يحاول الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد) من خلال المراهنة على خيار الحوار بدل المبادرة بالتصعيد في التفاوض كسب ودّ السلطة ولفت نظر الحكومة التي تتجاهله ومن ورائها الرئيس قيس سعيد، فضلا عن الاعتراف بدوره في المشهد العام بالبلاد، وتجاوز مرحلة الحضور الرمزي. وأكد نورالدين الطبوبي الأمين العام للمنظمة الجمعة أن “الاتحاد يمدّ يديه إلى الحوار الجدي والمسؤول الذي يفضي إلى نتائج ملموسة”، مشددا على أن “تونس في حاجة إلى وحدة وطنية مع من يؤمنون بالدولة وبالديمقراطية والتشاركية”. وقال الطبوبي في كلمة ألقاها خلال إشرافه على إحياء الذكرى 75 لمعركة الخامس من أغسطس 1947 “اختلفنا مع كل الحكومات، ليس لأنها عدوتنا بل لأجل التقدم والازدهار (…) لنا الكثير من النضج السياسي ولا يمكن فصل السياسي عن الاجتماعي والاقتصادي وكنا قد قدمنا رؤية منذ سنة 2020 وحذرنا من الوصول إلى أبواب مغلقة ولم تأخذ رئاسة الجمهورية رأينا بعين الاعتبار (…) وحتى مخرجات الحوار الأخير لم تفرز أي نتيجة بل جعلت الرئيس في واد والمشاركين في الحوار في واد آخر”. نبيل الرابحي: الاتحاد يريد أن يقول إنه موجود لكنه في أضعف حالاته وأضاف “لرئيس الجمهورية كل الحق في الدفاع عن مشروعه ورؤيته لأنه منتخب من الشعب والشعب هو الذي يحكم (…) لكن الاتحاد نأى بنفسه حتى يبقى منظمة مستقلة ولأننا أدركنا منذ البداية أن هذا الحوار لن يؤسس لمخرجات تشاركية فعلية وحقيقية قادرة على رسم الأهداف المستقبلية لتونس (…) ولو شارك الاتحاد في الحوار لانعكست مشاركته سلبا ولكُنّا في أزمة كبيرة لأن الاتحاد لن يقبل أبدا أن يكون حضوره صوريا”. وتابع “الاستفتاء انتهى ولكن هل سنستمر في الصراعات السياسية؟ السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني ليستا مجرد شعار لأن العالم ينظر إلى وزنك اقتصاديا (…) ومعركتنا اليوم اقتصادية واجتماعية (…) وإذا أردتم معركة تقدم وازدهار فإن الاتحاد سيكون في المقدمة”. وأردف أمين عام المنظمة “خضنا إضرابا اجتماعيا يوم السادس عشر من يونيو الماضي، واتخذنا قرار شن تحرك آخر دون تحديد موعده، ونذكّر بأن الاتحاد باسط يده للحوار الجدي والمسؤول والذي يفضي إلى نتائج ملموسة (…) نحن الآن في الهدوء الذي يسبق العاصفة (…) وكنت قد حذرت من ثورة البطون الخاوية لأن الشعب أصبح غير قادر على توفير أبسط ضرورات الحياة (…) الوضع مأزوم إلى أبعد الحدود والاحتقان الاجتماعي لن يولد إلا الغضب (…) نحن في حاجة إلى وحدة وطنية وتشاركية”. ويقول مراقبون سياسيون إن المنظمة النقابية عرفت مرحلة من الضعف بعد قرارات الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وهي الآن تسعى لشحن العزائم وتجاوز مرحلة التصدّع القائمة. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “خطاب الطبوبي فيه بعض التناقضات، والاتحاد لا يزال يبحث عن ثوابته”، متسائلا “هل يقصد الطبوبي حوارا سياسيا أم اجتماعيا؟”. وأضاف الرابحي في تصريح لـ“العرب” أن “الخطاب يأتي بالموازاة مع مراجعة الحكومة للمنشور 20، وهذه رسالة تبعثها حكومة بودن إلى الاتحاد، كما أن كلمة الطبوبي كانت موجهة للنقابيين بمحافظة صفاقس (جنوب)، لشحن العزائم الداخلية للمنظمة، بعد الضعف الملاحظ إثر مؤتمر محافظة سوسة، فضلا عن التصدّع الداخلي في النقابات”. باسل الترجمان: قيادة الاتحاد تسعى لتصويب مواقفها بعد الإضراب العام وتابع الرابحي “الاتحاد اليوم في أضعف حالاته، ولم يتمكن من تحقيق التوازن بعد قرارات 25 يوليو، وخسر موقعه في الرؤية الشاملة للبلاد، ويريد أن يقول إنه موجود لكنه ضعيف”. وفي وقت سابق انتقد اتحاد الشغل المعارضة التونسية التي تراهن على دور الأميركيين للتدخل في الشأن الداخلي بهدف تعديل الأوتار السياسية بما يتماشى ومصالحها. وأدان الاتحاد ما أسماها بـ“تصريحات المسؤولين الأجانب عن الوضع” في البلاد و“التدخل في الشؤون الداخلية”. وجاءت التصريحات بعد يوم من استدعاء وزارة الخارجية التونسية للقائمة بأعمال السفارة الأميركية ناتاشا فرانشيسكي للاحتجاج على تصريحات واشنطن حول نتائج الاستفتاء على الدستور. وقال في بيان له إنّ “التدخّل في الشأن الدّاخلي لم يقتصر على التصريحات، بل تجاوزها إلى تنقّل السفراء والقائمين بأعمال السفارات دون حسيب أو رقيب”، مضيفا أن بعض الدول (لم يسمّها) تمارس على التونسيين انتهاكات سواء بخصوص تأشيرات السفر أو الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين بتواطؤ مع السلطات التونسية. ووصف الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان الموقف بـ”الوطني”، قائلا “إضراب السادس عشر من يونيو كان خطأ ارتكبته قيادة الاتحاد، وأرادت إعادة تصويب مواقفها، وأعتقد أن الرسالة اليوم ستؤخذ بعين الاعتبار”. وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن “رسالة الطبوبي موجّهة بالأساس إلى حكومة بودن، وأعتقد أنها ستفضي إلى تشاركية”. وحملت دعوة الاتحاد غير المباشرة للمشاركة في الاستفتاء على الدستور في طياتها رسائل للسلطة من أجل كسب ودّها وتهيئة مناخ ملائم للتفاوض والحوار. وأعلن الاتحاد أنه ترك لأعضائه حرية الاختيار والمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد يوم الخامس والعشرين يوليو الماضي. وقال الطبوبي عقب اجتماع هيئته الإدارية بتونس العاصمة “في ظل تنوع الاتحاد والعائلة النقابية فإنه فوض لهم ولكل من يتقاطع معنا في الأهداف حرية الاختيار والإقبال على يوم الاستفتاء”.
مشاركة :