أول معرفتي بالدكتور أحمد العيسى كانت معرفية. فقد قرأت له قبل أن ألقاه، كتابه الذي صدر عن دار الساقي في 2009، الذي يحمل عنوان (إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية) وقد أعجبني الكتاب وقتها لسببين، القدرة على الكتابة المنطقية التراتبية التي تنقلك من فكرة لأخرى في سلاسة حتى تصل إلى الخاتمة، والثاني هو وضوح الرؤية لدى الدكتور العيسى ومعرفته الكاملة بتاريخ وزارة التعليم ونقاط الخلاف وأسبابها. في نفس الفترة التي خرج فيها الكتاب، كنت أقدم برنامجاً على قناة إم بي سي يحمل اسم (ورقة بيضاء)، فحرصت كل الحرص على استضافة الدكتور العيسى أيامها، وتمت تلك الحلقة التي نقلت بعض أفكار العيسى لجماهير أكبر. قضية د. العيسى الرئيسة هي: لماذا فشل نظام التعليم في المملكة؟ ولماذا بعد سبعين سنة لم نخرّج الإدرايين والمتخصصين في المال والأعمال والعمارة والفيزيائيين والكيميائيين والأطباء، الذين يقفزون بوطنهم لمصافّ النجوم في العلوم والرقي الحضاري والثقافي؟ ولماذا ليس هناك علاقة أو تنسيق بين مخرجات التعليم وحاجة السوق، بحيث ما زلنا نخرّج كما هائلا من طلاب الكليات النظرية ممن أصبحوا يتخرجون ولا يجدون وظائف، بسبب حالة التشبع من تخصصاتهم وبحيث أصبحوا عالة على الدولة؟ ولماذا لم تتطور بلادنا كما تطورت بلاد أخرى أسست بعد تأسيس دولتنا مثل سنغافورة التي وصلت لقمة النجاح والاستقلال والرفاه والأمن الاقتصادي، برغم أنها لا تملك النفط؟ الجواب هو أن سنغافورة أنفقت كل ما تملك، لا على السلاح، بل على التعليم، فنجحت هذا النجاح المنقطع النظير في زمن قصير. بعد تعيين د. العيسى عدت لكتابه وقرأته مرة أخرى، فلم أجد ما يتهمه به خصومه ممن يتهمونه بالليبرالية والعلمانية. وهذا ما لمسته من شخصيته عندما التقيت به في برنامج (ورقة بيضاء)، بل هو رجل وطني محافظ وليس طرفاً في النزاع الصحوي / اللبرالي، وإن كان اللبراليون، وفي أكثر من مناسبة، قد حاولوا أن ينسبوه إلى التيار الليبرالي، وهذا غير صحيح جملة وتفصيلاً. كما أنني رأيت له في هذه الأيام تصريحاً للصحف يوضح فيه أنه لم يكن ولا يمكن أن يكون في يوم من الأيام، ضد تحفيظ القرآن. ما وجدته في هذا الكتاب، هو هموم رجل وطني يتحرّق شوقاً لرؤية وطنه في أحسن الأحوال، وهناك مسحة حزن شديدة لخسارة العقود الطويلة دون أن يتطور التعليم السعودي قيد أنملة، وبحيث أصبح الجميع يقرّون بهذا التأخر. هذه شهادة لا أريد عليها جزاء ولا شكوراً، لكن معالي الوزير د. أحمد العيسى هو رجل المرحلة بلا شك، وواجبنا جميعاً، خصوصاً نحن في وزارة التعليم، أن نقف معه ونسانده، ومن ذلك أن نتناقش معه حول النقاط المختلف حولها، فهو الآن في اختبار صعب، امتحان الانتقال من النظرية إلى التطبيق، وهو أصعب ما يمكن أن يواجه كل قائد وكل مفكر.
مشاركة :