المجموعات اليسارية المتطرفة ومنطقتنا العربية

  • 8/6/2022
  • 20:33
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في الأوساط السياسية هناك تعبير اليمين واليسار، يدل اليمين على الاتجاه المحافظ بينما يتميز اليسار بالانحياز نحو التغيير، ويشمل هذا التغيير محاولة تغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي معظم الأحيان، يصطدم هذا السعي نحو التغيير بالقيم الاجتماعية والدينية الموجودة في مجتمع ما.إنه من الضروري دراسة ظاهرة اليسار السياسي لأن هذا له مدلولات هامة بالنسبة لمحاولات التغير التي يحاول البعض إقحامها قسرا على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فلن تكون هناك أي فائدة لدى مجتمعاتنا العربية والإسلامية من أي دعوة يطرحها اليسار، بل على العكس، سيكون هناك ضرر جسيم على هويتنا العربية والإسلامية لو طبقنا ما يدعو له اليسار. يتطلب هذا تقديم مبادئ وتعاريف هامة حول عدد من المفاهيم والاتجاهات السياسية.ارتبطت نشأة وقيام اليسار تاريخيا بظهور الشيوعية والمذاهب الاشتراكية والتي كانت تدعو للمساواة الاقتصادية لكن تركيزها كان على ظاهرة الطبقة السياسية والاجتماعية، وهنا حدث اختلاف كبير ما بين المذاهب الاشتراكية وبعضها البعض، أصرت الحركة الشيوعية على إلغاء الطبقات وعلى إعلان مجتمع غير طبقي تختفي فيه حتى كيان الدولة ويتم الاصدار السياسي لدولة سيادة (دكتاتورية) الطبقة العاملة، كان من المستحيل تطبيق تلك الأفكار عمليا وسياسيا وكان أحد تلك المستحيلات هو أن معظم دول العالم لم تكن قد بلغت حقبة التصنيع في اقتصادياتها، دعا هذا إلى وصف اليسار الشيوعي بعدم الواقعية وبعدم قدرته على ترجمة أقواله ودعاويه إلى أفعال.نتج عن هذا انشقاق سياسي وعقائدي مهد لقيام الحركات الاشتراكية التي دعت إلى تذويب وإلغاء الفوارق بين الطبقات، لكن لم يكن هذا المنهج سهل التحقيق لأن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت باهظة، وعند قيام الأنظمة الاشتراكية تم نزع الملكية الخاصة للعديد من الأفراد والعائلات والجماعات، وأسفر عن ظاهرة هروب الأموال من داخل دولة ما إلى الخارج، لكن في المقام الأول كان هناك نتيجة فشل الاشتراكية؛ فلم تحقق الاشتراكية أهدافها ولم يكن منوال الشعوب التي طبقت الاشتراكية أي تطور نحو تحقيق العدالة أو إنجاز المساواة، وفي الغالبية العظمى من الأحيان كان تطبيق الاشتراكية عنيفا ودموي وقسرا، لذا اكتسبت الاشتراكية سمعة سيئة بإنها تفسد المجتمعات أكثر من أن تنجح في إصلاحها.منطقيا، برهن فشل الاشتراكية على إخفاق وفشل اليسار، لكن اليسار حاول تجديد نفسه عن طريق طرح أفكار وآراء جديدة وأيضا خوض معارك ليست فقط في مجال السياسة بل في القضايا الاجتماعية والفكرية، وساعد اليسار في هذا إضفاء اليسار لنفسه صفة الدولية، ويعني هذا أن اليسار يقول أن دعواته السياسية لا تقتصر على دولة واحدة أو منطقة معينة بل هي ممتدة لتشمل كل أنحاء العالم؛ لذا فاليسار يقيم شرعيته على عالمية دعوته.لم يكن هذا أمرا سهلا لأنه أدى إلى نقاش نظري حول ماهية اليسار، تميز عادة بحالات التكفير الفكري إلا أنه برز في هذا الجدل شخصية المفكر الشيوعي الألماني هيربرت ماركوزا وهو من أصل يهودي، شملت رؤيته لليسار هو أن الحركة الطلابية هي الباعث الجديد للنشاط السياسي لفكرة الثورة في المجتمع مرة أخرى، فشلت تلك النظرة لأن الطلاب في الجامعات والمعاهد غير قادرون على تملك نظام الحكم في أية دولة، وبالتالي هم أبعد من أن يكونوا في موقع يمكنهم من تطبيق البرامج الثورية.لجأ اليسار بعد ذلك في استخدام تعبير مساندة ثورات وحركات التحرر في الدول النامية والتي تعرف عادة باسم دول العالم الثالث، لم يكن اليسار موفور الحظ هذه المرة لعدة أسباب، لم يكن هناك إلا عدد من الدول التي تحولت إلى الشيوعية، وحتى تلك الدول التي جربت الماركسية مثل كوبا لم تحقق نجاحا كبيرا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بل سبب الاقتصاد الاشتراكي في دول مثل تنزانيا كارثة معيشية واقتصادية، أما انتهاكات حقوق الإنسان فكانت واسعة النطاق؛ فمثلا لم يوجد زعيم يساري أو اشتراكي وصل إلى سدة الحكم في بلاده إلا ولم يلق في متاهات السجون بخصومه ومعارضيه، بل شمل هذا التعسف الزج في المعتقلات بعشرات الآلاف من الأبرياء والذين ما كانوا عادة يتعرضون لأبشع صور التعذيب.دفعت هذه السياسية الامريكية جين كيرك باتريك الى كتابة مقالها الشهير «ازدواجية المعايير عند الدكتاتوريات» وما كانت تقصده هذه الكاتبة البارعة هو أن اليسار يهاجم فقط أي نظام حكم وينعته بالاستبداد لو كان نظام محافظ ينتمي إلى اليمين السياسي، أما إذا تم انتهاك حقوق الانسان من قبل اليساريون فإن أفواه المنتقدين صامتة.وقد شهدت منطقتنا العربية أمثلة من هذا، لعل أشهرها ما قاله الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك الذي عبر عن شكواه من أن الأفراد المسؤولين عن جماعات حقوق الإنسان والذين ينتقدون الحكومة المصرية بسبب سياساتها في مجال حقوق الإنسان هم أعضاء في النظام الناصري القديم في الخمسينيات والستينيات والذي قمع المصريين وصادر كل حقوقهم.حقد وحنق الجماعات اليسارية المتطرفة على منطقتنا العربية ما زال موجودا وقائما، حيلتهم الآن الدفاع عن البيئة، وهم لا يدركون أن الدول العربية وبالذات دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قد حققت وما زالت تحقق أعلى مستويات الحفاظ على البيئة متفوقة في هذا على المعايير الدولية الأوروبية والأمريكية.ثم طالت دعاوى الجماعات اليسارية المتطرفة تعاليم الأديان متطاولة عليها مطالبة برفع ما يدعوه بأنه ظلم ضد حقوق الشواذ الجنسيين، وجاء الرد الحكيم من الدول العربية والإسلامية بأن حريات الشواذ الجنسيين هو تدمير للأسرة وتحطيم للقيم الأخلاقية في أية مجتمع.بعدها تشن الجماعات اليسارية هجومها غير المبرر على الدول العربية الإسلامية تحت ذرائع انتهاكات حقوق الإنسان، ويكون الرد الصائب والثاقب من العالم العربي بأن العالمين العربي والإسلامي يشهدان أكبر وأهم عملية تحديث وتطور في تاريخ العالم المعاصر، وفي هذا الصدد، كان هناك رد قوي من واحد من أشهر خبراء العلاقات الدولية في أمريكا والذي سخر من شخص حاول انتقاد المملكة بسبب حقوق الإنسان، رد الخبير القدير على هذا الشخص سائلا: هل تعرف ما هو وجه الشبه بين الرياض ومدينة شنغهاي الصين؟ وعندما فشل هذا الشخص الفاشل في الإجابة استدركه هذا المؤرخ ذائع الصيت وقال: كل من الرياض وشنغهاي لديهما أكبر عدد من خريجي الجامعات الأمريكية في العالم ومن أرقى البرامج العلمية. هنا علق أحد المتابعين للمناقشة وذكر: أضف هذا أن هناك العديد في مدينة الرياض الذين هم خريجو الجامعات البريطانية والكندية والأوروبية.الخلاصة هي أن الدول العربية تعطي حقوقا كثيرة حتى لغير مواطنيها ومنها مثلا حق التعليم.دعاوى الحقوق من قبل الجماعات اليسارية لا تدرس كل حقائق الحقوق في الدول العربية، ولو عرفوا الحقائق لصمت صراخ من ينبحون منهم.mr_alshammeri@

مشاركة :