اتخذت مجموعة «أوبك+» في اجتماعها منتصف الأسبوع الماضي قراراً صحيحاً ومعبراً عن مصالح دول المجموعة ككل، إذ قررت زيادة إنتاج النفط بصورة طفيفة بمقدار 100 ألف برميل يومياً، وذلك على عكس ما كانت تطمح له الدول المستهلكة، والتي مارست ضغوطاً متواصلة لإحداث زيادة كبيرة في الإنتاج، حيث يقول بصورة صحيحة الأمين العام لمنظمة «أوبك» هيثم الغيص «أن الزيادة المتواضعة في الإنتاج تتيح للمنتجين فرصة أكبر لمراقبة الأسعار». والحقيقة أن التنسيق والتضامن بين الدول الأعضاء في «أوبك+» مثير للإعجاب، إذ رغم التفاوت بين مواقفها السياسية، تحرص جميعاً على المحافظة على توازن العرض والطلب في أسواق النفط لبقاء الأسعار عند معدلاتها الحالية والعادلة، بل يمكن القول إن هذا الانسجام والتضامن لم يحدث سابقاً في نطاق منظمة «الاوبك» والتي عصفت بها الخلافات في أوقات عديدة وأدت إلى انهيار أسعار النفط في أكثر من مناسبة، مما يعني أن توسيع عضوية «أوبك» وتحويلها لـ «أوبك+» بانضمام العديد من الدول، كروسيا وكازاخستان وأذربيجان والمكسيك وبروناي والبحرين وعُمان كان قراراً صائباً، حيث منح المنظمة قوة إضافية ومرونة أكبر على التعامل مع التطورات في أسواق النفط العالمية، مما يعني ضرورة المحافظة على الانسجام داخل المجموعة. ومع أن الأسعار انخفضت بنسبة 10% بعد الإعلان عن هذه الزيادة المتواضعة، إلا أن ذلك لم يكن له علاقة بزيادة الإنتاج بمقدار 100 ألف برميل أبداً، فالانخفاض تزامن مع التوقعات المتزايدة بتعرض الاقتصاد العالمي، وبالأخص اقتصادات الدول الكبرى للركود، وهي ليست المرة الأولى التي تؤدي فيها مثل هذه التوقعات للتأثير في أسعار النفط، فقد حدث ذلك مراراً على مدى الشهور القليلة الماضية بسبب عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي، الذي تأثر بشدة بسبب جائحة كوفيد-19 ومن ثم الحرب الأوكرانية. وكما هو الحال في المرات السابقة فسوف تصدر بيانات متناقضة حول توقعات الركود، والتي ربما لن تطال اقتصادات مهمة في استهلاك الطاقة، وقد تطال وتؤثر في بعض الاقتصادات أكثر من غيرها، مما سيؤدي إلى استقرار أسعار النفط عند معدلاتها الحالية التي تدور حول 100 دولار للبرميل، وهي استعادت بالفعل بعض خسائرها عندما ارتفعت مرة أخرى بنسبة 3% بداية الأسبوع الجاري بعد صدور بيانات إيجابية عن الاقتصاد الصيني. ويشير هذا التوجه والإصرار من قبل مجموعة «أوبك+» والخاص بعدم الخضوع للضغوطات والتأقلم مع التغيرات الجوهرية في العلاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة. ففي السابق تم استغلال بعض التناقضات بين دول «أوبك» لاتخاذ قرارات لا تعكس المصالح الحقيقة للدول المنتجة، أما في حالة «أوبك+» فإن الأوضاع تغيرت تماما، فقد أضحت هذه المجموعة أكثر استقلالاً في اتخاذ قراراتها الخاصة بالإنتاج، كما أن انضمام بقية الدول المنتجة زاد من التأثيرات الفاعلة لها. فبعد أن كانت دول «أوبك» تستحوذ على ما يقارب من 26% فقط من إنتاج النفط العالمي، ارتفعت حصة المجموعة الجديدة إلى 43% من هذا الإنتاج، مما منحها مرونة أكبر للتعامل بصورة ناجحة مع التطورات المتلاحقة في أسواق الطاقة من جهة وفي الاقتصاد العالمي من جهة اخرى. لذلك يتوقع أن يستمر التنسيق بقوة بين دول المجموعة في السنوات القادمة بعد أن لمست جميعها مدى المكاسب التي يمكن تحقيقها في ظل هذا التعاون للحصول على أسعار عادلة لمبيعاتها من النفط، مما يعني أنه في حالة تحقق بعض التوقعات الخاصة بركود الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب على النفط، فأنه يتوقع أن تتسارع الدول الأعضاء في المجموعة لاتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة لتخفيض الانتاج وتجنب أية اختلالات بين مستويات العرض والطلب، والتي قد تؤدي الى انخفاض كبير في الأسعار مما يدعو للتفاؤل بشأن بقاء أسعار النفط عند مستويات عادلة. فدول «أوبك+» أضحت بمثابة القبان الذي يمسك بتوازن مدهش بأسواق النفط في العالم، ويحقق مكاسب لا تقدر بثمن للدول المنتجة، مما يتطلب المحافظة على تماسك دول المجموعة وانسجامها.
مشاركة :