ميانمار في عزلة متزايدة

  • 8/13/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تنتقل ميانمار من أزمة إلى أخرى منذ أن استولى الجيش على السلطة بعد اعتقال الزعيمة المنتخَبة أونج سان سو كي ومسؤولين رفيعين آخرين قبل ثمانية عشر شهرا. الاستيلاء على السلطة جاء نتيجة إحساس متزايد بانعدام الأمن داخل الجيش وشعور بأن شوكة القوى الديمقراطية أخذت تتقوى على حساب الجيش وصلاحياته الواسعة. وأدى الانقلاب إلى احتجاجات مدنية عمت مختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى تشكيل مجموعات مسلحة تحارب مع الجيش الذي رد بيد من حديد. ولكن بموازاة مع هذه التطورات، يجد جيش ميانمار نفسه معزولا بشكل متزايد. هذه العزلة كانت واضحة خلال أحدث اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» التي تنتسب إليها ميانمار. فخلال اجتماعهم الأخير، وافق وزراء خارجية «آسيان» على منع جنرالات ميانمار الحاكمين من حضور مزيد من اجتماعات «آسيان» إلى حين تعاون نظام ميانمار بخصوص مخطط عمره 15 شهرا كانوا قد تعهدوا فيه بمعالجة الأزمة التي تسبب فيها الانقلاب العسكري. ذلك أن زعيم الانقلاب الجنرال مين أونج كان قد وافق في أبريل من العام الماضي على مخطط يدعى «اتفاق الخمس نقاط» الذي تم الاتفاق عليه مع قائد الجيش. وكان المخطط ينص على إنهاء الحكام العسكريين العنف في البلاد بشكل فوري، وإطلاق حوار مع كل الأطراف، وتعيين مبعوث خاص، وأن توفّر «آسيان» مساعدة إنسانية وتسمح للمبعوث الخاص بالالتقاء مع كل الأطراف. ولكن النظام يرفض الآن الالتزام بأي من النقاط سالفة الذكر، وعمد بدلاً من ذلك إلى إطلاق عملية على الصعيد الوطني للضغط على المعارضة. ووفق الأرقام المتوفرة، فإن 2158 شخصا قُتلوا حتى الآن منذ الانقلاب. على أن هذا لا يشمل إعدام أربعة سجناء سياسيين الشهر الماضي، وهو ما شكّل صدمة للمجتمع الدولي. الأشخاص الأربعة المطالبون بالديمقراطية شُنقوا على الرغم من الضغط الدولي، إذ بدأت حتى الدول التي كان تنحاز تقليدياً إلى صف النظام العسكري الحاكم تعبّر عن انزعاجها وقلقها إزاء التطورات التي تعرفها البلاد. كما نُظمت احتجاجات من قبل ميانماريين في بلدان من الولايات المتحدة إلى تايلاند. وقدّمت فرنسا وألمانيا احتجاجات دبلوماسية، بينما ندّد أعضاء مجلس الأمن الدولي بالإعدامات، بما في ذلك الصين وروسيا. وردا على ذلك، أعلن الحكام العسكريون عن تمديد حالة الطوارئ في ميانمار لستة أشهر أخرى. العزلة الدولية لن تفيد الحكام العسكريين في شيء، وخاصة في وقت أخذت فيه بلدان إقليمية مثل تجمع «آسيان» تتعامل فيه بحزم وصرامة مع ميانمار. وإذا كانت مواقف «آسيان» تتسم عادة بالانقسام حول العديد من المواضيع، فإن التطورات التي عرفتها ميانمار مؤخرا جعلت حتى بلدانا مثل كمبوديا، التي كانت تدعم الجيش من قبل، تشدد على ضرورة تنفيذ أجندة الخمس نقاط. غير أنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن النظام العسكري مستعد للإصغاء على الرغم من العزلة الدولية. بل هناك تقارير تفيد بأن الجيش يخطط لتشديد قبضته أكثر على السلطة عبر تعديل «قانون تسجيل الأحزاب السياسية»، وذلك لضمان ألا تؤول نتائج الانتخابات لأي حزب بعينه وألا يحقق أي من الأحزاب انتصارا كاسحا. ويذكر هنا أن سو كي كانت قد فازت فوزا كاسحا مرتين في 2015 و2020. ومما لا شك فيه أن ميانمار باتت تجد نفسها معزولة على الساحة الدولية في وقت تشهد فيه أزمة إنسانية أيضا. فمنذ الانقلاب، فرّ أكثر من 50 ألف لاجئ من ميانمار إلى تايلاند وبلدان مجاورة أخرى. ونزح أكثر من مليون شخص من مناطقهم في وقت يتفشى فيه الفقر عبر البلاد. وعلى كل حال، فإن جنوب شرق آسيا يقع وسط تنافس بين الصين والولايات المتحدة، انقسام ما فتئ يتسع أيضا بسبب الأزمة الأوكرانية. والواقع أن «آسيان» كانت تشعر دائما بثقل هذا التنافس. وقد دعا وزراء خارجية «آسيان» جميع الأطراف إلى ممارسة «الحد الأقصى من ضبط النفس، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، والتمسك بالمبادئ التي تضمنّها ميثاق الأمم المتحدة و«معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا». كما التقى وزراء خارجية «آسيان» مع وزير الخارجية الصيني الأسبوع الماضي، لقاء شدّد خلاله وانج يي على جهود بلاده لتطوير علاقات متينة مع بلدان جنوب شرق آسيا. وعليه، فمن الواضح أن تكتل«آسيان» لديه الكثير من العمل الذي ينتظره في وقت لا تبدي فيه الأزمتان مؤشرات على انفراج قريب. * رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي

مشاركة :