لعب الولايات المتحدة بورقة "العمل القسري" ضد الصين سيؤدي إلى تفاقم معدل التضخم داخلها

  • 8/6/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في تجاهل صارخ للحقائق وخلط واضح بين الصواب والخطأ، أصدرت الولايات المتحدة في ديسمبر من العام الماضي ما يسمى بـ "قانون منع العمل الجبري للأويغور" بزعم مكافحة "العمل الجبري". وبعد 180 يوما من إقراره، دخل القانون حيز التنفيذ في نهاية يونيو من العام الجاري وتم الشروع في تطبيقه رسميا. وفي يونيو الماضي، أصدرت كل من إدارة الجمارك وحماية الحدود ووزارة الأمن الداخلي على التوالي (المبادئ التوجيهية التشغيلية للمستوردين)) و((استراتيجية منع واردات السلع المستخرجة أو المنتجة أو المصنعة عن طريق العمل الجبري في الصين)) والرامية إلى تقديم الإرشادات التنفيذية للقانون المذكور أعلاه. تدور الجوانب التنفيذية للقانون في فلك ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، يتم استخدام نموذج "قائمة الكيانات" للضغط على الصين. أصدرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية ما يسمى بقائمة كيانات "العمل القسري" المتعلقة بشينجيانغ. وفرضت حظرا على استيراد السلع التي تنتجها الشركات المدرجة في القائمة بشينجيانغ. وثانيا، استهداف ممنهج للقطاع الصناعي في شينجيانغ. وتركيز العقوبات على صناعات الملابس والقطن والطماطم والمنتجات القائمة على السيليكون والمنتجات الكهروضوئية ذات الصلة. ثالثا، يُطلب من المستوردين الالتزام بأمرين رئيسيين. إذ يتوجب عليهم التحقيق في عملية سلسلة التوريد وتتبعها بالكامل، والقيام بكل ما يلزم للتأكد من أن البضائع المستوردة غير مرتبطة بشكل أو بآخر بما يسمى "العمل الجبري" في شينجيانغ. بالإضافة إلى ذلك، يتحمل المستورد الأمريكي عبء إثبات أن البضائع لم يتم إنتاجها بالسخرة متى طلبت منه إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية ذلك. إن الاستمرار في لعب ورقة "العمل القسري في شينجيانغ" ضد الصين هو أسلوب نموذجي تستخدمه الولايات المتحدة لتسييس القضايا الاقتصادية وتحويل وجهتها إلى قضايا "حقوق الإنسان". وهو أسلوب فظ وخبيث للغاية. الأمر المثير للانتباه هنا هو أن الحظر الأمريكي على واردات "العمل القسري" لا يقتصر على البضائع التي تنتجها الشركات المحلية في شينجيانغ فحسب، بل يشمل أيضًا تلك التي تنتجها شركات في مناطق صينية أخرى مساهمة في "مشاريع مساعدات شينجيانغ" و"المساعدة النظيرة". لذلك، فإن الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة لا تقتصر فقط على اكتساب مزايا تجارية وإعادة تشكيل السلسلة الصناعية العالمية بالقوة، بل لها أيضًا اعتبار استراتيجي يتمثل في احتواء التنمية الاقتصادية الصينية وتدمير حلم الشعب الصيني في تحقيق الرخاء المشترك. وفقًا لإحصاءات إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، أصدرت الولايات المتحدة اعتبارًا من يونيو 2022 ما مجموعه 54 أمر تعليق و9 تقارير تحقيق ضد بعض دول العالم بسبب "العمل القسري"، منها 35 أمر تعليق و5 تقارير تحقيق موجهة ضد منتجات صينية. تستخدم الولايات المتحدة بشكل متكرر ما يسمى بـ "العمل الجبري" في شينجيانغ لممارسة "الألاعيب" المستهدفة للصين. وذلك أمر لا يضر بالحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية وتنمية شينجيانغ فحسب، بل ويؤدي أيضًا إلى العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد العالمي والولايات المتحدة نفسها. وهو ما يُترجم على أرض الواقع بمزيد من الخسائر. تفاقم العبء الإضافي على الشركات الأمريكية أولاً، يواجه المستوردون الأمريكيون أعباءً وتكاليف إضافية. نقلت الولايات المتحدة مسؤولية التحقق من سلسلة التوريد والإشراف على "العمل الجبري" المتعلق بشينجيانغ إلى المؤسسات. ومن أجل الوفاء بـهذه "المسؤولية"، يتوجب على المؤسسة تعيين محققين إضافيين أو دفع تكاليف الشركة التي توفر خدمات التحقيق، مما يزيد من التكلفة التي يتحملها المستورد الأمريكي. ثانيًا، يضع القانون العديد من الشركات الأمريكية العاملة في الصين في موقف صعب. انتقد الرأي العام السائد في الولايات شركات مثل آبل ونايكي باعتبار ارتباط بعض منتجاتها بما يسمى بـ "العمل الجبري" في شينجيانغ. ومن أجل امتصاص غضب الرأي العام المحلي، كان على هذه الشركات "إثبات البراءة" والتنصل بكل ما يربطهما بالمواد الأولية ذات الصلة بشينجيانغ. في الجهة المقابلة، تعرض القوانين الصينية صراحة السياسات التجارية التمييزية. وعليه ستواجه الشركات الأمريكية تداعيات قضائية مترتبة عن هذا السلوك. وفي حال التجأت الشركات الأمريكية إلى إجراء تعديلات تمس السلسلة الصناعية ذات الصلة بالصين، أو حتى إلى نقل مصانعها وإلى تعزيز سياسة "تنويع المصادر" بهدف الحد مما يسمى المخاطر السياسية لـ "العمل الجبري" التي تثيرها الولايات المتحدة، فإن هذه الشركات سوف تواجه مشاكل أخرى من قبيل انخفاض كفاءة الإنتاج وارتفاع مفاجئ لتكاليف التشغيل على المدى القصير، وحتى فقدان السوق الصينية الأكثر تكاملا وتنوعا. تفاقم التضخم في الولايات المتحدة وصل معدل التضخم في الوقت الحالي بالولايات المتحدة إلى 9.1٪. وهو الأعلى منذ 40 عامًا. وأدى ارتفاع هذا المعدل وبشكل خطير إلى تفاقم الوضع الاقتصادي ليشكل العبء الأكبر على بايدن قبيل الانتخابات النصفية للحزب الديمقراطي. استمرار واشنطن في لعب "ورقة شينجيانغ" سيفاقم من معدل التضخم في الولايات المتحدة. ويسري اعتقاد لدى الرأي العام الأمريكي بأن واردات الولايات المتحدة من منتجات شينجيانغ أقل من 0.5٪ من إجمالي وارداتها، وهو ما يفترض أن يكون له تأثير محدود على التضخم في الولايات المتحدة. ولكن ذلك بعيد كل البعد عن الواقع. فيما يخص منتجات القطن والمنسوجات، وعلى الرغم من أن الصادرات الصينية المباشرة إلى الولايات المتحدة محدودة، فإن الصين تصدر القطن الخام إلى 14 دولة بما في ذلك فيتنام والهند، فيم تصدر الخيوط القطنية إلى 190 دولة حول العالم. ومن المرجح أن يؤدي تطبيق هذا القانون إلى إعادة تعطيل السلسلة الصناعية العالمية مرة أخرى بعد الوباء. وذلك كفيل بخلق خطر حدوث "نقاط توقف" في السلسلة الصناعية مثل المنسوجات الأمريكية. وهو ما يؤدي بدوره إلى تفاقم الضغوط المتأتية من ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة. وفيما يخص الصناعات المرتبطة بالطاقة الشمسية، فإن ما يقرب من نصف البولي سيليكون في العالم يأتي من شينجيانغ. ومن أجل الحد من آثار الشلل الذي أصاب صناعة الطاقة الشمسية ومن ضغوط ارتفاع التضخم المحلي، كان على إدارة بايدن منح إعفاء مؤقت من الرسوم الجمركية لمدة عامين على وحدات الطاقة الشمسية القادمة من دول جنوب شرق آسيا الأربعة. وإذا تم استبعاد البولي سيليكون الصيني، فسوف يتسبب ذلك في اضطراب خطير في الصناعات ذات الصلة. ولن تكون الولايات المتحدة بأي حال في منأى عن تباعاته الخطيرة. مطبات كبيرة أمام التعافي الاقتصادي العالمي قامت المؤسسات الدولية المالية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بتخفيض توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2022. ويعاني الاقتصاد العالمي من الآثار السلبية المتواصلة للوباء، مع تزايد خطر حدوث "تضخم مصحوب بركود". لمواجهة هذه التحديات، من الضروري أن تعمل جميع البلدان معًا مرة أخرى للتعامل مع الأزمات التي يشهدها العالم. على النقيض من ذلك، تعمل الولايات المتحدة على تدمير أبرز ركائز الصناعة العالمية كتقسيم العمل والتعاون. الأمر الذي يتسبب في مشاكل خطيرة تحول دون تعافي الاقتصاد العالمي. وفيما لا يزال الصراع بين روسيا وأوكرانيا محتدما، تمعن الولايات المتحدة في ممارسة سياسة "المتاجرة بالأخطار لتحقيق مكاسب شخصية" والتي تتسبب في إشعال النيران. أدى الاضطراب في سوق الطاقة لوحده إلى صعوبة حل مشكلة التضخم في الولايات المتحدة. كما أن تنفيذ القانون المتعلق بشينجيانغ سيجعل الاقتصاد الأمريكي بحال أسوأ. نأمل حقا أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها قبل فوات الأوان وأن تأخذ الدروس كتحذير حتى لا تصبح مصدرا لاضطراب الاقتصاد العالمي مرة أخرى. بقلم سون لي بنغ، باحث مشارك بالمعهد الأمريكي التابع للمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة

مشاركة :