داعش خراسان يراكم قوته ويتحدى حكم طالبان في أفغانستان

  • 8/5/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حذّرت معلومات رشحت من قلب أفغانستان وخارجها من مخاطر تضخم قوة فرع داعش في أفغانستان المعروف بـ”داعش خراسان” ومن الصعود المتنامي لهذه القوة، باعتبار ذلك من أكبر التحديات التي تواجهها حركة طالبان المتحكمة في مقاليد الأمور في أفغانستان. بعد أن دأبت حركة طالبان، منذ سيطرتها على الحكم في أفغانستان، على التهوين من خطر داعش وتقديم نفسها للمجتمع الدولي على أنها الجهة القادرة على تقويض التنظيم والحد من قدراته اعترف قادتها مؤخرًا بأن داعش خراسان يثير الفتنة وينشر الفساد في بلد إسلامي. وفي مؤتمر استمر ثلاثة أيام للزعماء الدينيين، حضره زعيم طالبان هبة الله أخوندزاده في كابول، أعلنت الحركة أن أفغانستان تتبع نظام حكم إسلاميا مسؤولا عن الأمن والعدالة بالبلاد، متهمة المعارضة المسلحة لهذا النظام الحاكم بالشريعة، ممثلة في داعش، بالتمرد والفساد وإثارة الفتنة. في هذا التوقيت حذر تقرير فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع لمجلس الأمن الدولي من تنامي نفوذ داعش فرع خراسان، منوهًا إلى ما يمتلكه التنظيم من قدرات مالية وتحكمه في مبالغ هائلة من النقد تتراوح بين 25 و50 مليون دولار، بما في ذلك احتياطيات بالعملات الرقمية. وكشف التقرير الدولي نصف السنوي المختص بتطور قدرات داعش والقاعدة، والذي تناول الفترة من يناير إلى يونيو 2022، عن أن هجمات داعش تهدف إلى تقويض مصداقية قوات أمن طالبان وإظهار عجزها عن السيطرة على الحدود واجتذاب مجندين جدد من المنطقة. وخلص التقرير الدولي إلى أن داعش لديه قدرة ميدانية وعسكرية وبشرية على تكريس سيطرته على أراض واسعة في شرق أفغانستان، وإذا حدث ذلك سيصبح من الصعب على طالبان مواجهته والحد من خطورته، ما يشكل في النهاية “تهديدًا للعالم كله انطلاقًا من أفغانستان”. الخدعة القاتلة يبدو أن السحر ينقلب على الساحر في أفغانستان، حيث خطط قادة طالبان لتوظيف ورقة داعش والاستثمار فيها من خلال ترك هامش لحضوره في البلاد وعدم جعل مواجهته أولوية وتصديره كفزاعة للغرب، وإظهار أنفسهم أكثر اعتدالًا وقبولًا على المستوى الدولي دون إجراء الإصلاحات المطلوبة في ملفات حيوية. عمليات داعش لم تقتصر على الأهداف التقليدية التي اعتاد ضربها، حيث شملت مؤخرا تنفيذ هجمات ضد المرافق العامة والبنية التحتية للدولة بغرض الإمعان في إفشال حكم طالبان وقال نائب زعيم طالبان والقائم بأعمال وزير الداخلية سراج الدين حقاني خلال كلمته في اجتماع أخير للحكومة “إن العالم يطالب بحكومة شاملة وتعليم شامل، وإن هذه القضايا تحتاج إلى وقت”. واستخدمت طالبان فرع داعش في أفغانستان عقب هيمنتها على السلطة كأداة لجلب المساعدات المالية والأمنية من دول الغرب والضغط على قوى غربية مختلفة، في مقدمتها الولايات المتحدة، للاعتراف بسلطتها بوصفها قوة قادرة على مواجهة حركة الجهاد العابر للحدود. وأرادت طالبان تعزيز قبضتها على السلطة والضغط على الغرب للدخول في تحالف معه من خلال اللعب بورقة داعش لتعفي نفسها من تقديم تنازلات متعلقة بتشكيل حكومة شاملة وإجراء إصلاحات في مجال التعليم ومراعاة حقوق المرأة، لكنها لم تفلح في نيل ثقة كاملة من المجتمع الدولي. ونجحت الحركة، التي تمسكت بسياساتها القديمة حيال المرأة وسلوكها في السلطة، في منع تقوية نفوذ داعش. لكنها تهاونت في مواجهته وتركت خطره يستفحل، وبات أحد الشواهد على ضعف نظام طالبان، وأثبتت هجماته المتتالية والنوعية عكس ما روجه نظام الحركة في بدايات حكمها. وأكدت الأحداث على الأرض وحجم العمليات التي نفذها داعش خراسان في أفغانستان منذ هيمنة طالبان على السلطة في أغسطس 2021 فشلها في الحد من خطر داعش وفرض النظام وتحقيق الاستقرار في البلاد، وتمكن داعش من مضاعفة نفوذه وتطوير قدراته الميدانية. ولم تقتصر عمليات داعش على الأهداف التقليدية التي اعتاد ضربها، مثل أسواق طائفة الشيعة الهزارة وممتلكاتهم ومساجدهم، حيث شملت مؤخرًا تنفيذ هجمات ضد المرافق العامة والبنية التحتية للدولة بغرض الإمعان في إعاقة وإفشال حكم طالبان. ونفذ داعش خراسان هجمات نوعية بداية من سبتمبر العام الماضي حتى أبريل المنقضي واستهدفت أبراج الكهرباء في جلال أباد وكابول ما تسبب في حرمان الملايين من الكهرباء في كابول وفي 11 مقاطعة أفغانية. وتشكل هذه التطورات تهديدًا وجوديًا لطالبان وتظهرها فاقدة القدرة على الوفاء بوعودها عندما حاولت كسب الشرعية من منطلق قدرتها على السيطرة على الأوضاع الأمنية وعدم السماح لأي حركة مسلحة باستخدام البلاد كساحة لنشاط تيار الجهاد المعولم العابر للحدود. ويتيح عجز طالبان حيال القوة المتنامية لداعش فرصة أمام التنظيم لتوسيع تمدده ومواصلة تنفيذ مخطط اختراق طالبان وتجنيد عناصر من داخلها. ويعتمد فرع داعش خراسان على التوسع بين الفئات الأكثر فقرًا واحتياجًا للمساعدة الغذائية والحماية الأمنية، والتمدد بين العرقيات غير البشتونية الرافضة لسياسات طالبان. السيء والأسوأ ◙ تقرير فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع لمجلس الأمن الدولي يحذر من تنامي نفوذ داعش فرع خراسان ◙ تقرير فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع لمجلس الأمن الدولي يحذر من تنامي نفوذ داعش فرع خراسان تعد سيناريوهات الأحداث في أفغانستان، منذ تمكين الولايات المتحدة لحكومة موالية لها في السلطة بأفغانستان وصولًا إلى لعب طالبان بورقة البديل المعتدل، ترجمة لإخفاقات سياسة تفضيل السيء على الأسوأ. وقد سكتت واشنطن طوال عقدين عن انتهاكات الحكومات الموالية لها لحقوق الإنسان وعن الفساد المالي والإداري لحلفائها الأفغان تفضيلًا لهم عما اعتبرته الأسوأ منهم وهو حركة طالبان المدعومة من المخابرات الباكستانية في ذلك الوقت. وأسهمت هذه السياسة مع إستراتيجية العسكرة المفرطة على مدى زمني طويل في استعادة طالبان لحضورها وقوتها الميدانية والعسكرية، وازداد عدد مقاتلي الحركة من ألفي مقاتل عام 2005 إلى 36 ألف مقاتل، وصولًا إلى استعادة الحركة السلطة، ما عُد هزيمة مُذلة للولايات المتحدة وحلفائها. وتستمر الآن سياسة تفضيل السيء على الأسوأ عبر تبني قناعة وهمية مفادها أن طالبان أكثر اعتدالًا من داعش والقبول بحكمها أهون الشرين. طالبان تختلف عن داعش في استخدامها لغة مراوغة ومفردات خطاب مليء بعبارات توفير الأمن والاستقرار والسلام، وهي تباشر غزوها وتدميرها للمدن وتؤكد ممارسات طالبان على الأرض زيف هذا التصور، بداية من استبعادها توزير النساء وإشرافهن على الحكومة وفصلهن من وظائفهن وحرمانهن من التعليم، وصولًا إلى طبيعة تعامل الحركة مع مختلف الأقليات العرقية. ولم تشكل طالبان حكومة شاملة حيث يوجد عشرة في المئة فقط من الأعراق الأخرى من غير البشتون، العرق الذي يهيمن على طالبان، داخل الحكومة. ولم تُخفِ الحركة رفضها لتنوع الهويات العرقية والدينية ولحقوقها في التمثيل السياسي العادل أثناء محادثات السلام وأعلنت نيتها إلغاء الحقوق التي اكتسبتها الأقليات في عهد الحكومة المدعومة من واشنطن. وتختلف طالبان عن داعش في استخدامها لغة مراوغة ومفردات خطاب مليء بعبارات توفير الأمن والاستقرار والسلام، وهي تباشر غزوها وتدميرها للمدن وتنفذ خطة عودتها إلى السلطة بالقوة المسلحة. وإذا كان فرع داعش في أفغانستان هو الذي تولى السلطة بدلًا من طالبان فأي اختلاف كان سيظهره في أسلوب الحكم وعدم الفصل بين السلطات أو في مسائل حقوق المرأة ودور الأقليات العرقية والمشاركة الشعبية؟ مراوغة وفشل تثبت تقارير الأمم المتحدة أن معسكرات التدريب التي يديرها تنظيم القاعدة وشبكة حقاني قيد التشغيل من أبرز العوامل التي تشكك في إدعاءات طالبان بشأن عدم وجود مقاتلين أجانب في أفغانستان. ويعتنق داعش منهج الجهاد العابر للحدود في حين تتواجد عناصر تنظيم القاعدة المركزي (قاعدة أيمن الظواهري) في أفغانستان، وهم يعتنقون نفس النهج الذي يسير عليه داعش، وهناك علاقات وثيقة تربط بين جناح سراج الدين حقاني نائب زعيم طالبان ووزير داخليتها وقادة القاعدة. داعش يعتنق منهج الجهاد العابر للحدود في حين تتواجد عناصر تنظيم القاعدة المركزي في أفغانستان وتنظر أجنحة نافذة داخل طالبان إلى تنظيم القاعدة بصفته تنظيمًا غير وافد، بل هو جزء من الأمة الإسلامية، يعزز نفوذها وقدرتها على مواجهة خصومها، ولذا ترتبط الحركة بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة وجميع الكيانات المشتقة منه، مثل شبكة حقاني والحزب الإسلامي التركستاني. ويشير هذا التوصيف إلى عدم تماسك التصور الذي تروجه طالبان خارجيًا عبر الزعم بأنها تكافح تيار الجهاد المعولم ممثلًا في داعش ولاية خراسان. وتعكس قدرة داعش على تجنيد عناصر سبق أن قاتلوا في صفوف طالبان أو جماعات موالية لها الرواج القوي لمبادئ الجهاد العابر للحدود وأن الاختلاف يكمن في التكتيكات والقدرة على توظيف الخطاب المراوغ. وقد راوغت طالبان في سبيل التنصل من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على صعيد نظام الحكم وحقوق الأقليات والمرأة، مستغلة رغبة مختلف القوى الدولية -فضلًا عن جيرانها- في تقويض نفوذ داعش. وبرهنت التطورات أن الحركة عاجزة عن تحقيق الشرط الأساسي الذي وضعته القوى الدولية والإقليمية للاعتراف بحكومتها، ومن ثم تلقي الدعم والمساعدات العسكرية والمالية على غرار ما تلقته الحكومة الأفغانية التي تمت الإطاحة بها، وهو التغلب على فرع داعش. ويستثمر تنظيم داعش إخفاقات طالبان الأمنية وعجزها عن التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة لتشويه سمعتها في الداخل وإحباط مساعيها لنيل الشرعية الدولية التي ناورت وراوغت طويلًا لنيلها.

مشاركة :