يعكس لجوء مواطن لبناني إلى احتجاز موظفين في أحد المصارف لساعات طويلة، من أجل الضغط للحصول على وديعته، حجم الاحتقان الذي يعصف باللبنانيين جراء المعالجات المالية للدولة والمصارف التي يتحملون هم وزرها. ويرى مراقبون أن إقدام المواطن على هذه المخاطرة، التي كان يمكن أن تنتهي بمقتله ومقتل عدد من الأبرياء، يعبر عن حالة من اليأس الشديد من سياسات الدولة ورعاتها، مشيرين إلى حجم الدعم والتعاطف الشعبي الذي لقيه هذا المواطن الغاضب. واحتجز مودع مسلح الخميس موظفي أحد المصارف في منطقة الحمرا المكتظة في بيروت، مطالبا بالحصول على وديعته من أجل علاج والده. إقدام المواطن على هذه المخاطرة، التي كان يمكن أن تنتهي بمقتله ومقتل عدد من الأبرياء، يعبّر عن يأس شديد وتضع البنوك اللبنانية قيودا على سحب أغلب المودعين للعملات الأجنبية خلال الانهيار المالي الذي تشهده البلاد منذ ثلاث سنوات، والذي دفع أكثر من ثلاثة أرباع السكان إلى الفقر. وفرضت قوات الأمن والجيش طوقا مشددا خارج مصرف “فدرال بنك”، ونجحت بعد ست ساعات من إقناع المودع الغاضب بفتح باب المصرف والإفراج عن الموظفين المحتجزين، وتسليم نفسه. وذكر شهود عيان أن المودع رفع يديه تحية عند خروجه من البنك برفقة قوات من شعبة المعلومات، فيما أفاد الصليب الأحمر اللبناني بعدم تعرض أي من الرهائن لسوء على ما يبدو خلال العملية. وقال مصدر أمني، طلب عدم الكشف عن هويته، في وقت سابق إن “المودع تمكن من دخول المصرف وبحوزته بندقية.. ومواد ملتهبة، مهددا الموظفين ما لم يحصل على أمواله”. وبحسب مصدر أمني ميداني، “سكب الرجل وهو في الأربعينات من عمره مادة البنزين في أرجاء المصرف، وأغلق مدخله محتجزا داخله الموظفين”. ويطالب المودع، وفق المصدر، بالحصول على وديعته التي تفوق قيمتها مئتي ألف دولار أميركي. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن المودع “هدّد بإشعال نفسه وقتل من في الفرع، كما أشهر سلاحه في وجه مدير الفرع”. وقالت الوكالة إنه برّر دخوله إلى المصرف بهذه الطريقة كون والده “دخل إلى المستشفى منذ فترة لإجراء عملية من دون أن يستطيع دفع تكاليفها”. وصرح عاطف الشيخ حسين، شقيق المسلح، لصحافيين خارج المصرف، “لشقيقي 210 آلاف دولار مع المصرف، ويريد الحصول على 5500 دولار لدفعها للمستشفى”. وقال إن السلاح الذي بحوزته “أخذه من داخل المصرف ولم يحضره معه”، مضيفا “لا يهمّ أن يدخل السجن، لكن المهم أن نفكّ ضيقتنا” المادية. وعلى إثر انتشار خبر الاحتجاز، تجمعت حشود خارج البنك وردد الكثير منهم هتافات مثل “يسقط يسقط حزب المصرف”. الإجرام يعصف بلبنان جراء الأزمة الاقتصادية والمالية الإجرام يعصف بلبنان جراء الأزمة الاقتصادية والمالية وصرخ رجل يرتدي قميصا مخططا وقبعة “نحن مودعين بدنا مصرياتنا، نحن معه ومستعدين نساعده حتى، نحن كلنا مودعين”. ويرى المراقبون أن ما جرى يشكل رسالة إنذار للنخبة الحاكمة في البلاد، وأن ما حصل قد يتكرر مجددا ولن يكون مجرد تحرك فردي بل وبنسق جماعي، في ظل يأس متزايد من استعادة المودعين لأموالهم. ويشهد لبنان الغارق في أزمة اقتصادية خانقة منذ خريف العام 2019 صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حوادث مماثلة مع فرض المصارف قيودا مشددة على سحب الودائع خصوصا بالدولار. وجعل ذلك المودعين عاجزين عن التصرّف بأموالهم، خصوصا بالدولار، بينما فقدت الودائع بالعملة المحلية قيمتها مع تراجع الليرة أكثر من تسعين في المئة أمام الدولار. وشهدت قاعات الانتظار في المصارف خلال العامين الماضيين إشكالات متكررة بين مواطنين غاضبين راغبين بالحصول على ودائعهم وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم. وقال نقيب موظفي المصارف جورج الحاج أثناء وجوده خارج المصرف “يريد المودع وديعته، وللأسف يفجّر غضبه بموظف المصرف لأنه الشخص الذي يجده أمامه، بينما لا يستطيع الوصول إلى الإدارة”. وأضاف “هذه ليست أول حالة، تتكرر الحوادث المماثلة وتحتاج الأمور حلا جذريا غير متوفر في الوقت الراهن”. وأعرب رئيس حزب التوحيد العربي الديمقراطي وئام وهاب، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، عن تضامنه مع المواطن الغاضب، داعيا إلى عدم اعتقاله، مضيفا في تغريدته “على القوى الأمنية والقضاة امتلاك الجرأة واعتقال سارقي الناس وليس المسروقين”. وفي ظل انقسام سياسي يحول دون اتخاذ خطوات بناءة لوقف الانهيار الذي لم توفّر تداعياته أي قطاع أو شريحة اجتماعية، يصدر مصرف لبنان بين الحين والآخر تعاميم لامتصاص نقمة المودعين، تسمح لهم بسحب جزء من ودائعهم بالدولار ضمن سقف معين، من دون إيجاد حلول جذرية تمكن المودعين من استعادة أموالهم.
مشاركة :