يأتي الإعلان عن ميزانية العام المالي 1437-1438ه وسط ظروف اقتصادية ومالية صعبة إقليميا ودوليا، وتواجه ميزانية المملكة هذا العام تحديات مختلفة بسبب انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بشكل عام مع انخفاض ملموس في أسعار النفط إلى أدنى مستوى له منذ عدة سنوات إضافة إلى عوامل عدم الاستقرار في دول المنطقة. ومع صدور أرقام الميزانية لعام 1437 - 1438ه التي تقدر إيراداتها ب 513 مليار ريال ومصروفات قدرها 840 مليار ريال. إلا أنه من المؤكد بإذن الله أن المملكة ستستمر في الاستثمار بالمشروعات التنموية مع الاهتمام بقطاعات التعليم، والصحة، والإسكان، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، ومشروعات البنية التحتية مثل المياه والصرف الصحي والطرق. ويدعم هذا التوجه المبادرات الأخيرة التي أطلقتها الدولة مؤخرا ضمن برنامج التحول الوطني سعيا لتطوير أداء القطاعات الحكومية مع الاهتمام بإشراك شريحة متنوعة من أفراد المجتمع ومشاركتهم مسؤولي القطاعات الحكومية من خلال ورش العمل التي تم تنفيذها مؤخرا بهدف تقديم المقترحات والتوصيات التي تدعم برامج التحول الوطني بهدف تنمية أداء القطاعات الحكومية. ومثل هذه الإجراءات تعكس روح التفاؤل الذي يتميز به الاقتصاد السعودي، رغم ما تنبئ به المستجدات والأجواء التي تخيم على سوق النفط العالمية والتوقعات بانخفاضه إلا أن الميزانية تمثل إصرارا على الاستمرار في برامج الإنفاقِ على المشروعات التنموية، والتعامل مع أي متغيرات بشكل مرن، مع العمل على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين بالقطاعين العام والخاص. وهناك ثقة بإذن الله بأن العمل على تحقيق التنمية المستدامة وتعزيزِ التكامل بين القطاعين العام والخاص في دعم برامج التنمية وزيادة مصادر الدخل وتنويعها كبديل للاعتماد على النفط من خلال تعزيز الاستثمار في مجالات متعددة في الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. ونشير هنا لأن المملكة ومنذ عقود أثبتت قدرتها على إدارة مثل هذه الأزمات والتعامل معها بمهنية وهي توجه رسالة إلى مواطنيها بأن الوضع الاقتصادي تحت السيطرة وليس هناك ما يدعو إلى القلق، خاصة وأن المشروعات التي يتم تنفيذها لن تتوقف. والمملكة لا تزال تعيش -ولله الحمد- في طفرة اقتصادية في ظل الظروف التي مرت بها دول العالم والتغيرات التي طرأت على أسواق البترول، ويؤكد ذلك ارتفاع النفقات في ميزانية 2015 بالرغم من التوقعات التي أشارت إلى انخفاض أسعار البترول وتحقيقها أرقاما أقل من الأرقام التي سجلتها في عام 2014 وهذا بإذن الله لن يؤثر على مسيرة المملكة الاقتصادية وتحقيق تطلعات مواطنيها. وفيما يخص قطاع الإسكان فإن الدولة قد أولت هذا القطاع اهتماما كبيرا منذ عدة سنوات بدءا من تحويل هيئة الإسكان إلى وزارة ودعمها بكافة الاحتياجات من أموال وأراض سكنية قابلة للتطوير ودعم برامج الإقراض من قبل صندوق التنمية العقاري بهدف زيادة نسبة التملك لدى المواطنين وتقديم برامج الدعم السكني لمحتاجيه. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة في ظل التغيرات الاقتصادية إلا أنها استطاعت أن تواجه ذلك من خلال السياسات المتزنة والقدرة على التعامل مع هذه التحديات، ويأتي حرص الدولة من خلال زيادة الإنفاق على المشروعات التنموية ومنها قطاع الإسكان الذي لقي اهتماما كبيرا من قبل القيادة الحكيمة من تأمين العديد من المشروعات الإسكانية وعقد الشراكات مع القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات على أرض الواقع بهدف حل المشكلة. وقد شهد السوق العقاري خلال السنوات الماضية هدوءا وعدم وضوح في الرؤية تجاه مستقبله ومشروعاته، وتزامن ذلك مع بدء وزارة الإسكان نشاطها وتكليفها بحل أزمة السكن من خلال بناء 500 ألف وحدة سكنية، حيث خصصت الدولة ميزانية للوزارة بإجمالي 250 مليار ريال يتم تنفيذها على مدار خمس سنوات. وقد سعت الوزارة إلى إنجاز هذه المهمة رغم صعوبتها وعملت على إيجاد الحلول والبدائل السكنية لتتواكب مع حاجة طالبيها، وقد واجهت العديد من المشاكل والعراقيل في بداياتها. إلا أنها في عام 2015 بدأت في البحث عن بدائل وحلول تسهم في تسريع وتيرة العمل بمشروعاتها. وبعد القرارات الجديدة التي تم اعتمادها عام 2015 م بهدف تصحيح أوضاع قطاع العقار، جاءت الفترة الحالية لتحمل الكثير من التفاؤل بأن سوق العقار السعودي سيشهد تحولا نحو تنظيمه وتحقيق التوازن مع التزامن في تنفيذ مشروعات الوزارة، وستكون بداية لتصحيح أوضاعه وزيادة الاستثمار فيه مع القطاع الخاص، ومن هنا يمكن التوقع أن يشهد طفرة عقارية جديدة تبدأ بالعمل على حل أزمة السكن ثم تصحيح أوضاعه وطرح منتجات جديدة تواكب احتياجات المواطنين من المساكن. ومن الملاحظ أن وزارة الإسكان قد عملت على تغيير آلية عملها وسعت إلى إشراك القطاع الخاص في برامجها ومشروعاتها، وفتحت أمامه الباب للعمل في مشروعات الإسكان التي تعمل عليها وهذه بداية جيدة لتحقيق الشراكة والتفرغ لتنظيم عمل السوق العقاري والإشراف عليه وزيادة المعروض من مشروعات الدعم السكني. ومن المتوقع أن يشهد عام 2016 قيام الوزارة بتقديم مشروعات نوعية تسهم في حل أزمة السكن من خلال التعاون مع القطاع الخاص من مطورين ومستثمرين وممولين، بدعم وإشراف مباشر من وزارة الإسكان، التي قررت مؤخرا إسناد هذه المهمة للقطاع الخاص وفق آلية عمل وشروط تحددها الوزارة وتتوافق مع واقع السوق واحتياجات المواطنين. من جهة أخرى كانت القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء السعودي والذي وافق قبل نحو ثلاثة أشهر على فرض رسوم على الأراضي غير المطورة الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن، بهدف اتخاذ خطوات عاجلة لتوفير السكن للمواطنين وتصحيح وضع السوق العقاري وإيجاد الحلول العملية لحل مشكلة الإسكان وكان أبرزها قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني بهدف إجبار ملاكها إما للتطوير أو بيعها لمن يطورها. وهو ما دفع وزارة الإسكان بتوقع عودة السوق العقاري في المملكة إلى وضعه الطبيعي خلال السنوات القادمة. ويلاحظ أن عام 2015م شهد اهتماما وحرصا كبيرا لوضع الحلول الجذرية للإسكان والتي تحتاج إلى الوقت والصبر لأن أي مشروع سكني يحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات على أقل تقدير لتنفيذه علما أن الدولة اعتمدت عددا من مخططات تقسيمات الأراضي السكنية الحكومية والخاصة في المدن والقرى تلبية للطلب المتزايد على الأراضي السكنية، حيث قدر الاحتياج لتوفير 1.65 مليون مسكن جديد لتلبية الطلب المتزايد على المساكن، وقدرت وزارة الإسكان الاحتياج الفعلي من الأراضي المطلوبة لسد الفجوة الإسكانية في السعودية بنحو 500 مليون متر مربع، وفرت منها وزارة الشؤون البلدية نحو 169 مليون متر مربع عبر 238 موقعا في مختلف المناطق. الجدير بالذكر أن وزارة الإسكان وحسب الأرقام الصادرة عنها فإنها حاليا تعمل على 187 مشروعا سكنيا في مختلف مناطق المملكة، وتضم 233,651 وحدة سكنية منها 67 تحت التنفيذ بعدد 70,724 وحدة سكنية، وعدد 25 مشروعا تحت الطرح لاختيار الشركات المنفذة وبعدد 21,360 وحدة سكنية، بالإضافة إلى 95 مشروعا تحت التصميم ويضم 141,567 وحدة سكنية. أما ما يخص صندوق التنمية العقاري فقد وجد اهتماما من الدولة منذ تأسيسه فقد تم زيادة رأسماله عدة مرات بهدف تمكين أكبر عدد من المواطنين للاستفادة من القروض العقارية. وقد طالب صندوق التنمية العقاري بدعم موارده ب30 مليار ريال سنوياً بهدف تقديم 60 ألف قرض سنويا ولمدة عشر سنوات، وقد ضمَّن في تقريره السنوي للعام المالي 1435/ 1436 المعروض على مجلس الشورى حيث اقترح توفير مبالغ دعم محددة لدعم رأس المال على المدى البعيد ليستطيع رسم معالم خطته الإقراضية، ودراسة الحالة الإنسانية والمالية لمقترضي الصندوق المتعثرين عن السداد ممن يثبت عجزهم عن السداد، وتصحيح وضعهم لتعزيز قدرة الصندوق على إقراض من هم على قائمة الانتظار، والعمل على معالجة مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي، حيث تزيد في المدن الرئيسية على 50% من تكلفة السكن، مما يؤثر على ملاءة المقترضين المالية، ويؤخر استفادتهم من قرض الصندوق وعلى جودة ونوعية المساكن.
مشاركة :