أكّد مثقفون على خطورة اللحظة التي يمر بها الوطن العربي، وأهمية أن يدرك المثقف ضرورة التحرك للقيام بدور في الحفاظ على وجود وهوية العالم العربي، في ظل التحديات التي تحدق به، وتقليل الحساسيات العربية - العربية التي تسهم في ضياع هويتنا. شعر على هامش برنامج المؤتمر العام الـ26، نظمت مساء أول من أمس، الأمسية الشعرية الثانية ضمن مهرجان سلطان بن علي العويس الشعري، قدمها الشاعر والناشر الإماراتي محمد نور الدين، وشارك فيها الشعراء: حزين عمر وجيهان سلام، من مصر، وخالد أبوخالد، من فلسطين، ومحمد الأخضر السعدي، من الجزائر، ونور الدين بوجلبان، من تونس، وهشام قواسمة، من الأردن، ووجدي عبدالصمد، من لبنان، وسوسن دهنيم، من البحرين، وأوليد الناس هنون، من موريتانيا. جاء ذلك، خلال الجلسة الثانية من ندوة أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان، التي عقدت مساء أول من أمس، على هامش المؤتمر العام الـ26 للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، الذي يختتم أعماله غداً في أبوظبي. وقال الباحث العراقي علي الفواز، خلال الجلسة، التي أدارها الكاتب عبدالفتاح صبري، إن (الربيع العربي) كشف مدى هشاشة وضع المثقف العربي، وإنه غير قادر على أن يؤسس مشروعاً للثورات العربية، ما أدى إلى سرقتها. وأضاف: نعيش لحظات خيبة وهزيمة، ولكن بالقدر نفسه علينا أن نحاول استعادة القومية في مواجهة أعداء يخرجون علينا من ثقوب التاريخ يحملون السيوف. ولذلك علينا أن نواجه بعضنا بعضاً في البداية. وأوضح: دولنا تحتاج إلى دور حقيقي للمثقف، فالمعركة أصبحت معركة ثقافية في المقام الأول. ودعا الفواز لاتخاذ عدد من الإجراءات والمقترحات التي تساعد على التصدي لما تتعرض له الأمة العربية، ومن أهم هذه الإجراءات تعزيز قيمة التعليم في المجتمع العربي، باعتباره إحدى الوسائل الرئيسة لتنمية المجتمع، وإعادة توجيه مسارات التنمية الاجتماعية والثقافية، مشدّداً على أهمية إعادة إنتاج الخطاب الإعلامي، الذي بات يلعب دوراً مهماً في إعادة تشكيل الذهنية العربية، وللأسف لا يعمل على تحفيز التفكير في المقاومة أو الضد، كما حدث بعرضه لفيديوهات القتل التي بثها تنظيم داعش، التي تهدف لبث الذعر في نفوس المشاهدين، والتسليم بقوة هذه الجماعة. إعادة توصيف كما اقترح الباحث العراقي إعادة توصيف بعض القضايا التي تتعلق بالحقوق، وإعادة توصيف النخب الثقافية التي فشلت في تحمل مسؤولياتها على مستوى التحول الاجتماعي والديمقراطي، مطالباً بإيقاظ العقل العربي النائم، وأن يتحرك المثقف ولا يقف متفرجاً في هذه اللحظة التاريخية. وقال: نحن أمام (نكون أو لا نكون)، علينا أن نتحرك ونتحاور، نحتاج إلى شيء من اليقظة وتغيير أدواتنا لإيجاد رأي عام ثقافي تنويري، وأن نمشي خطوة واحدة خير من أن نظل جامدين. وحذّر من فشل الدولة النمطية، التي صنعها الاستعمار في المنطقة، والتي قادت المنطقة إلى التشرذم، واليوم يعاد إنتاج هذا الضياع من خلال تقسيم الدول العربية لأقاليم صغيرة، معتبراً أن النظرة السياسية القاصرة هي المسؤولة عن صناعة كثير من التشوهات في النظام الثقافي والحقوقي العربي، وإذا ربطنا حقوق الإنسان وحريته بالتجربة السياسية ونضجها، فإن ذلك يُعدّ رهاناً على مدى نجاح الأنظمة السياسية ومؤسساتها الحقوقية والثقافية في تأمين الحكم الرشيد. دساتير من جانبه، استعرض الدكتور مسعود عمشوش، من اليمن، في ورقته: القوانين والمواثيق العالمية المرتبطة بالحقوق والحريات، مشيراً إلى أن الجانب الأهم من الأزمة التي تمر بها الحقوق والحريات ليست دائماً أزمة في المفاهيم المدونة في دساتير الدول الغربية ولوائح المنظمات الدولية، وإنما في التحوير الدائم من قبل الغربيين لتلك المفاهيم عند الممارسة، وذلك بطرق تسمح لهم استخدامها وفق تطور مصالحهم الاقتصادية والسياسية في العالم، إلى درجة أنهم - الغربيون - لا يترددون في جعل تلك حقوق الإنسان وحرياته العامة وسائل لممارسة الابتزاز والضغط على كثير من الدول الصغيرة والكبيرة، في الوقت الذي يسكتون فيه على ما يقومون به هم وما تقوم به ممثلتهم في أرض العرب، على حد قوله. وأضاف عمشوش: لقد أصبحت مفاهيم حقوق الإنسان والحريات العامة اليوم، رغم ما يعتريها من خلط ولبس، الشغل الشاغل لعدد كبير من المنظمات والمحاكم والأطر الدولية التي يهيمن عليها الغرب، ويوظفها في كثير من الأحيان كوسائل ضغط ليس على بعض الدول الصغيرة فحسب، بل كذلك على الصين وروسيا. وفي اعتقادنا لا تكمن الأزمة الراهنة لحقوق الإنسان والحريات العامة في بعدها المفهومي، بل في الهوة الكبيرة بين نصوص الدساتير والأنظمة واللوائح التي تتضمن تلك الحقوق والحريات، وبين طرق ممارستها وتطبيقها من قبل الدول الكبيرة والصغيرة. تطبيق مزدوج وشكك عمشوش في جدية الالتزام بهذه الدساتير بشكل كامل طوال الوقت: فحتى إن سلمنا بصحة ما تضمنته دساتير وأنظمة الدول الغربية من تشريعات تؤكد حرصها على احترم حقوق الإنسان وحرياته العامة، فالممارسة والواقع يبرهنان باستمرار أن تلك الدول، ومنها فرنسا، رغم ما تملكه من وسائل حديثة ومتطورة و(ناعمة) لمكافحة مختلف أنوع الجريمة، لا تتردد أبداً في تعطيل تلك الحقوق والحريات والأنظمة التي وضعتها لحمايتها، وبوسائل مختلفة، لن يكون أجملها اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ، أي (حالة اللاقانون)، ولفترات طويلة. وقال: لا شك أن التطبيق المزدوج والمتحيز لنصوص حقوق الإنسان والحريات العامة من قبل فرنسا يسلب تلك النصوص صدقيتها، ويجعلها مجرد أدوات إيديولوجية. لكن ذلك لا يلغي حاجتنا لتلك النصوص التي ينبغي أن تظل قائمة بأبعادها العالمية، بهدف الحفاظ على السلم المحلي والعالمي. فمن المؤكد أن التناقض بين الخطاب والممارسة، وبين الشعار والواقع في التجربة الأوروبية - كما يقول محمد سبيلا - لا يلغي البُعد الكوني لمفهوم حقوق الإنسان.
مشاركة :