افتتحت دولة قطر في مارس 2019 متحفها الوطني، وهو حدث حظي باهتمام كبير من المهتمين بالتراث والتاريخ والثقافة، لكن المشهد الأكثر بروزا في هذا الحدث هو التصميم المعماري للمتحف الذي نفذه الفرنسي الشهير جان نوفيل. وبدى هذا التصميم الذي أتى على شكل وردة الصحراء أو زهرة الصحراء، وباللهجة المحلية “قحوف الرمل”، مثيرا للاهتمام إلى حد كبير. يظن البعض من اسمها أنها نبات، لكنها وردة لا رائحة لها ولا أشواك، بل هي تكوين صخري يتشكل من الحجارة الجيرية ويظهر تحت سطح الأرض ويدل على توفر المياه الجوفية. ونظرًا إلى ندرتها وأهميتها، أصبحت “وردة الصحراء” إحدى أبرز الأيقونات المعبرة عن التراث الخليجي والقطري، وبلغ الاعتزاز بها أن اتُخذت أساسا لتصميم المتحف الوطني، وهو الأكبر في قطر. المتحف على هيئة أقراص متشابكة بعضها رأسي يدعم المبنى، وبعضها أفقي يستند على غيره من الأقراص وتعد وردة الصحراء من التكوينات اللاأحفورية، وهو الاسم العام لمجموعة المعادن المتواجدة تحت رمال الصحراء وأكاسيد المعادن، والتي تكوّن تشكيلا بلوريا جيولوجيا مؤلفا من معدن الجبس والبارايت وحبيبات الرمل. وينتج هذا التشكل بفعل تبخّر المياه من السبخات الملحية الضحلة الممتدة على معدن الجبس لتصنع أشكالًا تشبه الورود. ولا تتكون تلك الصخور بين يوم وليلة، بل يستغرق تشكّلها زمنًا طويلًا يمتد إلى عقود وربما قرون. وقال الكاتب عبدالله بن لحدان المهندي، في تغريدة، إن “زهرة الصحراء في قطر أو القحوف كما يُطلق عليها محليا، تزين صحراء قطر وتعتبر إرثا طبيعيا”. وتابع المهندي، توجد وردة الصحراء في مناطق محددة، وبسبب مرور السيارات بشكل عشوائي تعرضت للدمار بنسبة 90 في المئة تقريبا. وأفاد بأنه يمكن المحافظة على المتبقي منها من خلال تسوير مناطق تواجدها وعمل زيارات سياحية وعلمية لها. شواهد من التاريخ شواهد من التاريخ وتباع وردة الصحراء في الأسواق المحلية التراثية في قطر، ويحرص الزائرون للبلاد على اقتنائها لتكون ديكورا للزينة داخل المنازل، حيث تُثبت على أشكال منقوشة. وقال فهد القباطي، صانع مجسمات جبسية في سوق واقف بالدوحة، “أصبحت وردة الصحراء بطبيعتها الغريبة محل اهتمام الجميع عند قدومهم إلى قطر، خاصة بعد افتتاح متحف قطر الوطني الذي استلهم تصميمه منها”. وأضاف، أن “السائح والزائر الأجنبي عند قدومه إلى السوق أول ما يبحث عنه هو هذه الوردة التي ينتابه الفضول لرؤيتها واقتنائها”. وأردف، “أصبحت وردة الصحراء أساسية لمن يريد أن يهدي أصدقاءه هدية من قطر.. ونقوم بعمل مجسمات ومغلفات لهذه الوردة للحفاظ عليها وتيسير اقتنائها”. ويُطل متحف قطر الوطني على كورنيش الدوحة، وراعى المصمم جان نوفيل في بنائه لهيكل المتحف أن يعكس الإرث الثقافي والحضاري للجغرافيا القطرية من خلال ظاهرة “وردة الصحراء” بأشكالها البلورية التي تشبه التفاصيل المعمارية الصغيرة، والتي تخرج من الأرض وتتشكل بفعل اجتماع الرياح مع المياه المالحة والرمال. وأتى المتحف على هيئة أقراص كبيرة متشابكة ذات أقطار ومنحنيات مختلفة، فبعضها رأسي يدعم المبنى، وبعضها أفقي يستند على غيره من الأقراص، وتشكل في مجموعها ما يشبه القلادة التي تحيط بالقصر التاريخي للشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني. أقراص تستند على بعضها أقراص تستند على بعضها ويتكون السقف من 76 ألف صفيحة، وتم تشكيل هذه الصفائح في أكثر من 3600 شكل وحجم مختلف، ليكون معبرًا عن معنى الشمول على المستوى العام، ويقدم في الوقت نفسه تجارب معمارية ومكانية وحسيّة على المستوى الفرديّ. وقال المعماري جان نوفيل “لقد استلهمت من وردة الصحراء فكرة مستقبلية، يمكن اعتبارها خيالية إلى حد ما، هذا المبنى يجسد أحدث التقنيات تماما مثل قطر، وردة صحراء تحفة معمارية كونتها الطبيعة عبر الرياح ورذاذ البحر وحبيبات الرمل منذ آلاف السنين، إنها هندسة طبيعية ملهمة”. وتشكّل صالات العرض في مجموعها ما يشبه الحلقة التي تحيط وتحتضن قلب متحف قطر الوطني المتمثل في قصر الشيخ عبدالله الذي أعيد ترميمه، ويتوسط حلقة صالات العرض فناء مركزي (حوش) يمثل ساحة خارجية للتجمع خلال الفعاليات الثقافية، ويتناغم طلاء السطح الخرساني للمتحف مع الصحراء القطرية، حيث يأخذ لونًا شبيهًا بالرمال، ليبدو المبنى وكأنه نبتًا خارجًا من الأرض ومتوحدًا معها، كما تُلقي أقراص المتحف الناتئة ظلالًا تقي الزائرين من حرارة الشمس وهم يترجّلون في الخارج، وفي الوقت نفسه توفر غطاءً لمن هم في الداخل لتقيهم من الحرارة، وعلى غرار التصميم الخارجيّ، يأخذ التصميم الداخلي شكل الأقراص المتشابكة بألوان محايدة أو أحادية اللون، وتأخذ الأرضيات لونًا شبيهًا بالرمال، أما الحوائط “الرأسية” فمطلية بجص تقليدي وجص ممزوج بالجير، وتتباين المساحات الداخلية في أحجامها بشكل ملحوظ، ما يمنح كل صالة عرض طابعًا خاصًا يختلف عن غيرها، ويضفي نوعًا من المغامرة ويعزز عنصر المفاجأة في رحلة الزائر داخل المتحف. وتحيط بالمتحف حديقة للعامة تمتد على مساحة 112 ألف متر مربع، وتعكس هذه المساحة البديعة التنوع البيئي والنباتي الأصيل في قطر، حيث تشمل ساحات تعليمية تفاعلية ترحب بالعائلات، وممرات للمشي، وبحيرة، وتنتشر فيها نباتات قطرية مقاومة للجفاف، وتوفر الحديقة للأطفال ساحة للعب والتعلّم واستكشاف جوانب مهمة من الحياة في قطر على غرار ما يتعلمونه داخل المتحف. ويقدم المتحف للباحثين والطلاب مركز أبحاث ومختبرات بحثية حديثة ومتخصصة بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى الأرشيف الرقمي.
مشاركة :