يرفع «حزب الله» من سقف تهديداته لإسرائيل بشكل شبه يومي، على خلفية ملف ترسيم الحدود البحرية، رغم إشاعة المسؤولين اللبنانية لأجواء تفاؤل، لا تلتقي مع التسريبات من إسرائيل التي تتحدث عن أن «الاتفاق بعيد»، وأن تل أبيب «لم تبلور حتى الآن مقترحاً نهائياً بخصوص الحدود وتقاسم الأرباح»، بموازاة رفعها ورقة «الضمانات الأمنية» والمطالبة بالتجاوب مع هذه الاحتياجات «للانطلاق إلى الأمام». وتفاعلت قضية التلويح باستخدام الحزب لسلاحه داخلياً على المستويات السياسية المحلية، حيث توقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمس الجمعة عند تصريح قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي وقال فيه إن «العدو أمام طريق مسدود لشن أي عمل عسكري ضد إيران، لأن لدى «حزب الله» أكثر من مائة ألف صاروخ جاهزة لفتح باب جهنّم على إسرائيل». وقال جعجع: «هكذا من دون تحاليل ولا استنتاجات يتبيّن واضحا وجليا دور صواريخ «حزب الله» في لبنان. إن صواريخ الحزب مربوطة مباشرة بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية، وقد أدى ذلك إلى تبعات هائلة جدا على الشعب اللبناني كما نعيشه ونراه ونلمسه كل يوم». وفي مقابل أجواء التفاؤل التي أشاعها الرؤساء الثلاثة بقرب التوصل إلى اتفاق كامل على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، خرج أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في خطاب تصعيدي بدّد فيه إيجابيات اجتماع بعبدا، وأعاد التأكيد على أن ورقة التفاوض بيده وليست بيد الدولة اللبنانية، من خلال تحديد سقف زمني قصير جداً للتفاوض بين الجانبين سقفه منتصف شهر أغسطس (آب) الحالي. ورغم تشديده على أن «موقف الدولة والمقاومة واحد»، قال نصر الله في كلمة عاشورائية ألقاها ليل الثلاثاء، إن «الوقت ضيّق وننتظر الردّ خلال أيام، وإسرائيل تقرر اليوم حلّ أو حرب». ويبدو أن القيادات السياسية اللبنانية متمسّكة بالإيجابيات التي تحققت في الأيام الماضية، إذ أبقت مصادر مطلعة على أجواء قصر بعبدا، على التفاؤل الذي رافق اجتماع الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي مع الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين يوم الاثنين الماضي، وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عون «مرتاح للمناخ الذي ساد اللقاء، وأن الوسيط الأميركي سارع إلى نقل الموقف الرسمي اللبناني إلى الجانب الإسرائيلي في اليوم نفسه، ولبنان ينتظر الردّ الذي سيحمله هوكشتاين في الأيام المقبلة». وشددت على أن لبنان «لن يتنازل عن حقه في حقل قانا كاملاً، ويرفض أي شراكة مع العدو في البلوكات اللبنانية (في إشارة إلى أن الجانب الإسرائيلي يريد جزءاً من البلوك رقم 8 لتمرير أنابيب الغاز من حقل كاريش إلى أوروبا». وتعالت أصوات خصوم «حزب الله» الرافضة لجرّ لبنان إلى المعادلة التي يرسمها نصر الله، ورأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب غياث يزبك، أن هذا الكلام «يضع لبنان أمام خيارين أحلاهما مرّ، الأول يقودنا إلى حربٍ لا يريدها اللبنانيون، ولا يتحمّل البلد نتائجها، والثاني يعمّق الأزمة الداخلية ويكرّس انفصال لبنان عن الأسرة العربية والمجتمع الدولي». واعتبر يزبك في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن كلام نصر الله «يؤكد المؤكد، بأن إيران حوّلت لبنان إلى ساحة ومنصّة لاستعماله كورقة ضغط في وجه الغرب». وقال: «واضح أن حزب الله يضغط بإيعاز من الإيراني للاستفادة من عملية التفاوض مع الوسيط الأميركي لأخذ الأمور إلى سلّم أوسع، يشمل المفاوضات الإيرانية من الأميركيين والأوروبيين، ويخفف عنها تبعات ما يحصل في العراق من انتفاضة سيادية بمواجهة طهران». وتتخوّف القوى المناهضة لـ«حزب الله» من رسائل نصر الله التي بدأت بالتصعيد الكلامي واستتبعت بإرسال المسيرات فوق حقل «كاريش»، ولم تنته بالفيديو المصوّر الذي وزّعه «الإعلام الحربي» للحزب، ويظهر فيه أن باخرة التنقيب ومنصّة استخراج الغاز الإسرائيلي تقع تحت مرمى صواريخه، ما يطرح أسئلة عن دور الدولة اللبنانية حيال هذه الرسائل. واستغرب النائب غياث يزيك كيف أن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يقود عملية التفاوض «يلتزم الصمت المطبق». وقال «مواقف نصر الله وتهديداته وتفرّده بقرارات بهذه الخطورة تمثّل اجتياحاً للسيادة اللبنانية، وتكشف مدى التوتر لدى إيران وأدواتها في المنطقة المحاصرة مصالحها في الشرق الأوسط».
مشاركة :