تحاول تركيا تقديم نفسها كجسر بين روسيا والغرب، بينما تشتعل الحرب في أوكرانيا، وقد تساعد مثل تلك السياسة الخارجية أنقرة في تحقيق بعض أهدافها الجيوسياسية ليس فقط في منطقة البحر الأسود، ولكن أيضا في الشرق الأوسط وفي جنوب القوقاز. وسافر الرئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي إلى منتجع سوتشي الروسي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقد التقى الزعيمان قبل ذلك بـ17 يوما فقط في طهران، حيث تناقلت الأنباء أن أردوغان سعى للحصول على الضوء الأخضر من روسيا وإيران لشن “عملية عسكرية خاصة” في شمال سوريا. وفي مدينة سوتشي، كانت الأمة التي مزقتها الحرب على جدول الأعمال مرة أخرى. وقال الرئيسان في بيان مشترك عقب اجتماع استمر أربع ساعات إن بوتين وأردوغان شددا على “الأهمية الأساسية للعلاقات المخلصة والصريحة والموثوقة بين روسيا وتركيا في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي” كما تم التأكيد على أهمية الحفاظ على الوحدة السياسية وسلامة الأراضي السورية. ويتساءل الكاتب و المحلل السياسي الصربي نيكولا ميكوفيتش “هل يعني ذلك أن تركيا لن تغزو سوريا مرة أخرى، وستتخلى عن طموحاتها بإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترا في شمال سوريا على طول الحدود التركية؟”. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يضطر في النهاية إلى تقديم بعض التنازلات لعدوه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودعا الكرملين أنقرة قبل الاجتماع إلى “تجنب زعزعة استقرار” سوريا، مشيرا إلى أنه من المهم جدا “عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها تعريض السلامة الإقليمية والسياسية لسوريا للخطر”. وتعتبر تركيا المسلحين الأكراد في شمال سوريا تهديدا أمنيا كبيرا بينما تدعم روسيا الرئيس السوري بشار الأسد. وطرح نيكولا ميكوفيتش سؤالا بشأن إمكانية قيام أنقرة بمجازفة في الملف السوري، حيث قال ماذا لو جازفت أنقرة، وحاولت إجبار موسكو على تقديم تنازلات لها في ما يتعلق بسوريا؟ وأضاف الكاتب “على سبيل المثال، بدلا من زعزعة استقرار سوريا، يمكن لتركيا أن تزعزع بشكل غير مباشر استقرار الحليف الاعتباري لموسكو في منطقة القوقاز وهي أرمينيا، حيث شهدت منطقة ناغورني قرة باغ المضطربة في أذربيجان بعض التصعيد، وهي المنطقة التي يتواجد فيها ما يقرب من 2000 جندي لحفظ السلام من روسيا. واتهمت وزارة الدفاع الأذرية قوات ناغورني قرة باغ المدعومة من أرمينيا باستهداف مواقع جيشها في منطقة لاتشين الخاضعة لإشراف قوة حفظ سلام الروسية، بعد ذلك ورد أن أذربيجان، الغنية بالنفط والغاز، سيطرت على عدة مواقع استراتيجية في المنطقة الجبلية. ويؤكد الكاتب أنه بالنظر إلى أن موسكو لا تزال منشغلة بأوكرانيا، فمن غير المرجح أن تتمكن من مساعدة أرمينيا في حال أدى ذلك إلى تصعيد في جنوب القوقاز، ومن ناحية أخرى، تدعم تركيا أذربيجان بكل ما لديها من قوة، حيث أقام البلدان علاقات تحالف في عام 2021، مما يعني أن أنقرة يمكن أن تستخدم نزاع ناغورني قرة باغ الذي لم يتم حله للضغط على الكرملين لتجاهل الإجراءات التركية المحتملة في شمال سوريا. ماذا لو جازفت أنقرة، وحاولت إجبار موسكو على تقديم تنازلات لها في ما يتعلق بسوريا؟ وقال الكاتب “وفق المنظور التركي، فإن مثل تلك الخطوة ستوضح تماما مدى ضعف الكرملين في سوريا وجنوب القوقاز، وفي الوقت نفسه، سيُظهر بوضوح أن موسكو ستواجه صعوبة بالغة في الحفاظ على نفوذها في كلا المنطقتين”. ويبدو أن بوتين تحت رحمة أردوغان بسبب عزلة روسيا عالميا، مما يعني أن الزعيم الروسي قد يضطر في النهاية إلى تقديم بعض التنازلات لعدوه. ويشير الكاتب إلى أن أردوغان يمكن أن يستخدم بوتين كمصدر للضغط على الولايات المتحدة، وبحسب ما تناقلته الأنباء فقد قال الرئيس التركي، إن بوتين اقترح إنشاء مصنع مشترك في روسيا لتصنيع طائرات عسكرية دون طيار، ولكن استبعد هالوك بيرقدار وهو الرئيس التنفيذي لشركة “باكر” التركية التي تنتج طائرات دون طيار متطورة، إمداد روسيا بطائرات دون طيار من “باكراكتار”. وأوكرانيا تستخدم حاليا طائرات دون طيار من طراز “باكراكتار” ضد القوات الروسية. ونفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن يكون بوتين وأردوغان قد ناقشا قضية الطائرات دون طيار خلال قمة سوتشي، على الرغم من أنه قال سابقا إن الزعيمين سيناقشان التعاون العسكري التقني. ويضيف “سواء تحدث الزعيمان عن طائرات بيرقدار دون طيار أم لا، وهي الطائرات التي أثبتت فعاليتها في سلسلة من الحروب الأخيرة، فمن المحتمل أن أردوغان كان يوجه رسالة إلى واشنطن مفادها: إذا واصلت معارضة خططنا لمحاربة وحدات الحماية الشعبية (واي.بي.جي) التي يهيمن عليها الأكراد في شمال سوريا، فقد نبيع طائرات دون طيار لروسيا، أو نبني شركة مشتركة لتصنيع الطائرات دون طيار مع موسكو. ولكن سيكون لمثل هذا الإجراء تداعيات هائلة على عضوية تركيا في الناتو، لاسيما بالنظر إلى أن شراء أنقرة لأنظمة أس – 400 الروسية المضادة للصواريخ في عام 2019 والتي كان له تأثير خطير على علاقاتها مع واشنطن. ولهذا السبب من غير المرجح أن يخاطر أردوغان بأي مواجهة إضافية مع الولايات المتحدة، وسيواصل محاولة موازنة تحالف تركيا مع واشنطن وتعاونها الاقتصادي مع روسيا. الكرملين يمكن أن يصبح بسبب عزلته وحربه في أوكرانيا، الشريك الأصغر لتركيا في رقصة التانغو الجيوسياسية ولم تنضم أنقرة إلى العقوبات الغربية على عكس حلفاء الناتو الآخرين، كما أنها لا تنوي التوقف عن شراء الطاقة الروسية، وعلاوة على ذلك، اتفق بوتين وأردوغان على أن تبدأ أنقرة بسداد مدفوعات الغاز الطبيعي لموسكو بالروبل، وفقا لنائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك. وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت بلومبيرغ أن شركة روساتوم الروسية العملاقة للطاقة النووية حولت مؤخرا حوالي 5 مليارات دولار إلى شركة تابعة في تركيا لبناء محطة للطاقة النووية بقيمة 20 مليار دولار في مقاطعة مرسين في البلاد، على الرغم من وجود العقوبات. ومن المتوقع أن تنتج محطة أكويو النووية ما يصل إلى 10 في المئة من كهرباء تركيا بمجرد تشغيل جميع المفاعلات الأربعة في عام 2023. ويختم الكاتب قائلا “على الرغم من أن أنقرة لا تزال واحدة من أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، فمن شبه المؤكد أنها ستحافظ على استقلالية كبيرة في ما يخص سياستها الخارجية، وستواصل تطوير العلاقات النفعية مع روسيا، وسيسمح مثل هذا الموقف التركي لموسكو بالبقاء كلاعب إقليمي حتمي، على الأقل في الوقت الحالي”. ويمكن أن يصبح الكرملين، بسبب عزلته وحربه في أوكرانيا، الشريك الأصغر لتركيا في رقصة التانغو الجيوسياسية التي ترقص فيها موسكو وأنقرة من الشرق الأوسط، إلى القوقاز إلى منطقة البحر الأسود ووصولا إلى آسيا الوسطى.
مشاركة :