أحيانا - والحمد لله ليس غالبا - تتعثر الذاكرة في اللحاق بدأب الكتابة اليومية. ومهما كان الخطأ هيِّنا، فالخطأ لا يهون، لا على صاحبه ولا على قارئه. الواقع فيه والواقع عليه. ومن حسن الحظ كثرة المصحِّحين والمحبين. كتبت، يوم الأربعاء الماضي، مشاعر وذكريات أخرى عن مفرحتي في شبابي ومؤنستي في كِبري، ستي وسيدتي، أم كلثوم. وقعت في خطأين؛ الأول أن الهادي آدم كتب لها «أنت عمري»، أجمل أغاني العمر عندي، بينما هي غنت لذلك الشاعر السوداني الرائع «أغدا ألقاك». والثاني، القول إن أم كلثوم لم تغنّ لنزار قباني. الثاني أفدح. فقد وقعت بين يدي الأستاذ رشيد درباس، الذي لقبه المهني أنه نقيب محامي طرابلس والشمال، وهذه مهمة عابرة، أما مهمته الدائمة فهي أنه محامي أم كلثوم، وحارس حراس شعر نزار قباني. وبهاتين الصفتين، وثالثتهما لعله من أصدقاء العمر، سارع يرفع الحيف عن موكليه الكبيرين؛ الست والشاعر. وأوضح أن أم كلثوم غنت لنزار رثاءه في عبد الناصر «عندي خطاب عاجل إليك»، وهي لم تنتشر كثيرا لأن حجرا وقع على إذاعتها أيام السادات، والثانية «أصبح عندي الآن بندقية». وما دمت في الاعتذار والاعتراف، فإن الجهل لا يشكل عذرا. وأنا الذي أفاق طفلا على صوت أمي تغني في البيت أشجان أم كلثوم، وأمضيت شبابي أسمعها، لم أسمعها تغني «أصبح عندي الآن بندقية»، ولا «هذا خطاب عاجل إليك من أرض مصر الطيبة». بغير قصد ظلمت شاعرا أحبه. وأخطأت خطأ حسنا في حق الهادي آدم، فنسبت إليه أيضا ما كتبه أحمد شفيق كامل لأول لقاء بين أم كلثوم وعبد الوهاب، يوم حملها على قبول الغيتار في الفرقة الوردية. والشاعر السوداني كله مظلوم في بلداننا. مرة ظلمه العرب في استسهالهم - أو تقصُّدهم - لتجاهل الزمرد، ومرة ظلم نفسه، كما فعل محمد الفيتوري يوم انضم إلى جلاج الجماهيرية، مرتضيا أن يصطف مع سلال شعره الجميل والنبيل في وظيفة جماهيرية. لكن للعدل في حق شاعر أفريقيا، يجب القول إنه لم ينتسب إلى فيتوريي ليبيا بعد الجماهيرية، بل قبلها. يومها أغراه محبوه بأن الفيتوريين موزعون على السودان وليبيا، فأعطنا حقنا من نسبك. نحن نحبك ونفخر بك. وكثيرون كذلك، في أنحاء العرب ودورانيتهم.
مشاركة :