أشار كتّاب وأدباء عرب إلى أن أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان، تعود إلى التلاعب بمفاهيم الديمقراطية الحقيقية ومحاولة الأفراد وشركات العولمة والدول الغربية أن تستغل الآخرين تحت أقنعة الديمقراطية وحقوق الإنسان للسيطرة على ثروات المنطقة، مشددين على أحقية المجتمعات العربية في ممارسة حريتها نظرياً وعملياً، في وقت تعيش مرحلة حاسمة تحتاج إلى إرادة قوية لتطبيق الديمقراطية. جاء ذلك خلال الجلسة الثالثة من ندوة أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان على هامش المؤتمر السادس والعشرين لمؤتمر الأدباء والكتّاب العرب، وأدارها الإعلامي سعيد حمدان، وشارك فيها كل من الدكتور ريمون غوش أمين الشؤون الداخلية في اتحاد الكتّاب اللبنانيين، والناقد والأديب التونسي الدكتور مصطفى الكيلاني، والدكتور طلال الرميضي أمين عام رابطة الأدباء الكويتية، بحضور عدد من الكتّاب العرب. قدم د. غوش بحثاً تحدث فيه عن اضطراب مسألة المفاهيم مع التطور الهائل للعلم بالرغم مما قدمه من إيجابيات على مستوى التلاقي والتفاعل بين الأفراد والشعوب والأجناس والأعراق، إلا أن شركات العولمة استغلت هذا التطور العلمي وراحت تطيح مفهوم الدول والدساتير والقوانين لكي تخلق فوضى خلاقة من أجل السطو والسيطرة واستعمار الدول الضعيفة ومنها العالم العربي، فرفعت شعارات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والطفل والحرية والمرأة وكبار السن.. إلخ، وتحت هذه الشعارات يتم السيطرة على المنطقة. ورأى غوش أن شركات العولمة استغلت التطور العلمي وجاءت لتفتيت المنطقة مذهبياً وافتعال الحروب، ولم تعد تهتم كثيراً في أن يكون لديها مجتمعات استهلاكية، وإنما خطط للسطو على خيرات المنطقة ونهبها، في ظل تقاطع مصالحها مع الصهيونية، لضرب المنطقة وسائر العالم كأمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية، وبدل قيم الحق والخير والجمال يتلمسون مبادئ المال والسلطة في كل اتجاه، مضيفاً شعوبنا أبدعت مفاهيم الحق والجمال ولا نستطيع أن نتخلى عن هذه المفاهيم مهما اشتدت علينا الضغوط ومهما كابدنا من مذلات وحروب وتفتيت، سنقاوم لأن تاريخنا يمتد منذ آلاف السنين، فلا أحد يستطيع اقتلاعنا أو تفتيتنا، وعلى الرغم من المحن التي نعيشها إلا أننا سنقوم من تحت الرماد من أجل مواصلة الحياة والحرية في كل اتجاه. وقال غوش مع العولمة، أصبحت الحريّة تتمتّع بسلطة كبرى وتفرض نفسها على الشعوب عن طريق دفع الأفراد إلى اختيار السلع التي تروّج لها وسائل الإعلام والإعلانات على أنواعها، لم تعد الحريّة مرتبطة بالفضيلة أو المعرفة كما هي عند فلاسفة العهد السقراطي، كما لم يعد هدفها المحافظة على عصاميّة الأفراد وأخلاقهم وطرق عيشهم، بل أصبحت تحرّراً من أيّ قيود وضوابط وسلوكات، وهو الذي دفع المجتمعات العربية إلى دروب الاستهلاك، وهنا تصبح الحريّة نسبيّة ولا يحقّ لأحد أن يحدّدها. وقدم د. الكيلاني ورقة بعنوان عن أي حرية، وعن أي حق نتحدّث اليوم؟، في أحوال الأفراد ووقائع الأوطان، وأشار في مداخلته إلى أن القضايا المطروحة حول الديمقراطية ومفاهيمها تستدعي إرادة فاعلة لأن القضايا العربية لم تعد تنتظر الإرجاء والتأجيل، وأن التقدم النهضوي ممكن إذا قررنا العزم على ذلك، موضحاً أن ممارسة الحرية تستدعي مراعاة خصوصيات البلدان العربية، مشدداً على أحقية المجتمعات العربية في ممارسة حريتها نظرياً وعملياً، ليس فقط الحرية الطبيعية، بل فتح مفاهيمها على ما هو مدني وعملي لتنضم إلى ركب الحضارة الإنسانية وتكون من الصنّاع الفاعلين في الحياة الإنسانية الراهنة. وأشار د. الكيلاني إلى أن المجتمعات العربية تعيش مرحلة انتقالية بين نوعين من الديمقراطية، وهما الديمقراطية الانتخابية والتي يمكن أن تتقدم بالشعوب وتجعلها تخرج من سياق الماضي إلى الراهن والمستقبل، والديمقراطية التشاركية التي تقوم على مشاركة كل أبناء البلد الواحد في القرار ، وهذا يستدعي مراجعة للتعليم وسياسة التثقيف، لافتاً إلى أن المشكلة لا تطرح في طبيعة النظام سواء كان ملكياً أم جمهورياً، وإنما في إرادة تطبيق الديمقراطية. وشخّص د. الكيلاني الواقع السياسي العربي الذي يعيش من وجهة نظره حرية محاصرة، وفوضى سائبة، وديمقراطية مغشوشة. بدوره تطرق د. الرميضي إلى الحقوق والحريات في التجربة الكويتية والدستور الكويتي، معرّجاً على بدايات المجتمع الكويتي واهتمامه بموضوع الشورى، وغيرها من العناصر المهمة كإتاحة حرية إبداء الرأي واتخاذ القرار، حتى أصبح المجتمع الكويتي مجتمع مؤسسات وتشريعات، منوهاً بأنه بعد استقلال الكويت عام 1961، واصلت التشريعات الجديدة على تأكيد ما اعتاد عليه الأجداد الأوائل من مفاهيم عامة مترسخة فيهم، توارثوها أباً عن جد، منوهاً بالدستور الذي تم سنّه في عام 1962م والذي يعتبر من أحدث الدساتير العربية وأكثرها عمقاً وتطوراً في مفاهيم حقوق وحريات الإنسان، وجاء العديد من مواده لتؤكد ما نصت عليه القوانين وما ترسخ في المجتمع الكويتي، وبالاطلاع على نماذج من النصوص الدستورية نتلمس حرص المشرّع الدستوري على تأكيدها وسط مواد جامعة ومانعة للتأويل والتفسير. وبين د. الرميضي الجوانب المضيئة في الحراك الثقافي الكويتي حيث يتمتع المجتمع هناك بالحرية وحقوق الإنسان التي يتمتع بها أيضاً المقيمون، متناولاً وجوهاً عدة من الحريات ومنها حرية الاعتقاد التي هي صورة من صور حرية الرأي.
مشاركة :