أكد مختصون أن دولة الإمارات أولت الصحة النفسية لدى المجتمع أهمية كبرى عبر تدابير وسياسات ومبادرات نوعية، انطلقت من أساس أن المجتمع الصحيح نفسياً هو القادر على مواصلة مشاريع التنمية وإنجازها على أكمل وجه، لافتين إلى أن الدولة حققت قفزات لافتة في هذا المضمار، وقد ظهر هذا الاهتمام جلياً إبّان جائحة «كوفيد 19» من خلال برامج الدعم والمساندة للحفاظ على الصحة النفسية لأفراد المجتمع، وكذلك إطلاق السياسة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية، فضلاً عن الحلول الرقمية في المجال. جاء ذلك خلال جلسة حوارية موسعة في «مساحتكم عبر البيان» المباشرة والتي عقدت أول من أمس عبر منصة «تويتر» تحت عنوان «الصحة النفسية في الإمارات.. ضمانة اجتماعية للاستقرار والازدهار». ويأتي ذلك في إطار حملة «البيان» لتعزيز الصحة النفسية، والتي انطلقت 8 أغسطس العام الماضي تحت شعار «كن دوماً بخير»، والتي حققت تفاعلاً مجتمعياً ورسمياً واسعاً، بالتعاون مع الجهات المعنية. وشارك في الندوة، التي أدارتها نوفر رمول من تلفزيون دبي، بمؤسسة دبي للإعلام، كل من: الدكتور يوسف الطير مدير مستشفى عبيد الله في إمارة رأس الخيمة، وأمل البلوشي مدير البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة في وزارة تنمية المجتمع، والدكتور غانم الحساني استشاري الطب النفسي في شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»، والدكتور عادل كراني استشاري الطب النفسي، والدكتور باسم بدر استشاري الطب النفسي رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى ميد كلينيك في دبي، والدكتور طلعت مطر استشاري الأمراض النفسية في مستشفى رأس الخيمة وأستاذ الطب النفسي في جامعة رأس الخيمة، والدكتور محمد الأحبابي طبيب إماراتي وكاتب وباحث في الصحة النفسية، إلى جانب مشاركة عدد كبير من رواد التواصل الاجتماعي والمهتمين بالطب النفسي. جهود وركزت ندوة «البيان» على الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز ورعاية الصحة النفسية المجتمعية، ومدى شموليتها لجميع فئات المجتمع، ورصدها لحاجاته في بيئة إيجابية، وكذلك استعراض دور الصحة النفسية في الارتقاء بإنتاجية أفراد المجتمع في شتى ميادين العمل، ومدى استجابة أفراد المجتمع لتدابير وبرامج الصحة النفسية الوطنية، إلى جانب جدوى وتأثيرات برامج الصحة النفسية الوطنية على الأسرة كونها أصغر نواة مجتمعية، وانعكاس هذه البرامج على شيوع الاستقرار لدى أبناء هذه الأسر، والارتقاء بتحصيلهم العلمي، إلى جانب الوقوف على حجم مواكبة التشريعات والقوانين في الدولة للبرامج والخطط الداعمة لمنظومة الصحة النفسية في المجتمع، ومدى مرونة هذه التشريعات. أولوية وقال الدكتور يوسف الطير، مدير مستشفى عبيد الله في إمارة رأس الخيمة: إنه لا تخفى أهمية الصحة النفسية، وقد باتت من أولويات مؤسسات الإمارات الصحية، والصحة النفسية أساس في التعامل مع إشكالات الحياة، وبها تقاس جودة الحياة، فيما دعا الدكتور عادل كراني، استشاري الطب النفسي المجتمع الإماراتي إلى ضرورة معرفة الصحة النفسية وأهميتها والأماكن التي تقدم خدمات الصحة النفسية، ونواجه تحديات في إيصال تلك الأهمية للناس. ولفت الدكتور الطير إلى أنه في فترة انتشار جائحة «كوفيد 19» انتشرت أساليب جديدة لطلب العلاج منها مراكز التطبيب عن بعد ولاقت نجاحاً، حيث أمّنت توصيل الخدمة لشريحة كبيرة من المرضى حتى لأولئك المرضى الذين كانوا يجدون حرجاً من تلقي العلاج في العيادة أو المستشفى. بدوره، أكد الدكتور باسم بدر، استشاري الطب النفسي أن فكرة الذهاب إلى المؤسسات الصحية لطلب العلاج النفسي مقترنة بوصمة اجتماعية عن المرض النفسي في مجتمعاتنا، وتصور بعض الناس أن المرض النفسي ينطوي على نقص في الإيمان أو ارتباطه بالسحر أو الجن، وأن المريض النفسي قد يكون ضعيف الشخصية، لافتاً إلى الكثير من البرامج في دولة الإمارات قائمة على التعريف بأهمية الأمراض النفسية ومحاولة إزالة الوصمة عن الأمراض النفسية وتصويبها. ودعا الدكتور محمد الأحبابي، كاتب وباحث في الصحة النفسية إلى أهمية زيادة الوعي حول الاضطرابات النفسية، موضحاً: «من تجربتي خلال السنوات الماضية أرى أن هناك تجاوباً من الجمهور والمؤسسات مع بعض المقالات المتعلقة بالطب النفسي والصحة النفسية، مما يشير إلى زيادة الثقافة بالأمراض النفسية مقارنة بالسابق، ولكن نريد المزيد من الزخم في توعية الناس وتثقيفهم حول تلك الأمراض». استعداد من جانبه قال الدكتور غانم الحساني استشاري الطب النفسي، بشركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» أن الصحة النفسية أضحت من الأولويات في العالم الآن استعداداً لما توقعته الدراسات من أن تكون الأمراض النفسية هي الأكثر إضراراً بالإنسان بحلول عام 2050، وأشار إلى أن جائحة «كوفيد 19» وما رافقها من خوف وتوتر أصاب معظم الناس، جعلت العالم يهتم أكثر وأكثر بموضوع الصحة النفسية، ولأهمية الموضوع خصصت وزارة الصحة ووقاية المجتمع في الدولة، وكذلك شركة «صحة» في أبوظبي وهيئة الصحة في دبي خطوطاً ساخنة للرد على تساؤلات الناس وتطمينهم فيما يتعلق بانتشار الجائحة. ولفت الدكتور الحساني إلى أن منظمة الصحة العالمية تطالب الدول الأعضاء بتنفيذ «خطة العمل الشاملة للصحة النفسية 2013 ـ 2030»، والتي تهدف إلى تحسين الصحة النفسية بتعزيز القيادة والحوكمة الفعالتين، وتوفير رعاية مجتمعية شاملة ومتكاملة ومستجيبة، وتنفيذ استراتيجيات في مجال التعزيز والوقاية، وتعزيز نظم المعلومات والبيانات والبحوث والبرامج. نهج كما أكدت أمل البلوشي، مدير البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة بوزارة تنمية المجتمع أن دولة الإمارات تتبع نهجاً مفاده أن «الإنسان أولاً»، وهو ظاهر في كل الخطط والبرامج التي تنفذها الدولة، ونحن في وزارة تنمية المجتمع لدينا استراتيجية جودة الحياة والتي تقوم على التنمية البشرية، فأساس التقدم والازدهار هو أفراد أصحاء بدنياً ونفسياً، ومن أبرز أهداف الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة، هو الوصول بحياة الأفراد لحياة نفسية عالية الجودة. وفيما يخص حملات التوعية والتثقيف حول الصحة النفسية التي تنظمها مؤسسات الدولة المعنية، قال الدكتور يوسف الطير: إن جودة الحياة مرتبطة بمعايير عالمية تدمج الصحة النفسية في المجتمع، والخدمات التي تقدم للمريض النفسي في الدولة تنقسم إلى أربعة مستويات، مستوى يتعلق بتقديم خدمة صحية نفسية مجتمعية، وخدمات في مراكز رعاية صحية أولية، أقسام صحية نفسية في مستشفيات عامة، ومستشفيات تخصصية للصحة النفسية مثل مستشفى الأمل في دبي، ومن الخدمات الصحية المجتمعية هي كسر الحواجز بين المريض النفسي ومرضه، حيث بدأ المريض بالمراجعة دون كبير حرج وهي خطوة كبيرة في اتجاه تغيّر المجتمع وهي خطوة إيجابية كبرى في الاتجاه الصحيح. وأكد الدكتور باسم بدر أن كثيراً من المرضى النفسيين يتجهون إلى العلاج متأخرين، خاصة الأمراض التي لا تنتظر والتي تتطور بصورة كبيرة إذا لم تحصل على العلاج اللازم مثل مرضى الفصام والاضطراب الوجداني أو الاكتئاب، ما يؤدي إلى أن تكون تلك الحالات قد استعصت على العلاج، ولكن بالتوعية والتثقيف الجيد في الإمارات أصبحنا نكتشف الإشكالات النفسية مبكراً. وأضاف أما في الحالات المرضية البسيطة مثل القلق وأمراض النوم والوسواس فإنهم عندما يتأخرون عن تلقي العلاج فإنهم يندمون بشدة بعد شفائهم لأنهم كانوا يعانون ولم يفكروا في العلاج النفسي. وقاية وحول توعية الأسرة بأهمية الصحة النفسية، قال الدكتور عادل كراني: إن الدراسات النفسية تعمل الآن على نظام الوقاية، كما في الأمراض العضوية، ومعظم الدراسات وصلت إلى أن العائلة لها الدور الأكبر في الوقاية من الأمراض النفسية، والتي تقوم بمساعدة الحالة المصابة بالصورة الملائمة، مع الاستمرار في العلاجات حتى الشفاء الكامل. ولفت إلى أن دور العائلة يجب أن يكون حاسماً في مساعدة الفرد الضعيف والتائه أو المنعزل أياً كان سنه، فيجب توجيهه إلى العلاج النفسي، مثله مثل المرض العضوي تماماً، مؤكداً أن محور العائلة يجب أن يرتكز على الوقاية والمساعدة والتحفيز على الاستمرار في تلقي العلاج. من جانبه، أشار الدكتور طلعت مطر، استشاري الأمراض النفسية في مستشفى رأس الخيمة، وأستاذ الطب النفسي في جامعة رأس الخيمة إلى أن الوعي بالأمراض النفسية أصبح عالياً في الإمارات مقارنة بما قبل فترة الثمانينيات، والدولة من أكثر دول المنطقة اهتماماً بصحة الإنسان، وهي تتربع على قمة الدول العربية والمنطقة في كل المجالات. وأشار إلى أن المشكلة في الدول العربية هي عدم وجود الأبحاث، فنحتاج لأبحاث إحصائية لمعرفة حجم الأمراض النفسية، خاصة أننا لدينا البنية التحتية المعلوماتية المتطورة، كما دعا إلى جانب تطوير الأبحاث والدراسات المتعلقة بالأمراض النفسية لتختص بالأمراض النفسية الشائعة في المجتمع العربي. تأثير وأشار الدكتور محمد الأحبابي فيما يتعلق بتأثير المرض النفسي على العمل والإنتاجية إلى أن الجمعية الأمريكية للطب النفسي نشرت مؤخراً إحصائية تشير إلى أن الموظفين المصابين بالاكتئاب في الولايات المتحدة الذين لم يتلقوا العلاج، لاحظوا عليهم قلة الإنتاجية بنسبة 35% عن أقرانهم الأصحاء، تسببوا في خسارة نحو 200 مليار دولار، حسب الدراسات، وأن المؤسسات يجب أن تلتفت إلى هذه الإشكالات، ويجب عليهم أن يتابعوا موظفيهم لتقديم الدعم في حال وجدت الإشكالات النفسية، ما يعني إنتاجية أكثر للموظف ونجاحاً للمؤسسة. وقالت أمل البلوشي: إن تعزيز الصحة نفسياً وبدنياً من المحاور المهمة، كما أطلقنا أدوات لتطبيق ذلك المحور عبر ممارسات عالمية، ومنها مبادرة «حياة»، التي أطلقتها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية والتي توفر خدماتها المجانية لنحو 90 ألف موظف، كما أن هناك سياسة وطنية لتعزيز الصحة النفسية. قفزات قال الدكتور يوسف الطير: إن الطب النفسي شهد قفزات كبرى في دولة الإمارات كما أن الوعي والتثقيف أصبح سريع الانتشار، فيما أشار الدكتور عادل كراني إلى أن الطب النفسي من التخصصات المهمة، والتي تحتاج لمهارات التواصل التي تراعي الخلفيات الثقافية، لذلك نرى التنوع في خلفيات العاملين في الصحة النفسية، حيث نحتاج إليهم بسبب تنوع الشريحة السكانية في الدولة، والتحدي الحالي هو البرامج الدراسية المتخصصة في علم النفس. تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :