حمادة فراعنة كان يمكن بقاء الفحيص قرية وادعة تقطنها السكينة، والخضوع لأجراس الكنائس وأذان المساجد، تحزن على أرضها المخطوفة من قبل مصنع الإسمنت، تستكين بما شاء لها، لكن عناد أهلها وشبابها وصباياها المسكونين بالحيوية والمواطنة والتعددية والتطلع إلى الأفضل، نجحت في أن تصنع لنفسها تميزاً وبهجة، رافضة أن تكون بلا رصيد، او ان تبقى بلا شموع مضيئة متجددة. أصرت الفحيص أن تكون في المقدمة، حضوراً وإبداعاً وطليعة، ليس فقط على جدول الاهتمام البرنامجي الأردني، بل وطنياً وقومياً وحتى عالمياً، ولولا مأزق المال وشح الموارد لقفزت كي تكون في مستوى العالمية في تنوع ما تقدمه، وتنافس أي عنوان من عناوين البهجة والفرح الفني الثقافي المماثل . نشاطاتها وبرامجها السنوية لا تعني جلب فنانين عرب وأجانب على أهمية مشاركتهم ودعوتهم، بل خياراتها الأردنية تشكل عامل جذب واهتمام، لكل من يرغب ويسمع عن الأردن، والأردن مع الأسف متواضع في تسويق نفسه، رغم امتلاكه النوعي لمقومات وعناوين تراثية تفتقدها بلدان العالم: البحر الميت، البتراء، المدن الرومانية المنتشرة، تراث السيد المسيح وأتباعه، أضرحة ومساجد الصحابة وما أكثرها، رم وطبيعتها الخلابة، ومع ذلك أخفقنا لأن نكون رقماً سياحياً متقدماً بين بلدان العالم. أيمن سماوي مبدع، يُواصل مع رفاق نادي الفحيص ولجنته الثقافية، وياسر عكروش وتفانيه، مع عمدة الحارة، القرية، المدينة، عمر عكروش كحاضنة للمسيحيين والمسلمين، للأردنيين والفلسطينيين، للحضر والفلاحين، للشباب والصبايا، بمباهاة وفخر وتواضع، على قاعدة الشراكة، وعذوبة العلاقة، وعمق الاحترام. يكرمون معروف البخيت، بما يليق به، يتذكرون الذات المهذبة الراحل جريس سماوي الشاعر والوزير ابن الفحيص، ويزهون به، وشخصية المهرجان: حديثة علي عبدالله الخريشا فيحيا بهم رغم غيابه، أما ساحة دار حمزة فتقدم كل يوم وجبة أردنية من المطبخ الشعبي: كشري مع حمزة والموسيقى، سهرة غنائية مع الفنان المبدع المميز ينال المصري، جعاجيل مع فرقة مد الله المناجعة الحويطي، مقرطة مع الفنان أيمن الفرد، مشوط مع خيارات متعددة، مردودة مع عازف الربابة يوسف الفيومي وعازف الربابة شحادة حتر، طريقة صنع الجميد والسمن البلدي مع فرقة جامعة الاستقلال الفلسطينية، والمنسف والفطيرة مع مسرحية كارتير من إخراج وعراقة مجد القصص. الفن والطرب له مكانته، من أجل انتصار الفرح، رفضاً للوجع والغضب وسوء الحال، عبر برامج متنوعة بدءاً من أوبريت أرض السالم الغنائي، وأداء فرقة جامعة الاستقلال الفلسطينية الاستعراضي، وليلة مصرية من دار الأوبرا مع مروى ناجي، آيات فارق، وليد حيدر و محمد حسن، و مع جورج وسوف وعامر العجمي من سوريا، وراغب علامة، وملحم زين، ومعين شريف من لبنان، ومن فلسطين مع دلال أبو آمنة ومحمد عساف ، و مع جهاد سركيس، وباسل جريسات، وماجد زريقات، وديانا كرزون، وعطا الله هنديلة، ومصعب الخطيب، وحمدي المناصير، ومحمود سلطان، وفوز شقير من الأردن، وأمسيات قصصية وشعرية أردنية وعربية من الكويت والإمارات ومصر ولبنان. خلطة فنية ثقافية تراثية حضارية، أداء رفيع، مغلف بطموح عالي المستوى، ومزيج أردني عربي واسع تجعل من المحطة الثلاثينية خطوة اضافية تسجل لمهرجان الفحيص لأن يكون مميزاً، يتوسل التفوق على ما مضى، ويفرض التحدي على ما هو مقبل. أبناء الفحيص يُخلدون ذواتهم، وبلدتهم، يساهمون بوضع الأردن على خارطة نتوق لها ونتلهف، بإمكانات مالية متواضعة، وتطوع مجاني ملموس، ورفقة عميقة سيخلدها الزمن، ونهتف لتبقى الفحيص في القلب والذاكرة، بشمعتها الثلاثين وشموعها المقبلة على الفرح والحياة، وللأردن الذي نتمناه ونزهو به
مشاركة :