طوال فصل الصيف، وبلا كلل أو ملل، ظل زوج من الروبوتات يقطف ثمار الفراولة داخل حقل كائن على مشارف مدينة سانتا ماريا، بولاية كاليفورنيا الأميركية. ويدور كل روبوت، وهو من إنتاج شركة تسمى (تورتوجا أيه.جي.تك) بولاية كولورادو، على عجلات متينة بين المصاطب المرتفعة للنباتات، ثم يتوقف أمام إحداها وتقوم ذراع مفصلية بتحريك مجموعة أجهزة الاستشعار الخاصة بها، للمناورة بين أوراق النباتات، ثم يقوم البرنامج الخاص الذي يساعد الآلة على الرؤية بفحص بيانات جهاز الاستشعار بحثا عن الثمار الناضجة. وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أن معظم براعم نباتات الفراولة في كاليفورنيا تتفتح باستمرار على مدار الموسم، وتظهر بين الأوراق ثمار صغيرة من الفراولة الخضراء، جنبا إلى جنب مع الثمار الحمراء الممتلئة والناضجة، وإذا قابل الروبوت ثمارا غير ناضجة، فإنه يعيد تمركزه للحصول على زاوية أفضل للرؤية. ثم تقوم آلة مخصصة للالتقاط مثبتة في منتصف جهاز الاستشعار، بقطف ثمرة الفراولة ووضعها بعناية بالغة داخل سلة بلاستيكية بغرفة في قاعدة الروبوت، وهذه الحركة تستدعي إلى الذهن صورة طائر يقوم باصطياد الحشرات التي يتغذى بها، حيث ينظر إليها أولا ثم يلتقطها بمنقاره. على المدى الطويل سوف تصبح الروبوتات القادرة على العمل في المزارع، عنصرا أساسيا ويتمثل العرض الذي قدمته الشركة المنتجة “تورتوجا” في نموذج اشتراك يحملها سعرا ثابتا لكل صندوق من الفراولة يقوم الروبوت بجمعه، بما يمثل قيمة مماثلة للأجر الذي يحصل عليه العامل البشري، وبعكس هذا العامل، لا يحتاج الروبوت الذي تنتجه الشركة إلى فترات راحة، كما أنه لا يتعرض للمرض، وهو على استعداد دائما للعمل طوال النهار إلى أن يحل الليل. غير أن الفريق المشرف على أعمال شركة تورتوجا، بالإضافة إلى عدد من الخبراء القدامى في مجال زراعة الفراولة في كاليفورنيا، وهي نشاط تجاري تبلغ استثماراته ملياري دولار، يرون أن الروبوتات الزراعية لها فائدة تتجاوز مجرد كونها آلات موفرة لتكلفة العمالة وزيادة هامش الربح للمزارعين، فهم يرون أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يتكيف بها هذا المجال ويواصل نشاطه، حيث تقف زراعة الفراولة عند مفترق الطرق في مواجهة العديد من المشكلات، من بينها التغير المناخي، وحقوق المياه للمزارعين، والمتاعب العمالية وطرق استخدام الأراضي، وتنظيم استخدامات المواد الكيمياوية وفي مكافحة الآفات. ويقول إريك أدامسون المؤسس المشارك لشركة تورتوجا والرئيس التنفيذي لها “إنني أكرس حياتي كلها الآن لمحاولة جعل أنظمتنا البشرية أكثر مرونة وقوة”. ويعرب عن اعتقاده بأن الشركة على المدى القصير تثبت أن الروبوت الذي أنتجته يخفض التكلفة، ويلبي احتياجات المزارع الموجودة، ومع هذا الدليل تعتزم الشركة التوجه إلى المستثمرين لتشجيعهم على ضخ المزيد من الأموال، وجمعت الشركة بالفعل 28 مليون دولار منذ تأسيسها عام 2016، كما تعتزم “إنتاج الآلاف من الروبوتات المماثلة”. كما يعتقد بأنه على المدى الطويل سوف تصبح إمدادات الروبوتات القادرة على العمل في المزارع، عنصرا أساسيا في مستقبل لن تصبح فيه زراعة الفراولة نشاطا مرادفا لساحل كاليفورنيا ومرتبطا به، وهو المكان الذي تتم فيه زراعة ما نسبته 90 في المئة من إجمالي إنتاج الفراولة في الولايات المتحدة. Thumbnail وتعد الفراولة واحدة من أكثر المحاصيل التي تزرع في ولاية كاليفورنيا احتياجا لرأس المال، ومع الأيدي العاملة الرخيصة نسبيا، والطقس المثالي لزراعة الفراولة في معظم أوقات العام، لم يشعر المزارعون في كاليفورنيا بنفس الضغوط التي يتعرض لها نظراؤهم الأوروبيون.غير أن مجموعة متنوعة ومعقدة من العوامل ألقت بظلالها على مجال زراعة الفراولة، مما جعل المزارع التي تورد محاصيلها إلى المطاعم مباشرة دون المرور على المتاجر الوسيطة، وكذلك الآلات الروبوتية التي تجني المحاصيل أكثر قابلية للتطبيق في كاليفورنيا، ويتمثل التحول الأكثر أهمية في تغير النظام، الذي ينظم استخدام الكيمياويات التي يعتمد عليها مزارعو الفراولة. ومن المعروف أن نباتات الفراولة تقع فريسة لمجموعة من الفايروسات والفطريات والديدان الخيطية المعروفة باسم النيماتودا، والتي تنتشر داخل التربة حيث تقبع في انتظار الفرصة لتصيب محصول العام المقبل من الفراولة بالعدوى، ودون استخدام طريقة التبخير للقضاء على الكائنات الحية الضارة وتطهير التربة منها، فإن العوامل المسببة للأمراض تزداد فتكا بمرور الوقت، مما يؤدي إلى ذبول وتلف المحاصيل الجديدة. وذكرت دراسة حديثة حول تكلفة زراعة الفراولة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2021، أن مزارعي كاليفورنيا يدفعون في المتوسط أكثر من 35 ألف دولار لكل فدان سنويا، كأجور للعمالة التي تجمع ثمار الفراولة، وهذا المبلغ يمثل ما نسبته 40 في المئة من إجمالي التكاليف لكل فدان يزرع بالفراولة، ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام قد زادت مع دخول القوانين الجديدة الخاصة بالأجور والعمل الإضافي في الولاية حيز التنفيذ في العام 2022. وفي السنوات الأخيرة واجه المزارعون في كاليفورنيا أوقاتا أكثر صعوبة للعثور على أيدي عاملة تجني المحاصيل، وأدت معدلات التضخم المرتفعة إلى جانب نقص العمالة إلى حفز العمال بالولاية على المطالبة بزيادة الأجور.
مشاركة :