محمد كركوتي يكتب: «معمعة» الطاقة في أوروبا

  • 8/15/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مع حزم تقنين الطاقة في أوروبا التي بلغت أشكالاً غير مسبوقة، يستعد الاتحاد الأوروبي لتفاقم جديد في أزمة الطاقة بحلول فصل الشتاء المقبل. يمكنك بالفعل رؤية علامات الخوف في الشارع الأوروبي. فحتى خلال فصل الصيف الحالي الذي عده المراقبون الأشد حرارة في هذه القارة منذ بداية تسجيل مؤشرات المناخ، تطلب مزيداً من الطاقة، لكسر حرارته القياسية عبر استخدام المبردات المختلفة. ماذا حدث؟ فرضت السلطات في إسبانيا (مثلاً) درجة معينة لحرارة المكيفات في المنازل والمحلات تحت طائلة المسؤولية والغرامة. وأعلنت فرنسا فرض 1000 يورو كغرامة على أي محل تجاري يستخدم المكيفات، ولا يغلق أبوابه جيداً، للحفاظ على الحرارة! وخفضت ألمانيا تذاكر وسائل النقل بنسبة 90% لتشجيع السكان على ترك سياراتهم في منازلهم، توفيراً للوقود. التقنين في مجال الطاقة أصاب كل شيء في أوروبا، لكنه طرح سؤالاً مهماً لم يجب عليه أي مسؤول في الاتحاد الأوروبي حتى اليوم. هل يُعقل عدم وجود استراتيجية طاقة أوروبية مستدامة؟! أظهرت الحرب في أوكرانيا، أن الاتحاد الأوروبي لم يقم في العقود الماضية بأي خطوة عملية لبناء استراتيجية عميقة في هذا المجال. فجأة صار تحت رحمة قرارات صادرة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقلب موازين الإمدادات للأوروبيين، سواء عبر وقف بعض هذه الإمدادات لأسباب تتعلق بـ«الصيانة»، أو دفع ثمن الطاقة بالروبل الروسي، أو إغلاق خط الغاز الهائل بين بلاده وألمانيا «نورد ستريم» فترات متقطعة، علماً بأن البدائل المتوافرة تحتاج لمدد طويلة تعد بالسنوات لكي تصبح أكثر استدامة. لا شك في أن أزمة الأوروبيين على صعيد الطاقة تكمن أساساً في الاعتماد بنسبة كبيرة من احتياجاتهم على جهة واحدة كروسيا. والسبب التقليدي المعروف في ذلك، هو رخص هذه الطاقة الآتية من هذا البلد، مع غياب شراكات طويلة الأمد بين العواصم الأوروبية الرئيسية وموسكو، ناهيك عن الشك الغربي المتواصل في القيادة الروسية، ما وضع عقبات إضافية في طريق بناء هذه الشراكات الضرورية لكلا الطرفين. فعلى سبيل المثال استوردت أوروبا في الشهر الذي أعقب اندلاع الحرب في أوكرانيا ما قيمته 18.7 مليار دولار من الغاز الطبيعي والنفط والفحم، وزخم هذه الواردات لم يتراجع حتى في عز استفحال الحرب المشار إليها، باستثناء القرارات التي تتخذها موسكو من جانب واحد فيما يتعلق بخفض التوريد لأسباب سياسية في الدرجة الأولى. ليس مهماً ما اقترحته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بشأن مواجهة أزمة إمدادات الطاقة على الساحة الأوروبية، بما في ذلك خفضاً طوعياً بنسبة 15% في استهلاك الغاز، والذي يمكن أن يتحول إلى خفض إلزامي، إذا ما فشلت الإجراءات الطوعية. المهم في كل هذه المعمعة أن يسرع الاتحاد الأوروبي في بناء استراتيجية طاقة مستدامة جديدة، لا تشبه تلك التي اعتمد عليها منذ تأسيسه وتوسعه الجغرافي والاقتصادي والبشري. لن تنفع سياسة «الترقيع» في مسألة تدخل ضمن نطاق الأمن القومي.

مشاركة :