إيران تدخل حلبة المنافسة على زعامة القاعدة

  • 8/11/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عاد إلى الواجهة بعد مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول الجدل بشأن علاقات التنظيم بإيران، نظرًا إلى إقامة المرشح الأبرز لخلافته على أراضيها، حيث أوردت تقديرات مختلفة بشأن المرشحين الأوفر حظًا لخلافة الظواهري أن من أبرز المرشحين سيف العدل القائد العسكري للقاعدة، ويليه عبدالرحمن المغربي الملقب بـ”محمد أباتي” وهو صهر الظواهري، ووصف بأنه ثعلب القاعدة، وكلاهما يقيم على الأراضي الإيرانية. ويلي هاتين الشخصيتين في الأهمية وإمكانية الحصول على تفويض الزعامة كل من يزيد مبارك قائد فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأحمد عمر الملقب بـ”أحمد ديرية” القيادي في حركة الشباب الصومالية الموالية للقاعدة. ودارت العلاقات التي شهدت تطويرًا واستقرارًا بين إيران والقاعدة خلال مرحلة تولي الظواهري، على محورين رئيسيين، أولهما التعاون العسكري الذي كانت إحدى أهم دلالاته استثناء سيف العدل، وهو ضابط سابق في الجيش المصري يُدعى محمد صلاح الدين زيدان، من الاحتجاز والمعاملة السيئة داخل إيران. وبرهن التعامل الاستثنائي من قبل طهران مع بعض القادة المهمين الذين اتخذوا من إيران ملاذًا آمنًا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وفي مقدمتهم سيف العدل الذي حظي بحماية ومعاملة خاصة من وزارة الأمن والاستخبارات، على وجود تفاهمات محددة مع الإيرانيين لم يتم إشراك باقي عناصر القاعدة فيها. طهران وسيف العدل القيادي في القاعدة سيف العدل تلقى تدريبًا عسكريًا نوعيًا على يد عناصر حزب الله اللبناني ونال سيف العدل هذه المكانة عند الإيرانيين نظرًا إلى الروابط التي جمعته مع قادة عسكريين لميليشيات شيعية موالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني منذ التسعينات من القرن الماضي، والتي عُدت تحضيرًا لعمليات القاعدة الإرهابية الكبرى ضد المصالح الأميركية والغربية عموما، وجرى في ذلك الوقت تنفيذ بنود الاتفاق الذي وُقع بين القاعدة والحرس الثوري في طهران لتمويل التنظيم وتسليح وتدريب قادته العسكريين. وتلقى سيف العدل الذي أُختير لاحقًا لإدارة ملف علاقات القاعدة مع إيران تدريبًا عسكريًا نوعيًا مع آخرين على يد أحد أمهر قادة حزب الله العسكريين في معسكر تابع للحزب في سهل البقاع شرق لبنان، وهو عماد مغنية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في فبراير 2008 في كفر سوسة بالعاصمة السورية دمشق. ووفقًا لتقارير استخباراتية خاصة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر سافر عملاء بارزون في القاعدة إلى كل من إيران ولبنان للحصول على تدريب متقدم في تصنيع المتفجرات، وحصلوا على إرشادات عسكرية من قادة عسكريين في حزب الله، كما سافر بعض الخاطفين التابعين للقاعدة عبر الأراضي الإيرانية، واستفاد كل طرف من هذا التعاون في تنفيذ مشاريعه بالخارج في مواجهة أعداء مشتركين، خاصة إيران التي حققت أهدافًا بيد القاعدة دون أن تتبنى أي عملية بشكل مباشر. ولم تكن المصالح الأميركية وحدها المستهدفة من خلال هذا التعاون النوعي بين الأجهزة الإيرانية وقادة تنظيم القاعدة العسكريين، إنما أيضًا العديد من الدول العربية كما جرى في مايو 2003 عندما تمكن سيف العدل من التخطيط لتفجيرات الرياض. اقرأ أيضاً: مقتل الظواهري ثمن مساومة بين واشنطن وباكستان ونفت هذه الأحداث مزاعم البعض بشأن فرض إيران لإقامة جبرية على سيف العدل وغيره من قادة القاعدة العسكريين المقيمين فيها، علاوة على أن أبومحمد المصري أحد أبرز هؤلاء القادة اغتالته إسرائيل في طهران في أغسطس 2020عندما كان يقود سيارته بحرية في أحد الأحياء الراقية. وحقق هذا التعاون فوائد لقادة القاعدة الذين حصلوا على حماية أمنية نسبية، حيث ظلوا في مأمن من الطائرات الأميركية دون طيار على مدى أكثر من عقدين، كما استطاعت طهران تفادي الكثير من الهجمات الجهادية ضد مصالحها طوال هذه الفترة. وتتحمس إيران لتطوير واستمرار العلاقات مع تنظيم القاعدة بجانب ركيزة التعاون العسكري، نظرًا إلى إسهاماتها في تحقيق هدف أصيل يتعلق بتجاوز الانقسامات السنية – الشيعية والأبعاد العقائدية لتشكيل شبكة مصالح مع الجهاديين السنة قائمة على الكراهية والعداء المشترك للغرب. وينشط دعائيًا في هذا الاتجاه قادة القاعدة المقيمون في إيران الذين باتوا يتحدثون من منطلقات وأدبيات الميليشيات الشيعية، ووضعوا الأهداف الإستراتيجية الخاصة بطرد التواجد العسكري الأميركي من الشرق الأوسط هدفا مشتركا بين الإسلاميين السنة والشيعة فوق التباينات والتوترات المذهبية التقليدية. ويلعب مصطفى حامد صهر سيف العدل وأحد أبرز قادة القاعدة المقيمين في إيران الدور الأبرز في هذا السياق عبر طرح دعائي مكثف يدعو إلى ما يُسميه التعاون السني الشيعي لتحرير المقدسات والمسجد الأقصى. ويؤصل مصطفى حامد من خلال مقالاته وإصداراته المرئية لفكرة التوحد تحت لواء محور المقاومة خلف القيادة الإيرانية، معتبرًا أن من يعادي الحوثيين أو حزب الله أو إيران يقف في صف إسرائيل، ودعا بوضوح إلى انضمام الجهاديين السنة إلى المعسكر الإيراني والتبعية الكاملة لمركزه في طهران. تبادل وثيق للمصالح إيران حققت أهدافا هامة في المنطقة عن طريق تنظيم القاعدة دون أن تتبنى أي عملية إرهابية بشكل مباشر وسلط بروز بعض أسماء قادة القاعدة في إيران، وفي مقدمتهم سيف العدل الذي يقيم في إيران منذ عام 2001، كزعماء محتملين للقاعدة، الضوء على المدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقة بين طهران والقاعدة في ظل رغبة الطرفين في تطويرها لخدمة مصالحهما ومواجهة أزماتهما الراهنة. وتسعى إيران إلى تدعيم حلفها الأيديولوجي في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين عبر تشبيك حالة جهادية سنية تشمل تنظيم القاعدة المركزي وحركتي حماس والجهاد بفلسطين وجماعة الإخوان. ولحرصها على عدم فقدان ورقة القاعدة ما يعني استمرار قدرتها على تحريك أعمال إرهابية بشكل خفي وغير مباشر تصب في مصلحتها، تبدو إيران أكثر تصميمًا على تمكين أحد قادة القاعدة المقيمين على أراضيها من زعامة التنظيم خلفًا للظواهري. وتعني تسمية سيف العدل كزعيم جديد للقاعدة وهو الذي يعده البعض أكثر فاعلية وطموحًا في إثبات تميزه وتفوقه على من سبقه في قيادة التنظيم، تكريسا لتعاون القاعدة مع إيران وتحويل التنظيم إلى منظمة أكثر براغماتية وأكثر شبهًا بحزب الله اللبناني. ويتطلع سيف العدل إلى ترك بصمة تجعله رقمًا ثالثًا مهمًا بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في تاريخ القاعدة، ما يدفعه إلى الحرص على إحياء الحرب العالمية مع العدو البعيد، الولايات المتحدة والغرب، مدعومًا من إيران. عناصر القاعدة دأبوا طوال السنوات الماضية على معايرة أعضاء داعش لامتلاك أميركا القدرة على قتل قادتهم الواحد تلو الآخر بسهولة، في حين لم تستطع تصفية الظواهري على مدار عقدين وبناء العلاقة المستقبلية بين القاعدة وإيران وفقًا لهذا التصور قد يفيد التنظيم السني في إعادة بناء قدراته مستفيدًا من الحماية الإيرانية، في ظل ما أثبته استهداف أيمن الظواهري في قلب كابول من انكشاف الساحة الأفغانية أمام الطائرات دون طيار، فضلًا عن وجود بنية استخباراتية أميركية قوية في أفغانستان. وسوف يكون من المحرج لطالبان وللقاعدة أن يفقد التنظيم سريعًا زعيمًا آخر بعد الظواهري على الأرض الأفغانية، ما يسلط الضوء بشكل متزايد على علاقات طالبان بالقاعدة وعلى عجز الأخيرة عن حماية قادتها. ودأب عناصر القاعدة طوال السنوات الماضية على معايرة أعضاء داعش لامتلاك أميركا القدرة على قتل قادتهم الواحد تلو الآخر بسهولة، في حين لم تستطع تصفية الظواهري على مدار عقدين، متفاخرين بهذا كونه إنجازًا ودليلًا على قوة القاعدة وقدرتها على حماية قادتها. ولذلك تطمح قيادة القاعدة الجديدة إلى استعادة قوة ونفوذ التنظيم في ظل وضعه الراهن، ما يجعلها أكثر ميلًا إلى توثيق التعاون مع إيران، بالنظر إلى أن التنظيم لم يحقق طفرات في تاريخه وتطويرًا نوعيًا في قدراته وتأمينًا نسبيًا لقادته إلا في ظل التعاون مع إيران وحزب الله وفيلق القدس. ويسعى الطرفان (القاعدة وإيران) إلى إعادة الفعالية للورقة الأهم الضاغطة على المحور الغربي بعدما دأبت التقارير الدولية وتقديرات أجهزة الاستخبارات الغربية على التأكيد على عجز القاعدة عن شن هجمات خارجية. عراقيل وبدائل المرجح أن اختيار زعيم جديد للقاعدة خلفًا لأيمن الظواهري من بين قادة الأفرع بمثابة خيبة أمل وخسارة كبيرة لطهران التي تطمح إلى تكريس هيمنتها على التنظيم وهناك جملة من العراقيل التي تجعل تطوير العلاقات بين القاعدة وإيران بعد تصفية الظواهري صعب التحقق، فرغم حاجة إيران إلى قوة عسكرية مضافة تخدم مصالحها ضد الدول المناوئة لمشروعاتها التوسعية، فهي بإضافة القاعدة إلى حلفائها الصريحين تؤكد على دورها المقلق للعديد من القوى على الساحة والمزعزع لاستقرار المنطقة. ووجود زعيم القاعدة الجديد، سواء أكان سيف العدل أو عبدالرحمن المغربي (محمد أباتي) أو مصطفى حامد (أبوالوليد المصري) في إيران، سوف يزيد علاقاتها توترًا مع الفاعلين الإقليميين والدوليين. كما قد يستفز إقامة زعيم القاعدة في إيران إسرائيل لمعاودة نشاطات استخباراتها بقوة في الداخل الإيراني للقيام بعملية استهداف مماثلة لعمليتها ضد أبومحمد المصري (عبدالله أحمد عبدالله) في عام 2020. وهناك عوائق أخرى متعلقة بحسابات القاعدة، حيث يجد سيف العدل صعوبة في الانتقال إلى أفغانستان لاكتساب شرعية القيادة نظرًا إلى الضغوط الدولية على طالبان، في حين أن بقاءه في إيران محرج سياسيًا وأيديولوجيًا في ظل المناخ الحالي الذي تسوده الصراعات الطائفية والشحن المذهبي. ويثير ارتباط زعيم القاعدة الجديد بالثيوقراطية الشيعية وبمصالح إيران في المنطقة الانقسام الشديد داخل القاعدة وداخل الحالة الجهادية السنية بالنظر إلى ممارسات إيران وميليشياتها الشيعية الوحشية ضد السنة في العراق وسوريا واليمن، ومن الوارد أن يضر التوجه التنظيم أكثر مما قد يفيده. ويبدو الخيار الأفضل للقاعدة في هذه الحالة تسمية زعيم أقل شهرة من بين قادة الأفرع ما يعني تكثيف التركيز على العدو القريب والحكومات العربية والإسلامية. وهناك أسماء عديدة في هذا السياق مثل أبوتراب الأردني، وقارئ سيف الله أختر، والأفغاني محمد أمين الحق، وعلي البكري (عبدالعزيز المصري)، وهو أيضًا من أبرز قادة القاعدة العسكريين، وإياد آغ غالي زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمالي. والمرجح أن اختيار زعيم جديد للقاعدة خلفًا لأيمن الظواهري من بين قادة الأفرع بمثابة خيبة أمل وخسارة كبيرة لطهران التي تطمح إلى تكريس هيمنتها على التنظيم، ومن شأنه نسف أحد النجاحات القليلة التي تحققت خلال مرحلة الظواهري والمتعلقة بالحفاظ على الشبكة العالمية للقاعدة.

مشاركة :