعه ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلى الله، والدَّعوة قد تغزو قلوب ذوي السُّلطان، والجاه، فيصبحون لها جنداً، وخدماً، فيفلحون، وعندما أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأيَ العين؛ طمأن الرَّسول صلى الله عليه وسلم الصِّدِّيق بمعيَّة الله لهما، فعن أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قال: قلت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه؛ لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم : «ما ظنُّك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثُهما؟» [البخاري (3653) ومسلم (2381)]. وفي روايةٍ، فما اروعها من اضاءات بها نبصر الطريق ونقتفي الأثر.
مشاركة :